23 نوفمبر، 2024 4:12 ص
Search
Close this search box.

البترول والفقه الإسلامي

البترول والفقه الإسلامي

قال تعالى { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة : 45]
إن الفرد المسلم بحكم عبوديته لله يعتقد أن ما يُصطلح عليه عنوان أحكام المعاملات ليس بمنعزل عن الهدف من وجود الإنسان في هذه النشأة, فهنالك ارتباط وثيق بين العبادات والمعاملات, فجميعها وجدت لتنظيم حياة الإنسان وتصحيح سلوكه من خلال إشباع حاجاته الروحية والمادية.
لكن..نتيجة للإرث التاريخي في وجود الطبقية المجتمعية والتي ميزتها الأساسية هي الاستحواذ على الأقدر الأكبر من الملكية, فحتى المحيط الإسلامي الكبير بقي متأثرا بذلك الموروث, حيث أنتقل من مجتمع الرق والعبودية الذي كانت العبيد ترى فيه إنها جزء من ممتلكات السيد الحر وأن قراراته نافذة بكل ما يرتبط بتنظيم شؤون حياتهم بحكم ملكيته, كذلك وأن انتهى عصر الرق لكن هذه الثقافة تجلت بصورة أخرى من خلال رؤية الرعية إلى شخص الحاكم أو السلطة على أنها تلك الطبقة الحرة في اتخاذ القرارات في كيفية تصريف أمور العامة وإدارة أموال الدولة أو بمعنى سيادة الدولة المطلقة, في حين أن الإسلام عالج هذه الكيفية وحدد الحدود وعين الحقوق ومنها عناوين الملكية التي حددها بثلاثة مفاهيم هي الملكية الخاصة والملكية العامة وملكية الدولة.
فأحكام الثروات التي توجد في الفقه الإسلامي والتي تنظم علاقة الفرد بما موجود على سطح الأرض أو في باطنها من الثروات ظاهرة وباطنة بحسب المصلح الفقهي والتي يعتبر البترول إي النفط جزأ منها, ومصطلح الثروات الظاهرة يقصد به المواد التي لم تختلط في التربة على شكل لا يمكن فصلها إلا بمعالجة, فقد اعتبر الشارع الإسلامي أن هذه الثروات الظاهرة ملك للجميع, وأباح لكل فرد أن يستخرج منها ما يؤمن حاجته ويملك بهذا المقدار بل على سبيل المثال إنه إذا استطاع الفرد أن يحفر بئر فله أن يستخرج منه مقدار حاجته وليس لأحد أن يزاحمه “في تفصيل”
وهنا.. حين تمنع الدولة مواطنيها من التصرف بالثروات العامة فإنما من المفترض أن الغاية من ذلك ليست منع الملكية وإنما هو منع الاقتطاع أو الإقطاع أو الحمى وهي سيطرة البعض دون الآخر على الثروات.
ولربما يكون هذا الإجراء قانوني إذا كنت الغاية منه تنظيمية إلا أننا لا نرى ذلك وفق من يقول أن البترول هو من الدومين العقاري أي ملك خاصة للدولة باعتبار أن البترول ملاصق للأرض.
وهنا ينبغي أن نعرف الفرق بين ملكية الدولة والملكية العامة فقهيا ففي الأولى يمكن للسلطة أن تتصرف بحكم المصلحة بإقطاع أو استثمار ملكيتها الخاصة لبعض الشركات أو الإفراد بما يرتبط بالمصلحة العامة وإدارة شؤونها أما في الملكية العامة فأن الإدارة وأن كانت بيد الدولة لكنه ليس من حقها إقطاع هذه الأموال أو التصرف بها بشكل يخرج ثروة ما بعد الإنتاج عن أيد العامة وبعض شؤون إدارة الدولة مع التحفظ على مصطلح الدولة فقهيا.
وهنا رغم التعديلات الاصطلاحية على الدساتير الوضعية لكنه من حيث التعامل مع الأفراد ومقدار حق الفرد كمواطن في ثروته بقي رهين سيادة سلطة الدولة التي لم تكترث لمقدار ما يستحقه الفرد من العيش الكريم وصيانة الكرامة.
