خاص: حاورته- سماح عادل
“محمد عماري” شاعر مغربي، من موالید مدینة مكناس سنة 1957، تلقى بھا تعلیمه الابتدائي والإعدادي والثانوي، ثم رحل إلى كلیة الآداب بفاس سنة 1982، تخرج أستاذا للغة العربية واشتغل بالحسيمة ثم انتقل للرباط حيث كانت مهمته حارسا عاما للخارجية بثانوية مولاي عبد الله التأهيلية إلى أن تقاعد صيف 2018. صدرت له أول مجموعة شعرية خلال صيف2000 بعنوان (ذرني أرتب قولي) ومجموعة شعرية بعنوان (عتبات الذاكرة).
إلى الحوار:
(كتابات) متى بدأ شغفك بالكتابة وكيف تطور؟
- الكتابة كتصعيد لليومي النفسي والاجتماعي، رافقني منذ كنت في المرحلة الإعدادية من التعليم الثانوي، حيث كنت أنصت لما كان يتلوه علي والدي من نصوص شعرية للمعري والمتنبي، وأمام قساوة الظروف التي مررت بها خلال هذه المرحلة، زد على هذا طيش المراهقة، كل هذا دفعني لكتابة بعض الخربشات التي لقيت استحسانا سواء من طرف والدي أو زملائي في الصف، ومما شجعني أكثر أستاذي للغة العربية بالقسم النهائي من التعليم الثانوي التأهيلي، حيث كانت قصيدة” أخي” ل”ميخائيل نعيمة” دور السحر في الفكر والوجدان.
ومن حسن حظي، كوني درست خلال مرحلة التعليم العالي على يد شاعرين من كبار شعراء المغرب خلال مرحلة نهاية السبعينيات من القرن الماضي، ويحضرني هنا الأستاذ الشاعر “محمد الخمار الكنوني” وهو شاعر متأثر بنزعة التصوف في الشعر المغربي المعاصر، وكذلك الشاعر الدكتور “محمد السرغيني” أطال الله عمره. ولا أنسى تأثير والدي خريج جامعة القرويين بفاس وفقيه في اللغة والدين، بالإضافة إلى نشأتي داخل وسط اجتماعي محافظ من أصول بوادي مدينة تازة.
(كتابات) هل تسعى لعمل لغة خاصة بك في الشعر؟
- الشعر جنس من أجناس التواصل بين متكلم ومخاطب، وإذا كانت الغاية من التواصل هي إيصال الفكرة للمخاطب، فمن واجب الشاعر تجاوز الإبهام في شعره، وأن يعتمد الغموض المقبول.
(كتابات) ماتقييمك لحال الثقافة في دول المغرب العربي والعالم العربي؟
- المغرب العربي هو جزء لا يتجزأ من جغرافية العالم العربي الممتد من المحيط إلى الخليج، وقد كان لمصر وبلاد الشام أثر كبير في إثراء الجانب الثقافي بالمغرب العربي، وبفضل عامل آخر هو انفتاح المثقفين بالمغرب العربي على الثقافة الأجنبية وخاصة الفرنسية منها استطاع مبدعو وكتاب هذه المنطقة تحقيق تراكم فكري وإبداعي لا يستهان به.
(كتابات) في رأيك هل طغت الرواية على الشعر ولما؟
- العلاقة بين الشعر والرواية هي علاقة متينة، فالشعر أصبح بالنسبة للروائي وسيلة مهمة لإيصال فكرة للقارئ لكونه يعتمد الانزياح كتقنية للتستر على فكرة أو موقف معين.
(كتابات) ما سر التكثيف والإيجاز في نصوصك؟
- من خلال قراءتي لشعر المعري والمتنبي، لاحظت أنهما يعبران عن أفكار ومواقف كثيرة عن طريق الإيجاز والتكثيف، فهما وسيلتان هامتان لإيصال الفكرة للقارئ بعيدا عن اللغو والاستطراد.
(كتابات) هل وجدت مشاكل في النشر؟
- عندما أردت نشر أول قصيدة خلال مرحلة السبعينيات على أعمدة الصحف المغربية، ما زلت أذكر أنني حملت ثلاثة نصوص وسافرت للرباط، فوجدت صعوبة كبرى في قبول نصوصي، وهذا ليس راجع لعدم جودة النصوص، بل للزبونية والصداقة، وهذا ما أرفضه، وهنا أود أن أشكر الأخت بديعة الراضي التي تقبلت نصوصي بصدر رحب وعملت على نشرها بجريدة أنوال. ومن هناك فتحت أمامي أبواب النشر في الملاحق الثقافية الصحف المغربية والعربية. غير أنني الآن في استراحة محارب بعدما ظهر الانترنيت.
