قال تعالى {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران : 104] في الواقع قد لا يفهم من يتابع مساجد الأخيار في العراق وهي تضج بجيش من باحثين شباب وأشبال فيتصور أنهم إنما يقدمون فعاليات تقليدية على هامش قراءة القرآن الكريم وقصائد الشور والراب المهدوي.
والحقيقة لا يفهمها إلا من تابع منهج المحقق الأستاذ منذ تصديه لحمل أعباء المرجعية وهدفه الذي يتضح من خلال فتاواه وبياناته في كل ما يرتبط بأوضاع الأمة من دعاوى المسامحة والمصالحة والدعوة للأخّوة والعدل والاعتدال وإحقاق الحقوق ونبذ التطرف والتكفير. رافق ذلك كل المحاضرات العلمية التي طرحها للساحة والتي تخللها دعوات لرأب الصدع وكل ذالك كان مبني على أساس متشرعي وكان بإمكان ذلك أن يجنب البلاد الآهات والمصائب من آلاف اليتامى والأرامل والمشردين والجياع.
والواقع يشهد إن حجم الفتن كان أكبر من أن يُدرك بهذا المستوى الإعلامي البسيط في قبال كل ذلك التضليل الذي مورس من قبل المؤسسات الإعلامية العالمية والمحلية وارتباطاتها الواسعة والمتشعبة بين مناهج اعتقاديه متطرفة ومؤسسات مالية كبيرة أحاطت بالمجتمع وغيرت سلوكه وخضع لها بالتمام إلى درجة فقد معها وجهة الإصلاح والإرادة معاً لا بل كانت ردة فعله سلبية وهو يرى كيف يتم الاعتداء على مرجعية ابن البلد الناصح المحب لوطنه وأبناء شعبه ويكفيك أنك مع هذا الانحطاط الكبير تجد أن منتسبي المعاهد العلمية والجامعات والذين من المفترض أنهم النخبة والذين يُعتمد على خبراتهم في تنمية كل ما يرتبط بقطاعات الحياة في البلد تجد أن هؤلاء وللأسف لا يحركهم إلا سلم الرواتب والمصلحة الخاصة فما بالك بالآخرين.
عند ذلك.. ينبغي أن نعرف مجتمع مثل هذا لا يستجيب لما يحييه سوف لا يقوى على النهوض ولا فائدة من تكرار الخطاب اليه حيث أن فقدان الإرادة وضياع الروح الرسالية أرداه عاجزا.
لذا.. حين نفكر في الإصلاح نسأل أولا يا ترى لما لم يحصل التغيير نحو الأفضل وكيف لمجتمع من المجتمعات أن يسير نحو الهاوية ويتكاتف على تردي أوضاعه؟ وهذا الكلام شامل, وجوابه يكمن في ما ذكرنا من تغيير السلوك الممنهج وفقدان الأمة الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر التي تستطيع خلق رأي عام ايجابي أمام كل تلك السلبيات.
لهذا أمر المولى في الآية المباركة أنفة الذكر بتكون أمة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وذلك لخلق رأي عام رادع عن الانجراف وداعي للحق, أي صناعة ثقافة العدل فأن الإنسان إنما تمنعه ثقافة معينة على أن يمارس خلافها ولذا ترى في سلوك المجتمعات ما يستحسن في بلاد يستهجن في أخرى ذلك ليس إلا لأن ثقافة العقل المجتمعي هي توظف السلوك بتجاه معين.
بعد هذا .. يمكن أن نعرف أن جيشاً من الباحثين الشباب والأشبال في مساجد وحسينيات الأخيار هو لإنشاء جيل للمستقبل متحصن بثقافة العدل والاعتدال وإحقاق الحقوق هذا الجيل الذي من شانه شأنها وطبقاً لقانون وجود الأمة الآمرة بالمعروف أن يغير من سلوك المجتمع بما يمتلك من أخلاقية وعقيدة رصينة تخلق الثقافة العامة التي من شأنها تطويق كل الانحرافات.
وهنا حقيقة نعتبرها نعمة من نعم الله تتجسد علينا في هذا المنهج فأن من سنّ سنّة فله أجرها واجر من عمل بها إلى يوم القيامة كما في الحديث ويا له من اجر عظيم من أن تؤسس أمة تؤمن بل تنشئ العدل والعدالة والإنصاف فيكون ثواب الأبناء للآباء .. ويا له من بؤس أن تورث أبنائك وأجيال من بعدهم ثقافتك وصراعاتك التي ستكون عليك وبالاً يوم القيامة فإنما كل الأجيال هالكة وإنما أراد الله تعالى أن يورث بعضهم بعض الخير والإحسان لا السوء ومضلات الفتن {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف : 38]