خاص: إعداد- سماح عادل
“عبد اللطيف البنا” مطرب مصري من رواد القرن التاسع عشر ورواد عصر النهضة، وشهرته “عبد اللطيف أفندي البنا” ولقب ب”أمير المطربين”.
حياته..
ولد “عبد اللطيف البنا” في 1884 في قرية كفر مستناد التابعة لمركز شبراخيت التابع لمحافظة البحيرة، وكان من أسرة ميسورة الحال تعمل بالزراعة.
أشهر أغانيه: (إيه رأيك في خفافتى- إرخى الستارة اللي ف ريحنا- ما تخافش عليه أنا واحده سجوريا- ياما نشوف حاجات تجنن- وده كان لي فين يا ناس مخبى).
أمير المغنيين..
في مقالة بعنوان (عبد اللطيف البنا أمير المغنيين) يقول “زكي مصطفي”: “بدأ الفنان والمطرب المصري عبد اللطيف البنا حياته شيخاً ومنشدا دينيا لكنه سرعان ما أعلن اعتزال هذا اللون من الغناء واتجه إلي غناء “الطقاطيق” بعد أن خلع الجبة والقفطان وأصبح واحداً من أشهر مطربي العشرينيات في القرن الماضي خاصة بعد أن غني الطقاطيق الخليعة لاحتوائها علي كلمات غير مناسبة، بالإضافة إلي غنائه بصيغة الأنثى عن نفسه.. مثل قوله- أنا واحدة- في أغنية “ماتخافش عليا.. أنا واحدة سجوريا.. في العشق يا انت واخدة البكالوريا” وكان ذلك غريبا جدا وقتها.. خاصة أن صوته الحاد يشبه الأصوات النسائية، وقد كان المطرب الوحيد الذي بلا شارب عكس مطربي جيله.. إنه المطرب “عبداللطيف البنا” الذي امتلك أسلوباً خاصاً وفريداً جعله قادراً علي أداء أنواع غنائية مختلفة تماما عن بعضها، وأصبح له جمهوره الذي أحبه واعترف بموهبته حتى أطلقوا عليه عدة ألقاب.. مثل “كروان مصر”.. “بلبل مصر”.. “أمير المغنيين””.
ويضيف: “جذبه كثيراً غناء طقاطيق عوالم الأفراح واشتهر بها واعتبرها الكثيرون أغاني خليعة، وشاركه في إبداعاته الشيخ زكريا أحمد الذي لحن له كثيراً من الألحان ومنها “الهي ليس للعشاق ذنب” و”جارت علي مهجتي ظلما وما عدلت”.. وكانت الجماهير تسمعه وهو يغنيها وتشعر بأنه صاحب القصة وأن الظلم قد وقع عليه حقيقة فقد كان يملك إحساسا خاصاً به.. يتلون صوته مع تنوع الغناء ويختلف حتى يصلك ما يشعره هو خلال أدائه القصيدة أو الأغنية، وكان يغني بروح السميعة من خلال قوة صوته ترافقه في الخلفية آلة موسيقية واحدة أو عدة آلات شرقية تضيف نكهة خاصة للغناء.. استمر البنا واشتهر بعدة طقاطيق هي: “إيه رأيك في خفافتي وارخي الستارة اللي في ريحنا”.. وواصل العمل في الأفراح إلي أن غادر”.
أغاني قريبة للناس..
