16 نوفمبر، 2024 5:45 م
Search
Close this search box.

كمت 10: أبو الهول إله الشمس “أتوم” الذي يحرس الموتى

كمت 10: أبو الهول إله الشمس “أتوم” الذي يحرس الموتى

 

خاص: قراءة- سماح عادل

في ملف (الحضارة المصرية القديمة)، نواصل قراءة الكتاب الأول في (موسوعة مصر القديمة) للكاتب المصري “سليم حسن”.

أبو الهول..

لم تصل معلومات عن أبي الهول من مؤرخي اليونان الذين زاروا مصر قبل الميلاد، بل كانوا مهتمين بالأهرام ووصفها. يقع تمثال أبو الهول في الجهة الشمالية من نهاية الطريق بين المعبد الجنائزي ومعبد الوادي للملك “خفرع”، وهو محفور في قطعة واحدة نحتت من صخرة محلية، ولقد رمم في عصور مختلفة ويبلغ طوله 46 مترا وارتفاعه 21 مترا، وهو تمثال له رأس إنسان وجسم أسد. أما تاريخ نحته فاختلف فيه المصريون أنفسهم.

هناك نقوش متأخرة تدل على أنه نحت في عهد “خوفو”، ولكن البحث العلمي أكد على أنها نقوش دخيلة من العصر الدولة الحديثة وما بعدها، ولم نعثر على تاريخ أو نقش معاصر يدل على زمن نحته بالضبط، لذلك يعده الأثريون لغزا من الألغاز، ومع تأمل ما كان يعامله به ملوك مصر من الاحترام والتقديس، خاصة من الأسرة ال18 إلى آخر عهد الرومان، يتضح أن أبو الهول لابد وأن يكون معبودا من المعبودات المصرية القديمة، إذ منذ الأسرة الخامسة نجد الملك كان يشبه بعد وفاته دائما بالإله “أتوم” الذي كان أعظم الآلهة المصرية قوة وسلطانا، ومثل هذا الإله برأس إنسان أي القوة المفكرة وجسم أسد أي القوة الجسمانية، وكان الملك نفسه يمثل نفسه بهذه الكيفية، وقد بقى هذا التمثيل إلى أواخر العهد الروماني.

ومن هنا جاء الالتباس بأن “خفرع” هو الذي صنع تمثال أبي الهول، وأثبت الكشف الحديث أنه صنع في عهد الملك “خفرع” وعلى صورته، ولكنه يمثل إله الشمس عند الغروب وقد كان يطلق عليه “أتوم”. ولكن المصريين أنفسهم أخبرونا كتابة أن تمثال أبي الهول هو الإله “حور أم أخت” أي “حور في الأفق” الملك المتوفي، وقد ذكره المؤرخون الإغريق باسم “حرماخيس” والدليل اللوحة التي كتبها “تحتمس الرابع” تعبدا لهذا الإله، وسرد ما فعله له من الخدمات إجابة لطلبه، عندما أظهر “حور أم أخت” رغبته في إزالة الرمال التي كانت متراكمة حوله، وقد أزال الرمال وبنى من جهاته الأربع سورا من اللبن ما يزال جزء منه باقيا إلى الآن، وعلى مسافة أربعين مترا غرب السور أقام سورا آخر لحماية السور الأول من الرمال.

وقد جاء بعد ذلك ملوكا من الأسرات ال18 وال19 وال20 بنوا مساكن للكهنة الذين كانوا يقومون بتأدية الفرائض الدينية لهذا الإله، وهؤلاء الملوك قد اتخذوا البقعة التي حول أبو الهول مكانا للصيد والقنص، وكانوا يطلقون عليها “وادي الغزلان” وعثر أخيرا على بيت وحمام ل”توت عنخ آمون” في هذه الجهة، ولما جاء “رعمسيس الثاني” نقش اسمه على هذا البيت بعد أن طمس اسم “توت عنخ آمون”. بقى اعتقد العلماء أن أبو الهول يمثل “خفرع” إلى أن كشف حديثا معبد منفصل عن المبعد المجاور له، وموقعه في الجهة الشرقية من وجه أبي الهول، وهذا المعبد أقيم لعبادة هذا الإله ونصبت فيه تماثيل الملك الذي أقامه غير أنه لم يبق إلا قواعدها.

