خاص: إعداد- سماح عادل
“هشام توفيق الركابي” كاتب عراقي، من مواليد قضاء بدرة بمحافظة واسط 1946، أصدر عدة روايات ومجموعات قصصية منها، (متحديا الرقيب)، ورواية (المبعدون)عام 1977 والتي حققت نسبة توزيع وقراءة كبيرة، و(صعود النسغ)، ملحمة السرد، ورواية (أيوب) عام 1995. وكان آخر ما صدر للركابي (قلعة الحاج سهراب) المجموعة القصصية الصادرة عن دار الشؤون الثقافية نهاية العام (2007).
أيوب..
في مقالة بعنوان (أيوب.. بين النص القرآني والنص الروائي/ قراءة في رواية أيوب لهشام توفيق الركابي) يقول “رعد طاهر كوران”: “كثيراً ما يُعتمد النص القرآني مرجعاً في بناء النص الروائي لدى بعض الكتاب ففي رواية (أيوب)، لـهشام توفيق الركابي نجد أن الروائي يستقريء الأحداث الواردة في النص القرآني من خلال تناولها لقصة النبي أيوب (ع) وصراعه مع المرض، ذلك الصراع المقرون بالصبر الذي مبعثه الإيمان المطلق بالله.واندماج الروح بالجسد “ويشق المجذاف صفحة الماء حتى يدب في روحي نشاط عجيب، مناقض تماماً لحالة جسدي الواهن”(الرواية: 10) .. والنصوص القرآنية/ المرجع، هي: “وأيوب إذ نادى ربه إني مسني الضر وأنت ارحم الراحمين * فاستجبنا له فكشفنا مابه من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين”(الأنبياء:83–84)، “واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب * اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب * ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب * وخذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابراً نعم العبد إنه أواب”(سورة ص 41 وما بعدها).. ابتداءً يسعى الكاتب إلى القيام بنوع من القلب، فنجده يؤكد جملة (وأظلع راكضاً) في مقابل النص القرآني “اركض برجلك”، والفرق كبير بين دلالة (الظلع) و(الركض)، على الرغم من أن المصدرين يشيان بالحركة. ودلالة (الظلع) في المتن الروائي تفشي لنا سرَّاً أكبر، هو: قلب منطق المرجع/ النص القرآني، الذي أنهى القصة بالشفاء وعودة النبي أيوب (ع) إلى أهله. في حين أن نهاية البطل في المتن الروائي، هي الموت مجهولاً، وان كان ذلك بعد تحسن حالته الصحية وتماثله للشفاء الذي جاء بعد صبر طويل جداً”.
ويواصل “ومن الإشارات التي تحيل إلى المرجع، حديث الراوي بلسان المجموع، وكأن الكاتب أراد بـ (الجمع) قوم النبي أيوب (ع): “لم نكن حينها نعلم… أثبتت لنا كل الوقائع… الأخبار التي أخذنا نستقيها عنه”(الرواية : 14). مضيفاً إلى تلك الإشارات، ما يشير إلى أن الربط بين الديني والسياسي سببه الصراع مع السلطة، فالبطل: “لم يعد يمارس أي نشاط سياسي”. وأنه “يتوضأ ثم يصلي في طرف الجامع” (الرواية:19) . أي أنه لا علاقة له بالسياسة، إنما هو ملتزم دينياً. وتتكرر لفظة (النهر) كمعادل موضوعي لـ (المغتسل/الماء البارد) في النص القرآني”.
ويضيف “أما الثيمة الرئيسة التي يستمدها الكاتب من النص المرجع، فتكمن في (الصبر) المقرون بالإيمان، الذي يتحول في المتن الروائي إلى (متوالية الصبر مع العذاب) . فأيوب- في الرواية – يسجن عشر سنوات بسبب اتهامه بالقيام بنشاط سياسي محظور، ويلاقي في أثناء سجنه أشكالاً من العذاب، يصبر إزاءها صبراً مرَّاً حتى يقضي مدة حكمه ويعود إلى قريته ليفاجأ بعد أيام باعتقاله مجدداً بعد أن قام (السيد) – العنوان المتنفذ في القرية- بتلفيق تهمة قتل أيوب لصديقه عذاب. (وهنا إشارة دلالية أخرى إلى أن الصبر يقتل العذاب ويشفي النفس) ويحكم عليه بالسجن لمدة اثني عشر عاماً مع الأشغال الشاقة. و(الشاقة) تحديداً تجعل المتلقي يفكر بحجم الصبر الذي يحتاج إليه أيوب لمواجهة محنته الجديدة. وبعد انقضاء مدة السجن وبطريقة أخرى مدبرة تقوم السلطات الصحية باعتقاله، لإصابته بمرض(الجذام)، وينفى بعيداً عن أهله في محتجزٍ للمرضى المجذومين. ويتجدد صبره هنا في صراعه مع المرض. ويقضي ما يقارب الخمسة عشر عاماً في ذلك المحتجز النائي. ثم يأخذ القص شكل التداعيات التي لا تفارقها (متوالية الصبر والعذاب)، فأيوب ابنٌ لرجل ريفي فقير، يكمل دراسته الإعدادية، ويحمِّل أسرته عبء الالتحاق بالدراسة الجامعية، وما تتطلبه من مال طوال سنواتها الأربع، حتى يحصل على الشهادة الكبيرة في الزراعة. ” كنت عائداً إلى القرية بعد غربة أربع سنوات، حاملاً الشهادة الكبيرة في الزراعة” (الرواية:56)”.