في مقالة أخرى بعنوان (حالة شديدة الخصوصية.. عبد اللطيف البنَّا) يقول “محب جميل”: “يروي المؤرخ الموسيقي كمال النجمي في كتابه (الغناء المصري مطربون ومستمعون) حكاية عن موال سلطان جمالك الذي غناه البنا في العشرينيات: “اعتدل المؤلف وتدفقت كلماته: سلطان جمالك على أهل الغرام حاكم/ وحارس الخال فوق ورد الخدود حاكم/ شفتك عشقتك فراقب ربك الحاكم/ يا باهر الحسن اسمح لي بوصلك يوم/ دا الصبر في القلب يا قاضي الغرام حاكم. أصغى عبد اللطيف البنا، وهزة طرب خفيفة تلعب في رأسه يمينًا وشمالًا مع كل شطر من الموال، حتى فاجأه الشطر الخامس والأخير فقفز كمن لدغه عقرب وصاح غاضبًا: أهذا ما اتفقنا عليه؟ الموال من أوله لآخره حلو خالص، ولكن يا خسارة! قبل النهاية بكلمتين تقول لي: قاضي الغرام. يا أستاذ عيب. يا أستاذ لا تنس أنني لا أريد قاضي الغرام. امسحه من الموال، وأكتب أي كلام في مكانه! امتثل المؤلف لأوامر المطرب الكبير، معتذرًا إليه بأنه نسي فقط، ولولا النسيان ما ورد قاضي الغرام على لسانه بأي حال. أصبح الشطر الأخير بعد تعديله هكذا: دا الصبر عني رحل والشوق أهو حاكم. انطلق البنا بالكلمات إلى شركة بيضافون ليسجل فورًا على اسطوانة. لم يمض أسبوع حتى ملأ صوت الاسطوانة مقاهي مصر، ودوى في بيوت العمد والأعيان والأفندية، فضلًا عن البكوات والباشوات!””.
ويواصل: “تظل حالة عبد اللطيف البنا في تاريخ الغناء العربي شديدة الخصوصية، نظرًا لطبيعة الغناء التي انتهجها.. بالرغم من الشهرة الواسعة التي حظي بها البنا إلا أن المعلومات المتعلقة بمسيرته، خصوصًا في الصحافة الفنية، لم تظهر إلا في أوقات لاحقة عقب اعتزاله الفن واستقراره في قريته النائية عن العاصمة. كان من النادر أن تجد له صورة منشورة في إحدى المطبوعات الفنية خلال العشرينيات والثلاثينيات.. انشغل البنا بإحياء الأفراح والحفلات الخاصة إلى جانب غنائه بين الفصول المسرحيَّة، حيث تفرغ بشكل كامل إلى الغناء الفردي وركز جهوده في التسجيلات الصوتية والابتعاد عن المسرح الغنائي والأغنيات الجماعية. كانت أغانيه بسيطة، سهلة الحفظ، تتردد على ألسنة كافة الطبقات، بداية من البسطاء وصولًا إلى الأثرياء والباشوات”..
وعن بدايته يضيف: “ولد عبد اللطيف حب الله البنا عام ١٨٩٠ بقرية كفر مستناد مركز شبراخيت بمحافظة البحيرة. أتم حفظ القرآن الكريم وتجويده وهو لم يتجاوز الاثني عشر عامًا. بعد عام من التحاقه بالمعهد الديني بدسوق توفي والده، وبدأ الصبي رحلته بتلاوة آيات الذكر الحكيم في القرى المجاورة بعد أن تعرف على مجموعة من المقرئين والمنشدين. كان من بينهم الشيخ المحلاوي والشيخ غازي والشيخ أبا النصر، وقد شجعوه جميعًا على المُضي في طريقه لما امتلكه من صوت عذب وتلاوة سليمة. بدأ اسمه يتردد على ألسنة أهل دسوق والقرى المجاورة، وخلال ست سنوات أصبح اسمه ملء السمع والبصر.. في أحد الأيام، بعد أن بلغ من العمر ثمانية عشر عامًا، نصحه أصدقاؤه المقربون بالذهاب إلى القاهرة حيث المجد والشهرة. في القاهرة عام ١٩٠٨، أدرك البنا أن المهمة ليست هيّنة، فالقاهرة تضمُّ العديد من الشيوخ والمقرئين أصحاب الباع والشهرة. لحسن الحظ التقطه بلدياته الشيخ أبا الفضل وعرفه على الشيخ أحمد ندا المقرئ بمسجد السيدة زينب. أعجب الأخير بصوته، وطلب منه أن يرافقه في القراءة يوم الجمعة في مسجد السيدة زينب. بمجرد أن انتهى البنا من القراءة تسابق المستمعون للحصول على اسمه وعنوانه. في حي الحسين تعرف البنا على الشيخ إسماعيل سكر الذي أخذ عنه التواشيح وإحياء الموالد. وفي قهوة أحمد عبده في حي الحسين أخذ البنا يبحث عن أربعة مشايخ يعملون معه كبطانة .