والواقع أن هذا التمثال يمثل الشمس عند الغروب، وهي تعد أكبر المعبودات عند المصريين، وإن هذا المعبد الذي أنشئ أمامه أقيم خاصة لعبادته، ولا يمكن أن يكون قد أقيم لعبادة “خفرع” إذ أنه أقام لنفسه معبدين أحدهما جنوب هذا المعبد وهو معبد الوادي، والآخر هو المعبد الجنائزي الواسع شرق هرمه مباشرة، ولا غرابة في إقامة تمثال أبي الهول في هذه الجهة إذ كان على مقربة منه بلدة عين شمس، التي كانت تعد اكبر مركز لعبادة “أتوم” إله هذه الجهة المحلي، ومما يعزز ألوهية أبي الهول أن المصريين في عصور مختلفة كانوا يصنعون تماثيل له ويعدونها تذكارا في الحفلات الدينية التي كانت تقام له، وقد عثر منذ بضع سنوات على أكثر من عشرين تمثالا له صغيرة الحجم، في الرمال التي كانت تغطي معبده، وعلى تماثيل متوسطة الحجم أمام معبد “أمنحتب” الثاني الذي أقيم فيه لوحته المشهورة.

أما العهد الذي نحت فيه فقد عرف على وجه التقريب، إذا دلت الكشوف الأخيرة على أانه نحت بعد إقامة الطريق الموصل بين المعبد الجنائزي ومعبد الوادي للملك “خفرع” أي أنه نحت في عهد خفرع.

في عام 1937 قامت مصلحة الآثار بحفائر لتنظيف المنطقة التي تقع حول أبي الهول أدت إلى كشف مائة وخمسين لوحة تذكارية، وأثار أخرى وبعض مقابر في الجهة البحرية، يرجع عهدها إلى الدولة القديمة وأهم هذه اللوحات لوحة الملك “أمنحتب الثاني” وقد نصبها داخل معبد خاص له تذكارا لزيارته منطقة الهرم وأبي الهول، وفيها ذكر أن أبي الهول هو الإله “حور أم اخت” وأنه الإله “أتوم”، وتكلم عن الأهرام بأنها أهرام أبي الهول أي أنه نسبها إلى هذا التمثال، أما اللوحات الكثيرة التي كشف عنها في هذا العام فقد استخلص منها معلومات جديدة:

دلت البحوث أن ملوك منذ بداية الأسرة ال18 حتى نهاية العهد الروماني كانوا يزورون هذا المكان المقدس، وكذلك يتقربون إليه بتقديم القرابين واللوحات التذكارية، كما كانوا يتقربون إلى الإله أوزير في العرابة المدفونة، وكانوا يطلقون على معبد أبي الهول اسم “المكان المختار”، وتدل كل الآثار التي كشفت في هذه المنطقة على أن أبا الهول هو الإله الذي يحرس الموتى في الغرب، وأنه مظهر الشمس عند غيابها في الأفق.

منكاورع..

خلف “منكاورع” “خفرع” وحكم عشرين عاما، ومن المحتمل أنه ابن خفرع وترك له المشاحنات التي قامت بينه وبين أسرة “ددف رع”، ويظن أن “منكاورع” هو الذي أكمل مقابر أسرة والده، ومقبرة والدته “خع مرر نبتي” في الصخرة الواقعة في الجنوب الشرقي للهرم الثاني، واستعد لبناء الهرم الأصغر غير أنه وضع تصميمه على أن يكسى بجرانيت أسوان الأحمر، بدلا من الحجر السلطاني الأبيض الذي كان يجلب من طره، وقد كانت تكاليفه أاقل بكثير من تكاليف أهرام أسلافه، غير أنه مات فجأة أثناء العمل بهرمه، وكان الهرم قد كسي إلى نحو الثلث ومعبده الجنائزي كسي من الخارج، وحجرة القرابين كسيت بالجرانيت الأحمر والأسود، أما معبد الوادي فلم يتم في عهده وأتمه بعده “شبسسكاف” باللبن، ووضع في المعبد كل أدواته من تماثيل وأوان، غير أن بعضها غير تام، وتدل الحجر الداخلية في هذا الهرم على حصول تغيير في تصميمها أثناء سير العمل.

