خاص: إعداد- سماح عادل
“داود حسني” مغني وملحن مصري.
حياته..
ولد “داود حسني” في 26 فبراير سنة 1870 لعائلة مصرية من طائفة اليهود القرائيين، واسمه في شهادة الميلاد “دافيد حاييم ليفي”، وعاش في حي الصنداقية الشعبي القريب من حي اليهود القرائيين في قسم الجمالية، بالقاهرة. بدأ دراسته في “مدرسة الفرير” في حي الخرنفش بالقاهرة وأكمل المرحلة الابتدائية وبدأ ميوله وحبه للموسيقى وعبقريته في الغناء.
وفي شبابه انجذب إلى فن الموسيقى والغناء وترك المدارس وهو في الرابعة عشر من عمره وقد ظهرت عبقريته في الغناء منذ الصغر عندما انضم إلي فرقة الأناشيد الدينية في المدرسة ويقال أنه لحن أغنية بالفرنسية عندما بلغ الثانية عشر، ترك “داود” المدرسة واشتغل في مكتبة “الشيخ سكر” لتجليد الكتب، وربما كان اشتغاله بهذه المكتبة هي بداية احترافه للموسيقى، حيث كان “الشيخ سكر” من المتحمسين لحلقات الذكر، وقد انبهر “الشيخ سكر” عندما سمع صوت وغناء “داود”, لذلك سمح له بالغناء أثناء عمله بالمكتبة، وحدث عن طريق المصادفة أن الشيخ “محمد عبده” عند حضوره إلى مكتبة “الشيخ سكر”, الذي كان يقوم بتجليد كتب ومؤلفات الشيخ “محمد عبده”, أن سمع “داود حسني” وهو يغنى أثناء عمله في المكتبة فقال إن هذا الشاب سـيكون له نصيـب وافر في عالم الفن والغناء إذا أذن له الله أن يمارس مهنة الـغناء والموسيقى. وكانت كلمات الشيخ “محمد عبده” لها وقع كبير في نفس “داود” وأشعلت في نفـسه رغـبة تـعـلم الموسيقى. نتـيجة لهذا نشـأت صداقة بينهما, وتابع الشيـخ “محمد عبده” باهتمام تقدم “داود”، وبدأ “داود” أثناء عمله في المكتبة بقراءة الكتب المُتاحة له من فنون وعلوم وأدب وموسيقي لكي يعوض ما فاته في المدارس وأصبح بذلك يعادل طبقات المجتمع المثقف في عهده.
واستقل “داود” مركباَ شراعياَ عبر نهر النيل وذهب إلى المنصورة و تتلمذ علي يد المعلم “محمد شعبان” مدّرس الموسيقى لتعلُم العزف على الآلات الموسيقية لمدة سنتين، وأخيرا قال المعلم “شعبان” ل”داود” بأنه أصبح كفؤا ويمكنه العودة إلى القاهرة ليمارس اشتغاله في عالم الموسيقى والغناء. وقد اكتسب “داود” أثناء وجوده بالمنصورة فناَ طبيعياَ من سماعه لأغـاني الفلاحين والصيادين والمراكبية، وعاد إلى القاهرة حاملاَ معه كنوزاَ من فن الموسيقى، ومن مسكنه في القاهرة أخذ يطل علي معالم القاهرة من مآذن وكنائس ومعابد ونسج من خلال هذا مختلف الألحان والنغمات.
وابتدأ في أول ألأمر بغناء أنغام “عبد الرحيم المسلوب” ومن أنغام “عبده الحامولى” ولما استمع “الحامولى” إلى غناء “داود” قال إن فنه ارتفع إلى مصاف الخالدين، كان صوت “داود” يشبه صوت “محمد عثمان” وكان يِعرف بالفنان ذو الأذن الذهبية حيث كانوا يعزفون الموسيقى بالسماع فقط فلم يكن يوجد رموز موسيقية حينئذَ، وتقديرا لموهبة “داود” سمح “محمد عثمان” له أن يستخدم فرقته الموسيقية لإحياء الحفلات والأفراح وفى مختلف المناسبات.
