خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في خطوة أثارة جدلًا واسعًا بين الأحزاب السياسية العراقية؛ بسبب ما ستقوم به من تكريس لهيمنة الأحزاب الكبيرة وتمثل إجحافًا بشأن الأحزاب الصغيرة، حسم تصويت “البرلمان العراقي” على تعديل قانون انتخابات مجالس المحافظات، (الحكومات المحلية)، الجدل بشأن الموعد المقرّر الذي ستُجرى فيه الانتخابات المحلية، وآلية توزيع المقاعد، وإمكانية إجراء الانتخابات في محافظة “كركوك”، شمالي البلاد، المتنازع عليها بين حكومتي “بغداد” و”أربيل”.
وصوّت البرلمان في ساعة متأخرة من مساء، يوم الإثنين الماضي، على تعديل قانون الانتخابات المحلية؛ عبر اعتماد طريقة “سانت ليغو” في احتساب أصوات الناخبين على قاسم انتخابي هو 1.9، وهو ما كانت تعارضه التيارات المدنية والكتل الصغيرة والمستقلة، كونه يزيد من حظوظ الكيانات السياسية الكبيرة على حساب الصغيرة.
ويشمل التعديل أيضًا موعد إجراء الانتخابات، الذي سيكون في الأول من نيسان/أبريل 2020. كما حسم الجدل بشأن “كركوك”، حيث ستُجرى الانتخابات في المحافظة بوقتها، شرط تدقيق سجل الناخبين، من خلال مطابقة الأسماء الواردة في البطاقة التموينية مع هويات الأحوال المدنية.
وبحسب مصادر في “البرلمان العراقي”، فإنّ تمرير القانون المختلف عليه منذ ما يزيد عن عامين، جاء بتوافق وتفاهم بين الكتل الكبيرة داخل البرلمان، لافتة إلى قيام السلطة التشريعية بحثّ مفوضية الانتخابات على إجراء العملية الانتخابية في وقتها المحدّد.
تضمن حظ أكبر للتحالفات الكبيرة..
ويشجع التعديل الجديد، الذي يعتمد آلية “سانت ليغو” 1.9، على نشوء التحالفات الكبيرة التي سيكون لها الحظ الأكبر في الانتخابات.
وتعتبر طريقة “سانت ليغو”؛ آلية عالمية لتوزيع المقاعد في القوانين الانتخابية التي تعمل بنظام التمثيل النسبي، وأصلها أن يتم تقسيم أصوات التحالفات على الرقم 1.4 تصاعديًا، وفي هذه الحالة تحصل التحالفات الصغيرة على فرصة للفوز. أما إذا زاد العدد، كأن يكون 1.5 أو 1.6، فصاعدًا، فإنّ حظوظ الكيانات السياسية الكبيرة تتصاعد على حساب الصغيرة.
غير مُنصف وسيدفع لتقسيم العراق..
وقوبل التصويت علي القانون بانتقاد القيادي في المكون التُركماني، “محمد مهدي البياتي”، ووصفه بأنه: “غير مُنصف لمحافظة كركوك، وسيخلق مشكلة جديدة تدفع إلى تقسيم العراق”.
وقال “البياتي” أن تعديل قانون الانتخابات المحلية والتصويت عليه؛ لن يحل المشاكل العالقة في محافظة “كركوك”، بل أبقاها كما كانت، لافتًا إلى أن “مجلس النواب” مرر القانون دون الإعتراض عليه أو وضع أهمية حقيقية لـ”كركوك”.
وأضاف: “أن القانون مرر بضغوط كُردية، ولن يحل قضية تدقيق سجل الناخبين أو إنصاف المحافظة، إذ ستكون الانتخابات مزورة بشكل مطلق”.
خطوة للأمام..
فيما أعلن أعضاء المكون التُركماني في “مجلس النواب” العراقي، أمس، أنهم يعتبرون تشريع قانون انتخابات مجالس المحافظات خطوة إلى الأمام.
وقال النائب عن المكون التُركماني، “أرشد الصالحي”، في مؤتمر صحافي، إن: “نواب الكتلة التُركمانية يؤكدون أن تشريع قانون الانتخابات المحلية، خطوة إلى الأمام”.
وأضاف “الصالحي” أن: “انتخابات مجلس محافظة كركوك، من الانتخابات المهمة، بالنسبة للشعب التُركماني، وأضيفت في فقرات المادة (35) المتعلقة بوضع كركوك، بإلزام مفوضية الانتخابات بتدقيق سجلات الناخبين، بإعتبار أن السجلات عليها شبهات التزوير، للتمييز ما بين البطاقة التموينية وهوية الأحوال المدنية وحذف الأسماء المكررة”.