وفي عام 1837 دخل الكولونيل “هارود فيس” حجر هذا الهرم، فوجد في الحجرة العليا قطعا من تابوت خشبي، ومعه بقايا إنسان ملفوف في ثوب من الصوف الخشن لونه أصفر، ووجد في الحجرة السفلى تابوتا من البازلت، وقد نقل التابوت وبقايا الجسم إلى المتحف البريطاني، أما التابوت البازلتي فقد شحن إلى انجلترا ولكن السفينة غرقت به في “لجهورن” في 1838.

وقد كشفت لنا حفائر الدكتور “ريزنر” في معبد الوادي ل”منكاورع” عن نفائس فنية ودينية، وهذه المجموعة تعد أنفس مجموعة وجدت في الدولة القديمة من الأسرة الرابعة، ومن بينها مجاميع إلهات المقاطعات وتمثالان ل”منكاورع” وزوجته في قطعة واحدة بالحجم الطبيعي من الجرانيت، ويعدان من أجمل قطع في الفن المصري في هذا العصر.

وأهم وثيقة عثر عليها في عهده عثر عليها في مقبرة أحد كبار موظفيه المسمى “دبحن”، وفيها يقص هذا الموظف الكبير كيف أن مولاه قدم له خمسين عاملا لبناء مقبرة خادمه الأمين، وقد تعطف عليه “منكاورع” بذلك حينما كان على الطريق التي بجانب هرم “حر” يتفقد حال العمل في هرمه المسمى “المقدس”، وهو اسم الهرم الثالث أما هرم “حر” فهو هرم آخر هو هرم ابنته “خنت كاوس”، وهناك طريق تربط بين الهرمين وقد سمى هرمها “حر” أي العالي من مسميات الأضداد، إذ الواقع أن هرمها كان في منخفض، وكان “منكاورع” يعرف في الأزمان التي تلت عهده بأنه رجل تقي وكان يحترم ويقدس كحكيم من الحكماء في عصر الرعامسة.

شبسسكاف..

تولى بعد والده “منكاورع” ولم يشيد هرما لنفسه على هضبة الجيزة، بل رجع إلى مكان أجداده بالقرب من سقارة، وابتدع لنفسه مقبرة فريدة في بابها، حيث بنى لنفسه مصطبة ضخمة وبنى فوقها مصطبة أخرى على شكل تابوت، وجعل لتلك المقبرة كل الملحقات التي تتبع الهرم.

وجدير بالذكر أن إقامة المقبرة على شكل هرم يعد اعترافا بإلهية الشمس وسلطانها العظيم، ووضع المتوفى تحت حمايتها ليصل إلى العالم الآخر، منذ بداية حكم الملك الثالث من الأسرة الرابعة دخل في تركيب اسم الملك لفظة “رع” أي الشمس، وفي أوائل الأسرة الخامسة اعتبر ملوك هذه السارة أنفسهم أولاد “رع” مباشرة وخلفاءه على العرش، وكان من الغريب أن يوجد ثلاثة ملوك لم يدخل في تركيب أسماءهم لفظة “رع” وهم “شبسسكاف”  و”خنتكاوس” و”سركاف” مما يدل على أنهم تنحوا عن الانتساب إلى عقيدة عين شمس.