(كتابات) هل لابد أن يعبر الأدب عن قضايا المجتمع الذي خرج منه ولما؟
- في اعتقادي لا ينبغي أن نقيد الأديب حول موضوع معين، كأن نفرض عليه أن يكتب عن هموم المجتمع فقط. بل ينبغي أن نترك له مسحة من الحرية لتصعيد همومه التي هي جزء من هموم المجتمع.
(كتابات) وما هو جديدك؟
- جديدي هو كوني في حالة تجهيز لنصوص الديوان الثالث إن شاء الله.
نصوص لمحمد عماري..
رعشة معطرة بالرحيل
مساء
بلا لون
أجراس
بلا كنائس
الليل بينهما
يشرب نخب الهواء،
الحبر
ارتعاش مهجة
موصولة بزبد الموج
كعين سابحة
في سواقي الكشف،
يا أيتها النفس
احملي
فيض روحي
للأشجار العارية،
للريح
تراقص نبتة
تحت الجليد
والدموع
تكحل احمرار الغيم.
أيا راويا
لا تلمني
إن ضاجعت
أجنحة الصفصاف
بفاس
أو عتقت بوحي
بطيف يبعث
من رماده.
يا امرأة
كانت هنا
إن جاءتك
آهاتي
على سعفة
مزينة
بعطر الرحيل،
بللي
سماء الموج
بدمع الصهيل.
ما الصبابة
إلا رعشة أفلت
كليل يلبس
عري النهار
ويبقى هذا الشدو الجميل
خلف حشرجة السؤال
………
نكهة شمس عتيقة
هديل يمامة
على صدر برية
تغازل أشرعة السماء
جائع أنا
لمـاء
يعبق في الدجى
لوقت
يجرحه المساء،
تحضرني زائرتي
وكأن بها حياء
ترف على وجهي
كما الحلم
ينسج أغنية
ينسج أشعارا
يسرج خيلا
لرسم عفـا
ولم يبق
غير صهيل
ونكهة شمس عتيقه.
أيا صاح
عرج بنا
على سوسنة
في غبطة النسيان
أعارت أغنية
لسنابل القمح
لنبض
يتدفق حبرا
ينمو
نبيذا وتينا وعشقا.
أهاجر
بين أغصانك سيدتي
تجرفني سيول مداك
صوب قرنفلة
كانت لنا
ترف فوق غيمتنا
فيشع الضوء
الهارب منا
تخضر مياه الوصال.
يا وجه مريم
اغسلي بالورد
هذا الذي في القلب،
ابعثيه
مع وريقات العبير
لكل تكبيرة
بصانع الوقت.
هذا أنا
حاملا جرح مساء
فوق جواد أبيض،
تلا حقني أشجار الطريق
وبعض تراتيل
عن بدئي
ومنتهاي.
……
مطر يعلن النذير
مطر من زبيب
تذرفه الرياح
يتشكل فسفورا
يعطر شمس غزة
تصدح
الأطيار
الأشجار:
مات الشهيد
عاش الشهيد
من يغسل الجرح
من عري الدماء؟
لا صوت لنا
غير صهيل
غير عويل
يبدد غيم السماء..
كل المسالك مقفلة،
البحر يقصفنا
السماء تقصفنا
الأرض فزاعة سوداء
تعلن النذير
هذا يوم مطير
يا أخت قرطبة
عليك سلام
أبناء جلدتك
تفرجوا
نهشوا
مشاس الشهيد
وناموا
مزجوا العروبة
في نخب كؤوسهم
وضاعوا..
خروب غزة
مرا في جوفكم
احذروا
يوم تكبر الشمس
فوق رؤوسكم
احذروا
يوم تسحب الشمس
أوراق اعتمادكم
من تاريخ الولادة
إلى تاريخ القيامة
…….
مرثيات الشتاء
1-
سأهفو
صوب حلم
يئن بين الصدى
غابر
ظاهر
يضاجع الردى
خلته موالا
يرشف الكؤوس
شطحة صبح
تنزف حبرا
من وجع الرموش .
-2-
سأغدو
صوب طير وماء
أصلي
في خلب الرياح
قريبا من المساء
أزين العشب بالبكاء
-3-
سأهفو
صوب ناي
يوقظ الأشباح
في صدري
يلف حزني
بين طين وماء،
يرتب في جوفي
مرثيات الشتاء.
-4-
سأغدو
صوب غيمة
تكفكف دمع قبرة
نائمة في الخلاء،
توقع في جوفي
هلوسات مجذوب
يغازل الريح
على جذع نخلة
تناجي بوح السماء.