وأشار إلى أن: “المادة (35) من قانون مجالس المحافظات، أبقت وضع كركوك الاستثنائي إداريًا وقانونيًا ومستقبله الإداري والسياسي على ما هو عليه، باعتبار أن محافظة كركوك حالة خاصة لا يمكن للحكومات المحلية أو للحكومة المحلية القادمة التصرف بمستقبل المحافظة الإداري والقانوني”.
وبَين “الصالحي”، أن: “العد والفرز سيكون كرتوني ويدوي في كل المناطق التي يتم الطعن بنتائجها”.
ومحافظة “كركوك” الغنية بالنفط، متنازع عليها بين كل من الحكومة الاتحادية في “بغداد” وحكومة “إقليم كُردستان” في شمال العراق، بحسب الدستور العراقي.
وقالت مفوضية الانتخابات إن: “كركوك من ضمن المحافظات التي سيتم فيها إجراء انتخابات مجالس المحافظات، بموجب الفقرة المخصصة لها في قانون الانتخابات”.
وأضافت أن: “المفوضية ستعتمد سجلات الناخبين ذاتها، التي تم إعتمادها في الانتخابات السابقة في كركوك من أجل الانتخابات المقبلة”، موضحًا أن: “الوافدين على كركوك، بداية من عام 2013، لن يُسمح لهم بالمشاركة في الانتخابات بالمحافظة”.
رفض حقوقي..
كما أعلنت 28 منظمة حقوقية ومدنية عراقية، رفضها وإدانتها الشديدة للتعديل، وهددت المنظمات بالدعوة إلى الاحتجاج السلمي ومقاطعة الانتخابات المحلية التي من المقرر أن تجري، في الأول من نيسان/أبريل 2020.
وللمرة الأولى منذ سنوات؛ تتفق مجموعة من المنظمات التي تنتمي إلى طيف واسع من المحافظات العربية، من ضمنها محافظات “نينوى” و”صلاح الدين” و”الأنبار”، إلى جانب “بغداد” ومحافظات وسط وجنوب البلاد، على رفض تعديل لقانون في “مجلس النواب” العراقي.
وأصدر تجمع المنظمات، أمس الأول، بيانًا قال فيه: “نعلن إدانتنا الشديدة للتعديل الأول على قانون انتخابات مجالس المحافظات غير المنتظمة بإقليم”.
وعبّرت المنظمات عن قلقها بخصوص معادلة إحتساب أصوات الناخبين للأشخاص والكيانات التي يقرها قانون “سانت ليغو”، والتي رُفعت لتكون 1.9 بعد أن كانت 1.7 في الانتخابات على القانون المعدل، التي جرت بضوئه الانتخابات الماضية.
يحد من قدرة القوى السياسية الصغيرة والشخصيات المستقلة..
واعتبر البيان أن: “التعديل مجحف ويعرقل عملية التمثيل الحقيقي للناخبين، لأنه يجعل المنافسة غير عادلة بين من يسعون إلى المشاركة في الانتخابات، ويحدّ من قدرة القوى السياسية الصغيرة والشخصيات المستقلة على الوصول إلى مجالس المحافظات”.
ورأى البيان أن صيغة التعديل الجديدة: “تكرس هيمنة وسيطرة الكتل والأحزاب المتنفذة والكبيرة على المفاصل الإدارية والتنفيذية في المحافظات”.
وطالبت المنظمات الموقّعة على البيان، “مجلس النواب العراقي”، بـ”عدم إعتماد هذه التعديلات والرجوع على الأقل إلى نسبة 1.3”.
كما طالبت المنظمات أيضًا، رئاسة الجمهورية، بإعادة القانون إلى “مجلس النواب” وعدم المصادقة من أجل إعادة النظر فيه بما ينسجم مع الملاحظات الكثيرة التي أبداها المجتمع المدني وسائر الحريصين على المنهج الديمقراطي في “العراق”.
تهديد بإتباع وسائل الاحتجاج..
وأكدت أنها: “ستتابع وسائل الاحتجاج اللاعنفي كافة، وفي مقدمتها الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات، من أجل التعبير عن رفضنا لهذه التعديلات”.
ومن بين المنظمات التي اشتركت في صياغة البيان: (مؤسسة مدارك، والمركز المدني للدراسات والإصلاح القانوني، وجمعية الدفاع عن حرية الصحافة في العراق، ومعهد نيسان للوعي، والمنتدى، ومنتدى السلام في هيت، ومنتدى ذي قار الاجتماعي، ومنتدى ميسان الاجتماعي، ومنتدى النجف الاجتماعي، ومنتدى الديوانية للبيئة والسلام، ومنتدى السلام في الفلوجة، وفريق مجلس شباب تكريت التطوعي).
وتنص المادة (9) أولاً، وهي مثار الاعتراض من القانون، على أن: “تُقسم الأصوات الصحيحة لكل قائمة على الأعداد التسلسلية، (9، 7، 5، 3، 1… إلخ)، وبعدد مقاعد الدائرة الانتخابية؛ ويتم اختيار أعلى النواتج حتى استنفاذ جميع مقاعد الدائرة الانتخابية”.
تعزيز للديكتاتورية السياسية..
بدورها؛ اعتبرت النائبة عن كتلة (بيارق الخير)، “علية الإمارة”، أن إعتماد نسبة 1.9 بقانون الانتخابات الذي أقره البرلمان مؤخرًا هو تعزيز لما وصفته بـ”الديكتاتورية السياسية”، داعيةً، رئاسة البرلمان، لإعادة النظر فيه.
وقالت “الإمارة”، في مؤتمر صحافي عقدته في مبنى البرلمان، إن: “إعتماد نسبة 1.9 هو تعزيز للديكتاتورية السياسية من جديد، ويعني عدم إتاحة الفرصة أمام القوى الناشئة الجديدة في أخذ دورها في عملية التغيير والبناء والإصلاح في العراق”.
وأشارت إلى أن: “هذه النسبة تحصر إرادة الدولة بعدد من المواطنين؛ وهذا يُضعف الدور الرقابي لمحاسبة الفاسدين وإضاعة الفرصة على الكثير من المواطنين للمشاركة في الانتخابات المقبلة لمجالس المحافظات”.
للتدوير وليس للتغيير..
وفي مؤشر إلى احتمال تفكك تحالف اليسار العراقي والتيار الصدري في تحالف (سائرون)؛ جراء التصويت على التعديل الجديد، هاجم القيادي في “الحزب الشيوعي” العراقي وتحالف (سائرون)، “جاسم الحلفي”، التعديل الجديد، وكتب عبر صفحته في (فيس بوك) أن: “قانون (سانت ليغو) 1.9؛ للتدوير وليس للتغيير، وهو يقول: إن التغيير الذي يضمن الحياة الكريمة لفقراء العراق لا يأتي عبر الانتخابات”.
ومضيفًا: “أجزم… لو أصرّ المتنفذون على قانون (سانت ليغو9 1.9 لن تتجاوز نسبة الذين يشاركون بالانتخابات المقبلة 15%، وهذه هي الفضيحة المرتقبة”.
ويتوقع كثيرون إنحسار نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات المحلية المقبلة، نظرًا إلى إنحسار نسبتها في الانتخابات العامة الماضية إلى نحو 30%، إلى جانب الغضب الذي يسيطر على قطاعات شعبية واسعة ضد الأحزاب والقوى السياسية العراقية.
أفضل من القانون السابق..
فيما قال عضو اللجنة القانونية في البرلمان العراقي، “صائب خدر”، إنه يتفهم حملة الاحتجاجات ضد القانون لأنه “سيسهم في عدم وصول الكتل الصغيرة والشخصيات المستقلة إلى مجالس المحافظات؛ ويبقي السيطرة على تلك المجالس حكرًا على الأحزاب والكتل الكبيرة”.
وقال “خدر” إن: “اللجنة القانونية ناقشت أربع صيغ لتعديل نسبة إحتساب الأصوات، منها مثلاً اختيار صيغة 1.9 والسماح بصعود أكبر مرشحين خاسرين في حال لم تفز قوائمهم، كذلك طرحت صيغة 1.4، لكن اختيار البرلمان وقع على صيغة 1.9”.
ورأى “خدر” أن: “التعديل الجديد أفضل بكثير من القانون السابق، والنسبة المقرة بحساب الأصوات لن تُحدث فروقًا كبيرة بالنسبة إلى القوائم الفائزة حتى لو إعتمدت صيغة 1.3 بقانون، (سانت ليغو)”.
مستبعدًا إمكانية تغيير النسبة أو تعديل التعديل الجديد، نظرًا إلى التوقيتات المحددة لموعد إجراء الانتخابات التي لا تسمح بأي تغيير.
لا يلبي طموحات الشعب العراقي..
ويرى “عادل اللامي”، وهو خبير قانوني دولي في الشؤون الانتخابية؛ سبق له أن قاد العمليات التنفيدية في الجهاز العراقي المشرف على الإقتراع، أن: “قانون الانتخابات الحالي من أسوأ القوانين”، مشيرًا إلى أنه: “لا يلبّي طموحات الشعب العراقي”.
ويرى “اللامي” أن: “بعض الأحزاب تخالف الدستور بتضييقها للقسمة الانتخابية” عبر اختيار آلية لتوزيع الأصوات تضمن استبعاد الشخصيات المستقلة عن الساحة السياسية.