18 نوفمبر، 2024 1:27 ص
Search
Close this search box.

دورها ومدى فاعليتها .. المقاهي والمنتديات الثقافيه في النجف

دورها ومدى فاعليتها .. المقاهي والمنتديات الثقافيه في النجف

النجف ومنذ أن أختارها أمام البلاغه علي بن أبي طالب مثوىً طاهراً له ، ومنذ أن نطق قولته الشهيره – فزت ورب الكعبه – بعدالضربه الغادره ، فازت هذه البقعه الطاهره على بقاع الأرض . ومن يومها ذاك صارت تشد أليها الأنظار وتتجه أليها القلوب . حيث الألهام الذي غمرَ أرجاءها وعبق ذلك الخشوع السرمدي الذي عطر أرضها وسماءها . فمنذ ُعام 791 ميلادي أخذت النجف دورها بعد أن ضمت بين جناحيها الحوزه العلميه التي صار يقصدها طلاب العلم من كل أنخاء العالم الأسلامي ، يدرسون فيها مختلف العلوم الدينيه واللغويه ، حيث أزدهرت مكتباتها وشيدت المدارس ، وأصبحت من أهم المدن من الناحيه العلميه للعالم الأسلامي عامةً وللشيعه بشكل خاص . أن هذا التأريخ العلمي العريق أهلَ هذه الحاضره لمثل هذه الرياده على مرِ العصور رغم كل ما تعرضت له من غزوات وحروب وأوبِئه ومتاعب لا حدَ لها . لكنها رغم كل ذلك كانت تنهض لتواصل مسيرتها لرفد المعارف الأنسانيه بعزيمه لا نظير لها وعناد يدعو ألى الأكبار .
وأذا كانت النجف في عصورها السابقه قدمت المثل الأعلى في المثابره والتواصل العلمي والمعرفي ، فأن الدارس لتأريخ هذه المدينه العريقه يجد أنها وعبر كل الحقب وحتى يومنا هذا تتواصل وتواكب الحراك العلمي والمعرفي ، فضلا ًعن تواصلها مع الأبداع الأدبي الذي أزدهرَ بشكل لافت ، حيث أعطت بهذا المجال نتاجاً رائعاً وأسماءً كبيره شكلت أضافه هامه للأبداع ليس على نطاق النجف فحسب بل على مستوى الساحه العراقيه فضلا ًعن الساحه العربيه .
وأذا كانت فترة الستينات من القرن الماضي فترة أزدهار وحراك ثقافي متميز على نطاق العراق بشكلٍ عام ، فأن الدارس للشأن الثقافي يجد أن النجف كانت ولا زالت تؤثر وتتأثر
بكل مستجدات الساحه الثقافيه وتحاول أن تضيف بما لديها لأي نهضةٍ ثقافيه يشهدها بلدنا
لذلك نلاحظ أن العديد من النشاطات الثقافيه قد توزعت وفق ألوان متعدده ، فهي بقدر ما تختلف تلتقي بحميميه واضحه يحدوها أمل للنهوض بالواقع الثقافي ألى آفاق أرحب . ففي مثل هذه الأجواء تكون الأهواء والأمزجه والقناعات من العوامل المساعده عاى خلق العديد من التجمعات الثقافيه ذات الألوان المتعدده حيث يعتقد الكثير من النقاد والمتابعين للشأن الثقافي أنها ظاهره صحيه ودليل واضح على غنى التجربه الثقافيه وديمومتها . واذا كانت الأجواء الثقافيه في بداية الستينات من القرن الماضي قد تميزت بالنشاط والحيويه والعطاء حيث لجألت الغالبيه من الأدباء والشعراء والمبدعين في حينها الى عقد لقاءاتهم في المقاهي غالبأ أو تأسيس ندوات أو روابط ثقافيه أو منتديات كان لها الأثر الكبير في دعم الحركه الثقافيه على مختلف مستوياتها . وأذا كانت النشاطات الثقافيه هي جزء من ذلك الأمتداد التأريخي لهذه المدينه العريقه ، أو صدىً لذلك العمق الضارب في التأريخ فأن الدارس لهذه الظاهره التي أبتدأت بالتجمعات والمنتديات والروابط الثقافيه وأنتهت بالمقاهي الثقافيه . يجد أن هذا الحراك قد ترك بصماته على كافة المستويات الثقافيه وأسس لتقاليد أغنت كثيراً مسيرة الأبداع الفكري والأدبي بألوانه المتعدده ، حيث عرفت الأوساط الثقافيه العديد من المؤسسات والمنتديات والمقاهي الأدبيه التي لعبت دوراً متميزاً على كافة المستويات والتي سجلت حضوراً لا يمكن تجاهله ، حتى أن الدارس لهذه المرحله لا بدَ له أن يقف عندها لأنها بمثابة الركائزالتي أنطلقت من خلالها تلك النهضه الثقافيه المتميزه . وهنا لا بدَ لنا أن نؤشر بعض هذه المحطات الثقافيه التي كان لها الدور الريادي في نهضتنا الثقافيه تلك .