وابتدأ “داود حسني” بالتلحين عندما كان في العـشرين من عمره، مما لفت أنظار العاملين بالموسيقى وأول دور قام بتلحينه هو “الحق عندي لك يا اللى غـرامك زايد” ومن هذا الدور اعترف “محمد عثمان” بمقدرة “داود حسني” وبأنه سيكون خليفته في عالم الموسـيقى والغـناء. حمل “داود حسني” لواء الموسيقى الشرقية بعد وفاة “عبده الحامولى” و”محمد عثمان” بسـبب تقديمه أنغـام جديدة من نوع المقـام. وأحدث تطويره في أسلوب الغناء إلي اتساع مجال الموسيقى العربية. وقد اعترف بفنه كل من: “عبده الحامولى”، “محمد سالم الكبير”، الشيخ “يوسف المنيلاوي”.
وابتدأت ألحانه وموسيقاه تـنتشر لكل من: “سليمان أبو داوود”، “أحمد فريد”، ومن بين المغنيات: “اللاوندية”، “أسما الكمسارية”، “بمبه العواده”، نزهة وكثير غيرهم.
جرأة وتجديد..
وأسلوب “داود حسنى” دار حول جرأته في التجديد ومزجه مختلف المقامات، لقد أدخل النغم الفارسي بجانب النغم التركي والأندلسي حيث كانت هذه الأنغام غير معروفة في الموسيقى المصرية، وكان أول من أدخل هذه المقامات في الموسيقى المصرية. ولاقت الجماهير “داود حسنى” بترحيب بالغ لأنغامه التي غيّرت الغناء من ناحية الفكرة والنغم، واجتذبت ألحانه جيل جديد من المغنيين والمطربين من بينهم: “زكى مراد”، “سيد مصطفى”، “محمد صابر”، “صالح عبد الحي”، “عبد اللطيف البنا”، “عبد الله الخولى”، “محمد أنور”، “محمد عبد المطلب”. ومن المطربات: “منيرة المهدية”، “فتحية أحمد”، “نعيمة المصرية”، “توحيدة المغربية”، “نادرة”، “ليلى مراد”، “نجاة على”، “سهام”، “سكينة حسن”، “هيام” “أسمهان”, و “أم كلثوم”.
كانت موسيقى “داود حسنى” تختلف في التوزيع بمزج النغمات مع الإنشاء والتوزيع الموسيقى، ويلاحظ هذا في تلحينه لأكثر من خمسمائة أغنية ومن أشهرها “فؤادى أمره عجيب”، لحن هذه الأغنية على وزن مقام كردان وغناها “يوسف المنيلاوى” و”محمد السبع” و”على عبد البارى” و”سيد مصطفى”.
لحن “داود حسني” أكثر من 500 أغنية (دور ومقطوعة) ونحو 30 أوبرا وأوبريت. من ألحانه الأغان الشعبية «أسمر ملك روحي» و«جننتيني يا بت يا بيضة» و«البحر بيضحك ليه وأنا نازلة أدلع» و«يا تمر حنا روايح الجنة».
حوالي سنة 1910 ظهر طابع جديد في موسيقى “داود حسنى” بمزجه الموسيقى الشعبية مع الموسيقى التقليدية ليمتع آذان عامة الشعب والطبقات الراقية في قصورهم لإحياء حفلات زواجهم ومناسباتهم المختلفة. وبذلك وصل إلى قلوب الجميع في وقت واحد.
الأوبرا..
كان أول من لحن وأدخل موسيقى “الأوبرا” الكاملة، فقد أهدى الغناء المسرحي المصري “أوبرا شمشون ودليلة”, التي قال عنها النقاد أنها فتح جديد في عالم الموسيقى العربية، كما أدخل التحسينات ووحد الخصائص المصرية في الموسيقي الشرقية، وأثناء مؤتمر الموسيقى الذي عقد في القاهرة سنة 1932 أعتبر النقاد أن “داود حسنى” هو أحد المؤسسين للتراث الخالد لفن الموسيقى المصرية.
في سنة 1906 مُنح “داود حسني” الجائزة الأولى في مؤتمر الموسيقي المنعقد في باريس لتلحينه الدور المشهور “أسير الحب”.