ساعده أحد المطيباتية في الوصول إليهم، وكان من بينهم الشيخ زكريا أحمد الذي ظل يعمل معه من عام ١٩١٠ إلى ١٩١٢.. عندما انتقل البنا من شارع الزير المعلق في عابدين إلى شارع محمد علي حدث تحوّل جذري في حياته. تحوّل الشيخ عبد اللطيف البنا إلى عبد اللطيف أفندي البنا بعد أن خلع الجبة والقفطان والعمامة وارتدى البذلة. كان ذلك إلى حد كبير بسبب العوّاد الشهير علي الرشيدي الكبير أحد سكان ذلك الشارع. في أحد المرات أمام محل بيع الآلات الموسيقية الذي امتلكه تعرّف على البنا، وأقنعه بالاتجاه إلى الغناء كما فعل من قبل يوسف المنيلاوي وسلامة حجازي والسيد الصفتي وغيرهم. بدأ الرشيدي الكبير في تحفيظه الأدوار والتواشيح، واتفقا أن يعملا معًا. خلال شهر رمضان استأجر الرشيدي الكبير قهوة أسماها كاستيل بار أمام مسجد الكخيا في حي عابدين القاهري، وكانت المرة الأولى التي يغني فيها البنا أمام جمهور السميعة. غنى دورين هما بافتكارك إيه يفيدك، وكنت فين والحب فين. استطاع البنا أن يحشد جمهورًا واسعًا، ويكسب المال الوفير إلى أن انتقل للعمل مع علي الرشيدي الصغير”.
ويقول أيضا: “كان أجر البنا قد وصل إلى ٣٠٠ جنيه مصري عن الحفلة الواحدة، وغنى في حضرة السلطان المصري حسين كامل نجل الخديوي إسماعيل، لكن حظه مع الإذاعة المصرية لم يكن جيدًا فلم يدعَ إلى إحياء حفلات مباشرة إلا نادرًا حتى غادرها تمامًا. كان يقول: “لو كنت منافقًا أو مرائيًّا لبقي اسمي حتى الآن على كل لسان كما كان من قبل. ولكن المشرفين على الإذاعة أيام زمان طلبوا مني طلبات عديدة ليتيحوا لي الاتصال بالجماهير عن طريق الإذاعة. فلما لم أجب أقفلوا الباب في وجهي، وأبت عليّ كرامتي أن أطرق الأبواب المغلقة”.. مع ظهور السينما الغنائية عام ١٩٣٢ بدأ الجمهور المصري بالانسحاب تدريجيًّا من عالم الاسطوانات إلى الأفلام الغنائية ودور العرض. كما شجَّعت الإذاعة اللاسلكية المصرية بدءً من ١٩٣٤ العديد من الأصوات الجديدة كي تأخذ فرصتها أمام الميكرفون، وبمرور الوقت أصبحت الحياة الفنية المتعلقة بالتسجيلات التجارية وإحياء الحفلات الخاصة والأفراح أقل بريقًا، مما قلل من شهيَّة البنا على مواصلة الطريق.. عندما تلقى خبر وفاة شقيقه الأكبر يوسف عام ١٩٤٠ قرر ترك القاهرة نهائيًّا والعودة إلى قريته لرعاية شؤون أسرة أخيه. بعد عامين من عودته إلى القرية توفيت زوجته الأولى التي تزوجها عام ١٩٢٤ وأنجب منها بنتًا واحدة. تزوج البنا مرة ثانية عام ١٩٤٢ لكنه لم ينجب. اعتاد أن يشرف بنفسه على شؤون المنزل والأراضي الزراعية وكان يقرأ الجريدة بشكل يومي. لائمته حياة الريف الأقل صخبًا من زحام القاهرة”.
وفاته..
توفي عبد اللطيف البنا عام 1969.
https://www.youtube.com/watch?v=c_S1t5oLv3E