1- جمعية منتدى النشر : أستقطبت هذه الجمعيه مجموعه لها ثقلها الأدبي والثقافي ويبدو أنهم كانوا يقتربون من بعضهم وما يحملون من همٍ ثقافي مشترك . وكان المؤسس لهذه الجمعيه الشيخ محمد رضا المظفر والذي أستطاع أن يستقطب العديد من الأسماء المعروفه ، مثل الشيخ أحمد الوائلي ، والشيخ عبد المهدي مطر ، والسيد مصطفى جمال الدين والشيخ محمد رضا آل صادق والدكتور محمود البستاني ، والشاعرحميد فرج الله والشاعرمجيد ناجي .
2- جمعية الرابطه الأدبيه : أسسها الشيخ اليعقوبي في سنة 1940 ، وأستطاعت هذه الرابطه أن تستقطب أسماء بارزه ومؤثره في الوسط الثقافي لعبت دوراً كبيراً
في حينها ، وقد برز من أعضائها مصطفى جمال الدين ومرتضى فرج الله ومسلم الجابري ومحمد الهجري ومحمد جميل الهاشمي ومحمد حسين المحتصر ومحمد الخاقاني وعلي بدر الدين وجميل حيدر ومحمد حسين الأعرجي وغيرهم .
3- جمعية التحرير الثقافي : تميزت هذه الجمعيه بالعنايه بالتراث الثقافي والتمسك بالشكل التقليدي للشعر والمحافظه على السياقات المتعارفه والابتعاد عن التجديد والحداثه وكان منهم الشيخ عبد الغني الخضري والشاعر عبد الأله جمال الدين والشيخ عبد الزهره عاتي
4- ندوة الأدب المعاصر : أن أنتعاش الحركه الثقافيه وأتساع مدياتها وتبادل التجربه مع أوساط ثقافيه خارج المدينه شجع الكثير من أدبائها الشباب على أقتحام التجارب المعاصره ، وكسر طوق العزله ليؤسسوا لهم منتديات وليثبتوا من خلالها أنهم في حالة تحدٍ أمام الأشكال التقليديه لما أبدعوه من نتاجات حديثه تقف بمستوى ما يصلهم من نتاجات سواء من العاصمه بغداد أو ما يصل أليهم عن طريق المجلات العربيه .
لقد ضمت هذه الندوه تحت جناحيها الكثير من الشباب المتطلع الى الحداثه وكان منهم  الشاعر عبد المنعم القريشي والشيخ عبد الصاحب البرقعاوي وعبد الرسول البرقعاوي وعبد الرزاق الأميري وغياث البحراني وهاتف الجنابي وعبد الأمير الحصيري وجواد الجابري وكاتب هذه السطور وغيرهم .