فلو لاحظنا التعديلات على الدساتير الوضعية ومنها مثلا الدستور العراقي وتغيير اصطلاح ملكية الثروات الطبيعية وبما فيها النفط نلاحظ انه في عقد الستينيات من القرن الماضي صيغ القرار على أن هذه الثروات وقواها هي ملك للدولة وهي التي تتكفل حسن استغلالها, وعدل في التسعينيات ليكون بهذا العنوان: إن الثروات الطبيعية ووسائل الإنتاج الأساسية ملك للشعب تستثمرها الدولة بموجب مقتضيات المصلحة العامة وتتولى السلطة المركزية حصرا استثمار الثروات الطبيعية الأساسية كالنفط والغاز استثمارا مباشرا. أما قانون المرحلة الانتقالية لما بعد سقوط النظام السابق فالمادة فيه نصت على أن الثروات الطبيعية التي تعود لجميع الأقاليم تكون إدارتها بالتشاور بين حكومات الأقاليم والمركز ويراعى نسبة التوزيع السكاني بصورة عادلة.
وعلى هذا فأننا رغم اختلاف الاصطلاحات نلاحظ أن الصيغ القانونية لا تفرق بين ملكية الشعب أي الملكية العامة وملكية الدولة فالسلطات تتصرف بكلا الملكيتين سواء اصطلح على الثروات بأنها ملك للشعب أو أنها ملك للدولة على حد سواء فلم يوضع برنامج لإيجاد التوازن بين حق المواطن في التصرف في الثروات الظاهرة والباطنة واستخدام الأراضي للسكن أو للزراعة بعد أن منع التصرف بها إلا ضمن إجراءات قانونية وبين النفقات التي تسير بها شؤون الحكومة.
ولعل أهم ما يختص به الفقه الإسلامي في هذا المجال هو مبدأ الضمان الاجتماعي والذي منه ينطلق بناء القطاع الخاص بشكل صحيح فأن هذا المبدأ غير محدد بقيم معينة بل أن مقدار الضمان يضيق ويتسع بحسب قدرة الدولة وتقدمها والتي ينبغي أن تنظر إلى احتياج المواطن من خلال تسديد حاجاته الضرورية كنفقة مباشرة يستحقها كونه شريك في تلك الثروات ولكي يتوفر لديه رأس المال في بناء أي مشروع يناسبه والذي ينبغي أن توفره الدولة له من خلال التوزيع العادل في الأراضي التي يمكن بناء المحال والمنشآت الصناعية عليها أو الأراضي يمكن أن تكون صالحة للزراعة ومشاريعها.
وبهذه الطريقة أي توفير الضمان الاجتماعي يتمكن الفرد من حفظ وتقوية رأس المال دون الحاجة لإنفاقه في الحاجات الضرورية التي سيتكفلها مبدأ الضمان وبعد ذلك يصبح الفرد منتجاً يمكن للدولة أن تفرض عليه الضريبة المقررة بدلا من أن يكون هو من مستحقي الزكاة.
إلا أن مشروعاً مثل هذا يتعارض مع سياسة تحزيب المجتمع إذ أن ذلك يعني أن المواطن يحصل على حقوقه دون الحاجة إلى أن ينتمي إلى هذا الطرف أو ذلك, لا بل أكثر من ذلك إن العقلية المجتمعية إذا ارتقت إلى هذا المستوى ستقف بالضد من أي مشروع يحاصص تلك الثروات ولهذا سعى الحكام عبر التاريخ للعب على أي وتر من الممكن أن يتم من خلاله تقسيم المجتمع وتنمية الشعور لديه بالخوف والحاجة لنفس السلطان الذي يهضم حقوقه ويأكل ثرواته, لا بل أن الأمة تتجيش ضد من يحاول إصلاح أمرها وتصبح عدوة لمنقذها ولهذا رأينا الخذلان قد وقع تاريخياً على الحسين ـ عليه السلام ـ وعلى الشهيدين الصدرين كخط حسيني إصلاحي يحمل هذا المشروع وكذلك نفس الأمر بل اشد وقع على المحقق الأستاذ وهو يمتلك ما يفوق أساتذته قدس الله أسرارهم.
ولهذا نحن هنا لا ندعو إلا تحزب أو أن نكون طرف من الأطراف, إنما هو منهج الغاية منه توعية المجتمع وعلى اقل تقدير بناء جيل جديد يفهم معنى العدل والاعتدال والوسطية في ظل المفاهيم الإسلامية وما يحمله المحقق الأستاذ من أطروحة علمية تختزل الإصلاح بكل مضامينه للارتقاء بالمجتمع.

أحدث المقالات

أحدث المقالات