وانتشرت أغانيه وألحانه في مصر كما عبرت لما وراء البحر الأبيض المتوسط، الأغاني المرحة والبسيطة في هذا العهد من تاريخ مصر، ومن بين هذه الأغاني والطقاطيق:
صيد العصارى يا سمك بني – مقام رست.
يا تمر حنه – عراق.
شربات التوت – بيّات.
هاتيلى يامّا عصفورى – بيّات.
. هات الدهبية وتعالى عدينى – نواثر.
. حلوانى هاتلى ملبس – حجاز.
يا نينا وصّى شيخة الزار- سوزنك.
قمر له ليالى – رست على جهاركا.
. يا سلام على الفّلا – راست.
. يا عروسة يا رقّة – حزام.
. سنابل غله – صبا.
. راح فين تليفونك – نقريز.
يا خوخ يا ناعم يا ابو الخدّين – صبا.
. يا محلاة الفسحة في راس البّر – نهاوند.
وعزفت فرقة الموسيقى العسكرية في حديقة الأزبكية المقطوعات التالية:
ليلة في العمر ما فيش منها.
آدى الخضرة وآدى المية.
جننتينى يا بت يا بيضة – وقد غناها لزوجته ألأولى عندما قابلها أول مرة.
فرجنى على شجر المنجه.
أدرنة يا حلوة- هذه الأغنية انتشرت على نطاق واسع حتى وصلت إسطنبول بالرغم من حظر السلطات البريطانية لها في الحرب العالمية الأولى.
ومن ناحية أخرى لم يترك “داود حسنى” أي نوع أو طراز من الموسيقى بدون أن يستعمله في ألحانه الموسيقية.
ومن مساهمته في هذا المجال التواشيح التالية التي لحنها:
رمانى بسهام – مقام نهاوند.
قريب المزار وبعيد الوصال – مقام نهاوند.
أذكروا الحب – مقام نواثر.
أرى إليكوا – مقام نواثر.
وقد انغمر أيضاً في القصيدة (الشعر) ولحن:
يوم الوداع.
عيون المها.
يا ليلى لظلّى.
واستمر “داود” في تلحين التواشيح والأدوار والمواويل والطقاطيق حتى سنة 1919 وبعدها اتجه إلى نوع جديد مهم من الغناء المسرحي، الأوبريتات كانت أول محاولة له، فقد تلاقت موسيقاه مع الموضوع قلباُ وقالباً بغض النظر إن كان المغنى فرداً أو مجموعة. قدمت فرقة “نجيب الريحانى” أوبريتات هزلية تعكس السخرية أو القدر المحتوم في حوار لطيف، وشاركت زوجته “بديعة مصابنى” في هذه الأوبريتات الهزلية كمطربة. وأول اوبريت لحنه “داوود حسنى” هو “صباح” كتبه “حامد صعيد”، وأوبريت “معروف الإسكافي” منقول من قصص ألف ليلة وليلة الذي كتبه”محمد محمدين” و”محمد عبد القدوس” وقام بتمثيله “علية فوزي” و”زكى عكاشة” هو الذي أظهر براعة “داود حسنى” في أنغام “الإنس” و”الجن” و”حكم معروف و تقديره”.
ومع كل هذا النجاح لم يكتف داود بهذا فقد كان هدفه هو الأوبرا الكاملة. قام بتلحين أوبرا “شمشون ودليلة” مأخوذة من التوراة . كتبها “بشارة واكيم” وقامت بالأداء “فاطمة سرى” و”زكى عكاشة”. وفاق “داود” نفسه بتلحينه “القس” وصلاة عبدة الأصنام مع الموسيقى التصويرية للمعبد. وبسبب هذا المجهود المضنى تدهورت حالته الصحية إلى درجة أنه استعمل العصا ليتوكأ عليها أثناء سيره.
وفاته..
توفي “داود حسني” في سنة 1937 ودفن في مقبرة اليهود القرائيين بالبساتين بالقاهرة.
https://www.youtube.com/watch?v=QaS4z02eqWo