5- ندوة عبقر : هذه المجموعه كانت تتطلع الى البعيد وحاولت في حينها شَقَ عصا الطاعه والخروج عن التقليديه بتطرف واضح وكأنها كانت تحاول أن تقول لمن حولها أننا الأقدر على مجارات الحداثه ونحن روادها ، وكان منهم هاشم الطالقاني مؤسس الندوه ورئيس تحرير مجلة عبقر الثقافيه ، ورضا الأعرجي وهادي الخاقاني وغيرهم . وشهدت أواسط الستينات من القرن الماضي تجمعات ثقافيه نشطه تركزت في مقاه ٍمعروفه يرتادها الأدباء حيث غالباً ما يحتدم النقاش وتتشابك الرؤى في أجواء تتسم بالحماس والحرص الشديدين .
6- مقهى أبو البسامير : جمعت هذه المقهى نخبه من الأدباء الذين كان يحرص الغالبيه منهم على مواكبة التطورات الحاصله في الساحه الثقافيه ليس على نطاق النجف فحسب بل أمتدت أسهاماتها حتى ألى أبعد من الساحه الثقافيه في العاصمه بغداد وقد ضمت هذه المقهى أبرز أدباء النجف ومن مختلف الأتجاهات الذين برز الكثير منهم على مستوى العراق أو العالم العربي .
7- مقهى الكهف الأخضر : وبعد أن تضخمت أعداد رواد مقهى – أبو البسامير – فضلت مجموعه من الأدباء أختيار مكان آخر حيث حصل أن مقهى صغيره في شارع زين العابدين كانت قد أستهوت هؤلاء الأدباء ، ذلك لأن صاحبها كان شديد العنايه بهذا المكان فقد كانت شراشف الارائك خضراء كذلك الجدران وبعض اللوحات ، وكأن تلك المقهى كانت تغرق باللون الأخضر لذلك أطلق عليها الادباء من روادها أسم – الكهف الأخضر – وقد ضمت هذه المقهى في حينه مجموعه متميزه من الأدباء أذكر منهم موسى كريدي وحميد المطبعي وعبد الأمير معله ورضى الأعرجي وكاظم البياتي وغيرهم . حيث تميز نشاط هذه المجموعه الذين جمعهم الكهف الأخضر العديد من السجالات والمداخلات الثقافيه المتعدده مع التركيز على ما يستجد في الساحه الثقافيه ومتابعته سواء كان على نطاق الساحه العراقيه أو العربيه ، ومن خلال الكهف الأخضر هذا تبلورت فكرة أصدار مجلة – الكلمه – هذه المجله التي لفتت أنتباه الأوساط الثقافيه في بغداد وتعدتها ألى الأوساط العربيه في بيروت ودمشق .
ومن الوقائع التي لا تنسى أننا ذات مساء صيفي دخل كهفنا الأخضر بعض الأخوه الأدباء الأصدقاء من بغداد وكان بينهم الشاعر العربي الكبير – أدونيس – وكانت مفاجأه لا تنسى حيث كانت جلسه قصيره طلب منا أن يسمع نبذه عن الواقع النجفي وقد تمت الأجابه عن أسئلته حول المدينه ، كذلك زار الكهف الأخضر العديد من أدباء بغداد ، وكان يتردد علينا العديد من أدباء المحافظات أذكر منهم الشاعر يوسف الحيدري من كركوك . هذه المسيره الثقافيه الواعده أجهضت تطلعاتها الحروب والصراعات الدمويه التي أحرقت الأخضر واليابس حيث أنحسر النشاط الثقافي بفعل الحصارات المنهكه التي تعمدوا أطالتها أكثر مما ينبغي ، وبعد أن أنزاحت الدكتاتوريه حاولت الحركه الثقافيه أن تتنفس الصعداء حالها حال مفاصل الحياة الأخرى في العراق التي أرهقها النظام الدكتاتوري حيث ظهرت أصوات شابه واعده رغم المعناة التي نعيشها شاركت بالنشاطات الثقافيه سواء داخل النجف أو على مستوى العاصمه أو المحافظات وهي تحتاج اليوم الى الرعايه والدعم وفسح المجال أمامها لتأخذ دورها وتسليط الضوء على ما لديها من أبداع واعد .

أحدث المقالات