وقد كان “شبسسكاف” أول من تخلى عن هذه العقيدة وأظهرها في بناء قبره، مقتنعا بفكرة أقل روحانية، وهي أن يخلد في القبر نفسه بدلا من السماء، بأن يبني لنفسه قبرا على شكل تابوت ضخم، وهو المكان الذي تأوي إليه “الكا” أي “الروح المادية”، وتجعل الجسم مخلدا ما دامت تزوره، ولاشك أن هذه الحركة كانت قائمة ضد كهنة عين شمس، الذين كان سلطانهم يزداد على سلطان الملك، كما حدث فيما بعد في عهد الأسرة ال18.

وفي عهد هذا الملك كان “فتاح شبسس” يعد من أهم الشخصيات التي عاشت في هذه الفترة، وقد ترك ترجمة لحياته كما كتبها بنفسه مما يلقي الضوء على تاريخ هذا العصر من بعض النواحي، وقد كان معمرا حيث عاش خلال حياته حكم ستة ملوك، تنقل في مدة حكمهم في وظائف عدة، وقد أحصى الوقت الذي خدم فيه هؤلاء الملوك فكان يزيد عن ال80 عاما، وكان متزوجا من كبرى بنات الملك “شبسسكاف” الذي لم ينجب ذكرا يتولى الحكم من بعده.

يحكي “فتاح شبسس” أنه ولد في عهد “منكاورع” الذي رباه مع أطفال الملك في الحريم الملكي، وكان مقربا إلى الملك وفي عهد “شبسسكاف” رباه مع أولاد الملك في قصر الملك وقد زوجه من كبرى بناته “معات خع”.

وقد ذكر المؤرخون بعد “شبسسكاف” ثلاثة ملوك، غير أن الآثار لم تذكر واحد منهم، وبقيت نهاية هذه الأسرة غامضة حتى عام 1932، عندما كشفت البعثة الخاصة بالجامعة المصرية القائمة بأعمال الحفر في منطقة أهرام الجيزة، عن الهرم الرابع الذي دفنت فيه “خنت كاوس”.

الملكة خنت كاوس..

هي ابنة “منكاورع” لأن “شبسسكاف” مات ولم يترك خلفا من الذكور، فقامت “خنت كاوس” بالمطالبة بالعرش بعده وكان لها بعض المنافسين، غير أن الدم الملكي جعل لها الأولوية، ولذلك كتبت على باب هرمها “ملك الوجهين البحري والقبلي، والأم الملكية، وبنت الإله، وكل شيء تام ربه ينفذ لأجلها” وتزوجت من أحد عظام القوم المنتخب وليا للعهد، ولذا سميت الأم الملكية، غير أنها لم تذكر اسم زوجها لأنه ليس من دم ملكي خالص، وكان عصرها حافلا بالاضطرابات والمشاحنات على تولي الملك، وقد ذكرت قوائم الملوك بعض أسماء في نهاية الأسرة الرابعة، غير أنها لم تذكر في هذه الآثار.

ولما أنجبت “خنت كاوس” “سركاف” خلصت البلاد من تلك الفوضى السياسية، وكانت الحلقة الوصل بين الأسرتين الرابعة والخامسة، وقد أقامت “خنت كاوس” في عهد حكمها هرما خاصا في منطقة أهرام الجيزة، لأنها أرادت أن تكون بجانب والدها “منكاورع”، غير أنها لم تتخذ شكل الهرم تماما بل استحدثت في المعمار المصري طرازا جديدا، يجمع بين الشكل الهرمي والهيئة الجديدة التي كانت عليها مقبرة أخيها “شبسسكاف”، وجعلت قاعدة هرمها مربعة الشكل كما هو الحال في أهرام الجيزة، وأقامت على هذه القاعدة شكل لتابوت لتحاكي مقبرة أخيها، ويبلغ طول قاعدة هذا الهرم نحو 45 مترا وارتفاعه 35 مترا، وقد أثبتت البحوث التاريخية أن “خنت كاوس” ربما كانت الملكة “نيتو كريس” التي ذكرها المؤرخون  ونسبوا إليها إتمام الهرم الثالث والتحريف في اسمها من النطق.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة