خاص: قراءة- سماح عادل
في ملف (الحضارة المصرية القديمة)، نواصل قراءة الكتاب الأول في (موسوعة مصر القديمة) للكاتب المصري “سليم حسن”.
الأسرة الخامسة:
يؤكد الكتاب على أنه نتيجة انتشار عبادة الشمس في البلاد ازداد نفوذ الكهنة في عين شمس، وقد كان الإله “رع” في بادئ الأمر إله محلي لهذه البلدة ويعرف بالإله “أتوم”، والدليل على تمجيد الشمس في هذا العصر ظهور مبان خاصة لتكون هياكل للشمس، إذ كان يوجد بجوار الأهرام معابد أطلق عليها “معابد الشمس”، وكل منها يحتوي على مسلة، وعلى جدران المعبد نقشت قوارب تمثل القارب الذي تسبح فيه الشمس نهارا من الشرق إلى الغرب، والآخر الذي تسبح فيه من الغرب إلى الشرق، بالإضافة إلى أن القبر الذي كان يدفن فيه الملك كان على شكل حجر يعرف باسم “بن بن”، وهو يشبه الشكل الهرمي وهذا الشكل الهندسي كان مقدسا في معبد عين شمس ويعتبر رمز للإله “رع “.
ملوك الأسرة الخامسة هم الذين أقاموا معابد الشمس، وبنوا الأهرام التي بجوارها في أبي صير الواقعة قرب سقارة، وعلى جدران هذه المعابد يوجد لأول مرة النحت البارز، وكذلك أعمدة مقامة تحمل أسقفا وبوابات مصنوعة من الجرانيت الوردي، وتيجان لهذه الأعمدة مزينة بأشكال زهرة البردي والبشنين، وهذه الأعمدة الجديدة تختلف عن الأعمدة ذات القنوات التي أقيمت في سقارة في عهد الأسرة الثالثة، وعن الأعمدة الضخمة التي أقيمت في معبد “خفرع” بالجيزة، وقد بقى شكل الأعمدة ذات التيجان متبعا في مصر إلى أواخر عهد الفن المصري، ولم يدخل عليها إلا تغيير طفيف في الحلية.
الملك وسر كاف..
كان قبل توليه عرش الملك كاهنا أعلى لبلدة عين شمس، ومدة حكمه لم تدم طويلا، ويظن أنه لم يحكم أكثر من سبعة أعوام، أقام معبدا للشمس يحتمل أنه في أبي صير، غير أنه اختفى نهائيا مثل هرمه، ومن المحتمل أنه استعمل فيما بعد مصدرا لمباني العصور التي تلته، واسم المعبد “نخن رع” أي بلاط “قربان رع”.
الملك سحور رع..
خلف “وسر كاف” ويقال أنه أخوه، ويعد من الملوك الحربيين، فقد أرسل أسطولا إلى ساحل “فنيقية”، وفي أواخر حكمه قام بحملة في بلاد بنت عادت حاملة 80 ألف مكيال من العطور، و6 آلاف مكيال من الذهب، و2600عصا ربما كان من الأبنوس، كما بنا معبد للشمس في أبي صير.
نفر اركا رع كاكاو..
خلف “سحورع”، كان ملكا محببا لدى رجاله وكان يحافظ على معابد أجداده، وبعد وفاته تولى الملك ثلاثة ملوك، يظهر أنهم كانوا أخوة لكن لا يعرف قرابتهم للملوك الذين قبلهم، الاثنين الأولين “شبسسكارع”، و”نفرفرع” لا نعرف عنهما شيئا، أما ثالثهم “نوسر رع” كان شخصية هامة حكم نحو 30 عاما.
منكاوحر..
جاء بعد “نوسر رع” وأرسل حملة إلى شبه جزيرة سينا.
الملك إسيسي..
جاء بعد “منكاوحر” الملك “زد كا رع” “إسيسي” ولا تعرف صلة الرحم بينهما، وكان عصره حافلا بالأعمال العظيمة، ومن الطريف أن “فتاح حتب” صاحب التعاليم المشهورة، التي تعد أقدم ما وصل من حكم للمصريين، كان مربي الملك “إسيسي” وقد حكم “إسيسي” ما يقرب من 28 سنة.
الملك وناس..
آخر ملوك الأسرة الخامسة ومن أعظم ملوكها، حكم حوالي 30 عاما، وقد بنى هرما في سقارة، ووجدت حجرة الدفن التي فيها تابوته منقوشة كل جدرانها بتعاويذ وصلوات دينية، الغرض منها حفظ المتوفى في آخرته، وهذه أول مرة تكون حجرة الدفن في الأهرام منقوشة بمتون دينية.
متون الأهرام..
في عام 1881 فتح عالم فرنسي هذه الحجرة، وكذلك أبواب أهرام ملوك السارة السادسة، وهم “تيتي” و”بيبي الأول” و”مرن رع” و”بيبي الثاني” وكلها في سقارة، وهذه المتون في حجر دفن هذه الأهرام متشابهة، وتحتوي على الآلاف من الأسطر، وقد ترجمها “مسبرو” العالم الفرنسي ثم أعاد ترجمة معظمها حديثا العالم الألماني “زيته”، وتعد هذه المتون الأساس الأكبر لمعرفة الديانة المصرية، ولما جاء عصر الدولة الوسطى وجدت متون مشابهة لها، مكتوبة بالحبر الأسود على توابيت خشبية لعلية القوم، أما في عصر الدولة الحديثة فقد وجدت متونا أكثر نموا وأغزر مادة، مكتوبة على ورق بردي، كان يوضع مع المتوفي في قبره، ويسميها علماء الآثار “كتاب الموتى”، وتقع في أكثر من 120 فصلا، وكل هذه المتون في العصور المختلفة أصبحت مصدر لمعرفة الديانة، ورغم أن هذه المتون وجدت لأول مرة في عهد الملك “وناس” إلا أنها تدل على أن أصلها يرجع إلى زمن سحيق في القدم.
عبادة رع في الأسرة الخامسة..
منذ عهد “شبسسكاف” قامت نهضة لمقاومة عبادة الإله “رع”، الذي أخذت في النهوض والظهور في أواسط الأسرة الرابعة، ولكن نجم هذا الإله أخذ يعلو في عهد الأسرة الخامسة ثانية، وأخذت عبادته تنتشر حتى أصبحت عبادة الدولة الرسمية، وقد كان “رع” يعبد في صورة الإله “أتوم” الإله المحلي لبلدة عين شمس، ولكن عندما أصبحت مصر أمة عظيمة متحضرة تعتقد في نفسها أنها مركز العالم وأن الأمم الأخرى ليست لها أهميةكانت عبادة “رع”، وقد كان هم الإله “رع” حاكم العالم أن يهتم بالبلاد المصرية، وقد أخذ يحل محل الإله “حور” فأصبح إله الدولة.
وأول من بنا معبد ل”رع” “وسر كاف”، ثم تبعه من خلفه، وأحدث الملك “كاكاو” ثالث ملوك الأسرة الخامسة نظاما جديدا نحو تمجيد إله الشمس، حيث اتخذ لنفسه لقب “جمال قرين رع”، فمنذ الأسرة الرابعة كان الملك يسمى “ابن الشمس” غير أن هذه التسمية أصبحت أكثر استعمالا في عهد الأسرة الخامسة، وفي خلال الدولة الوسطى منذ عهد الأسرة الإهناسية والأسرة الحادية عشرة، أخذ هذا اللقب يدخل تدريجيا في السجلات الملكية.
كل معابد الإله “رع” في عهد الأسرة الخامسة كان تقام على الهضبة الصحراوية الغربية خلف المدن الملكية في منطقة منف، حيث يخرج من مقر الملك طريق منحدر ينتهي في طرفيه بأروقه توصل إلى المعبد، وهو مقام على تلة ممهدة ومثبتة بالأتربة المنقولة، وتقام في ردهة غير مسقوفة مسلة يبلغ ارتفاعها نحو 60 مترا إلى قاعدة تشبه قمع الخياط، وهذه المسلة مبنية من كتل من الحجر الجيري المرصوص بعضه فوق بعض، وأمام هذه المسلة كانت تقام مائدة أو مذبح كبير الحجم منفرد من المرمر، وعلى جوانب هذه الردهة توجد مخازن المعبد.
وطراز هذا الهيكل يختلف عن كل المعابد المصرية، إذ لا يحتوي على أي تمثال للإله، ولذلك لم يكن فيه أي ناووس أو محراب للتعبد، وذلك لأن الإله الذي كان يعبد فيه لم يكن مقره على الأرض، ولم يتقمص أي حيوان أو تمثال، ولكنه يسطع في السماء، أما المسلة التي يحتمل أنها كانت في الأصل قطعة حجر منصوبة، فليست إلا رمزا قديما لعبادة الشمس القديمة، ومن ملحقات هذا المعبد سفينتا الشمس، وهما اللتان يسبح عليها الإله في السماء، وقد اكتشفت سفن من هذا النوع منذ الأسر الأولي، ففي معبد “خفرع” اثنتان، واكتشف في معبد “خوفو” اثنتان ويبلغ طول الواحدة منهما أكثر من خمسين مترا، والطريق المنحدر الذي يبتدئ من المقر الملكي، عبارة عن طريق مغطى ينتهي عند المرتفع ذي القاعدة المكعبة، ومن هذا المكان يخرج الملك من الظلمات إلى نور النهار، محييا الإله الذي يبزغ من الشرق، ومعه جمع غفير من القوم يحملون أمامه القربان إلى المائدة.
عبادة “رع” التي أدخلها ملوك الأسرة الخامسة أضافت إلها جديدا للآلهة القديمة فحسب، وذلك لأن الملوك كانوا يحتفلون بعبادة الآلهة الآخرين، بنفس الحماس الذي أظهروه ل”رع”، فكانوا يوقفون عليها القرابين والأراضي، كما كانوا يفعلون مع الإله الجديد، وكان يعبد في هياكل “رع” مثيل له اختلط معه فيما بعد، وهو الإله “حور” الذي يطلق عليه “حور الأفق” “حور أختي” وإلهة السماء “حتحور”.
والجدير بالذكر أن عبادة “رع” كانت تتميز بتطور فكرة المصريين الدينية، كما أن فكرة الملك المقدس التي فرضت على الشعب في عهد الأسرة الرابعة وجدت ما يناهضها في عبادة “رع”، فإذا كان واجب الملك في عهد الأسرة الرابعة هو إقامة مقبرة ضخمة، فإنه منذ الأسرة الخامسة أصبح عليه واجب أكثر صعوبة، وهو بناء هيكل جديد لعبادة الشمس، لكن تأثير هذه الفكرة الجديدة بدأ يتلاشي حينما بدأ آخر ملكين من ملوك الأسرة الخامسة يتنحيان عن بناء معابد جديدة للإله “رع”، ومنذ ذلك العهد أخذت عبادة “رع” تتضاءل أمام عبادة الآلهة الأخرى، خاصة الإله “فتاح” وهي الآلهة التي كانت عبادتها راسخة في ضمائر عامة الشعب، وليس هناك شك في أن هؤلاء الآلهة خضعوا لنفوذ الإله “رع” خلال حكم الأسرة الخامسة، وكان رجال الدين والنبلاء يعتقدون أن الآلهة المحلية ليس لها نفوذ أو سلطان إلا لأنها مظهر من مظاهر الإله “رع”، أما الإلهات فكانت في اعتقادهم إلهات السماء أو بعبارة أخرى أمهات للشمس.
وكذلك كان الحال في فكرة الملكية فإذا كان الملك يعتبر أنه ابن ملك العالم الشمس، فإننا نجد سلطانه من هذه الناحية يزداد، ولكن من جهة أخرى نجد شخصيته أصبحت خاضعة لفكرة دينية أكثر سموا، فلم يصبح الملك متساويا مع والده “رع” في أنهما يستمدان حقوقهما من مصدر واحد، بل أن الملك على العكس أعلن طاعته وخضوعه وتنفيذه لإرادة والده “رع” وهذا هو السر في أنه لم يعد يطلق اسم “الإله العظيم” فيما بعد، كما كان ينادى في عهد الدولة القديمة، بل أصبح ينادى الإله بلقب “الإله الطيب”.