ويقول أيضا: “” أخيراً، وبعد مضي خمسة عشر عاماً وثلاثة أشهر، أصبح بإمكاني مغادرة هذا المنفى الآسن النائي، والى الأبد..” ( الرواية: 205). ويبدو للقارئ أن قصدية الكاتب في التعمية التي نشرها حول شخصية أيوب، أراد بها تعميم الحالة وإظهار معاناة الناس وصبرهم إزاء الظلم المحيق بهم، وأن العبارة الأخيرة المنطوقة بلسان الشخصية، تشي بأن (المنفى) هو الحياة التي يعيشها أبناء البلد، وليس المحتجز الخاص بالمجذومين، بدليل عدم تحديد الزمان والمكان والخلط بين الأوراق التي عثر عليها والتي ليس لها بداية ولا نهاية كما ألمح النص”.
صعود النسغ..
وفي كتاب (الجنس في الرواية العراقية) للكاتب العراقي “داود سلمان الشويلي” في الفصل الثاني يتناول الكتاب الكاتب العراقي “هشام توفيق الركابي” وروايته (صعود النسغ) التي ركز فيها على العلاقة بين الرجل والمرأة، وأخذت مساحة كبيرة في روايته، وقد كانت (صعود النسغ) رواية اجتماعية سياسية بالدرجة الأولى، وقد برز المستوى الإنساني في مجمل العلاقات الجنسية التي جاءت بالرواية. إن المعادلة التي يقدمها “الركابي” وفقا للكتاب في هذه الرواية من خلال منهجه الفكري هي أن المجتمع وليس الفرد هو ثمرة الوضع السياسي والإقطاعي السيئ للقلة الفاسدة. إن الكاتب وهو يتناول العلاقة بين الرجل والمرأة أراد أن يوصل رسالة وهو يقدم حال المجتمع في تلك الفترة من تاريخ العراق، والرسالة هي أن ما وصلت إليه تلك العلاقة من نهايات قد جاءت بتأثير العامل الاقتصادي أساسا، يضاف إليها عوامل أخرى سواء في الريف أو في المدينة. لم يكن الجنس عند شخوص الرواية أطراف العلاقة هو القضية الأساس في حياتهم، أو كان يشكل مأساة حياتهم أو أزمة من أزماتها، وإنما كان عند بعضهم حالة تعويض عن ضغوط الحياة التي يعيشها.
قاعة باسمه..
يذكر أنه في عام 2013 افتتح اتحاد الأدباء والكتاب في محافظة واسط، قاعة للأنشطة والفعاليات الثقافية في مدينة الكوت، حملت اسم الروائي، “هشام توفيق الركابي”، واحتفى الأدباء الواسطيون بمناسبتها بنتاج الركابي الإبداعي مطالبين الحكومة المحلية الاهتمام بنتاجات المبدعين والمثقفين وطباعة مؤلفاتهم على نفقتها والاحتفاء بهم وهم على قيد الحياة. وأنشئت القاعة في مبنى المركز الثقافي في مدينة الكوت الذي يشرف على إدارته ديوان المحافظة، وخصصت لممارسة واستضافة الأنشطة والفعاليات الثقافية، وتم افتتاحها من قبل محافظ واسط، مهدي الزبيدي وبحضور نخبة من الأدباء والمثقفين من محافظتي واسط وبغداد. وقال رئيس اتحاد أدباء “واسط صالح مطروح السعيدي” في حديث إلى (المدى برس)، أن “القاعة الجديدة حملت اسم الأديب والروائي “هشام توفيق الركابي”، وتتسع القاعة لمائة وخمسين شخصا، وتم تأثيثها على حساب ديوان المحافظة”، مبينا أن “القاعة تعد حدثا مهما في المحافظة وتخلد تجربة الركابي الإبداعية”.
وأكد الأديب “سمير الخليل” الذي حضر من بغداد للمشاركة في مراسم افتتاح القاعة “أشارك أدباء المحافظة بافتتاح القاعة لأنني أحد الذين كتبوا عن تجربة الركابي في السرد الروائي”، مبينا أن “مشروع أدباء واسط للاحتفاء بالأدباء الأحياء ومنهم هشام توفيق الركابي بادرة طيبة لابد من تفعيلها وتعميمها”. مؤكدا أن “الاحتفاء لابد أن يكون للأحياء كي يلمسوا مدى الاهتمام والتحمس لهم والشعور بعظمة ما قدموه عبر مسيرتهم الإبداعية”.
وعلى الرغم من أن الروائي “هشام توفيق الركابي” كان ما يزال على قيد الحياة فإنه لم يستطع المجيء إلى واسط لحضور مراسم افتتاح قاعتها الثقافية فيها، بسبب معاناته من مرض عضال جعله يرقد في منزله في العاصمة بغداد.
وفاته..
توفى الكاتب العراقي “هشام توفيق الركابي” في 28 يوليو 2019 بعد معاناة طويلة مع المرض.