حازم الشهابيلا يمكن الخلاف من الجانب النظري؛ على إن التجربة الديمقراطية في العراق تعد من أقوم التجارب السياسية في المنطقة لما تتمتع به من حرية اختيار الشعب لممثليهم في السلطة التشريعية (البرلمان) من خلال انتخابات حرة نزيهة, تدار من قبل هيئة مهنية مستقلة, بمراقبة الأمم المتحدة وعدد من منظمات المجتمع المدني والأكاديميين والناشطين.
إما من الجانب العملي ألممارساتي, وما يتبعه من نتائج واقعية, فهو ما يزال محط خلاف وشد وجذب لدى معظم المتابعين للمشهد السياسي العراقي, نتيجة لعدم تحقق الغاية المرجوة للنهوض في بناء دولة مؤسساتية ترتقي لمصاف الدول المتقدمة, فضلا عن ما يشهده البلد من تراجع خطير في العديد من الملفات الخدمية المهمة. في حين يرى البعض الأخر إن التجربة السياسية في العراق؛ بأنها تجربة فتية, وهي بحاجة للمزيد من الوقت لتأصيل جذورها و إرساء مبادئها الديمقراطية والوطنية في صلب المجتمع, والمتصدين للعمل السياسي على حد سواء, ومن الطبيعي جدا ونظرا لحداثتها, تشوبها بعض المشاكل والمنغصات.
إن حقيقة ما يثار حول جدلية نجاح العملية الديمقراطية وتقدمها في العراق من عدمه؛ يجب إن يخضع كما غيره بطبيعة الحال للقواعد العقلية والمنطقية والاستقراء الواقعي المنضبط والمقايسة المجردة, المنسجمة مع متطلبات المرحلة, والنتائج الملموسة المتحققة خلال أكثر من خمسة عشر عاما من تاريخها.
بعيدا عن التحليل المؤدلج, والقراءة النمطية لواقع العراق السياسي و أداوتها البالية, نخلص؛ أن العراق, يمر بأسوأ مراحل تاريخه السياسي, نظرا لغياب الوازع الوطني لدى اغلب الكتل السياسية, وتغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العليا للبلد, إذ كان ذلك جليا من خلال ما شهدناه مؤخرا, من استماتة بعض الكتل حول المناصبِ الحكومية والاستحواذ عليها بشكل يدعو للعجب, في حين أنها ذات الكتل قُبِل تشكيل الحكومة صدعت رؤوسنا بتخليها عن كافة المناصب الحكومية ومنح رئيس الحكومة حرية اختيار كآبيته! محاولة بذلك التظاهر بزهدها للمغانم, بما يتسق واردة ما يقارب 80% من الجماهير الناقمة على العملية السياسية وعدم اشتراكاتها بالانتخابات الأخيرة, هذا بالإضافة للتناحر والنزاع المستمر للمكونات السياسية في داخل التحالفات الواحد, حيث حصلت الكثير من الانقسامات والانشقاقات نتيجة التغول بعض الأطراف وتفردها, كما هو الحال في تحالف الإصلاح, الذي يعد احد اكبر التحالفات السياسية في العراق, مما حدا بتيار الحكمة للتخلي عن التحالف والذهاب نحو خيار المعارضة, وقد يلتحق بيه الكثير من مكونات تحالف للسبب ذاته.
لأكثر غرابة من كل ذلك؛ هو إن بعض الكتل السياسية أسقطت الاعتبارات وتجاوزت أخلاقيات العمل السياسي, وذهبت نحو التنكيل بحلفائها والإطاحة بهم! كما حصل لمحافظ واسط, قبل بضعة أشهر, حيث تعرض لهجمة شرسة للإطاحة بيه من قبل أعضاء مجلس المحافظة, المنتمين لذات الكتلة التي يأتلف معها تيار المحافظ في تحالف الإصلاح!
في ذات السياق؛ نلاحظ أيضا إن تحالف البناء هو الأخر لم ينجو من غياب الانسجام بين مكوناته وتفرد أطرافه, فإتلاف الفتح ما زال يمارس ذات السياسية التي تمارسها كتلة سائرون, وخير مصداق على ذلك؛ ما أفضت له النتائج الأخيرة بعدم استطاعته _تحالف البناء_ من تمرير مرشحه لوزارة التربية, المطروحة من قبل المحور الوطني (خميس الخنجر) لأربعة محاولات فاشلة, بسبب عدم تصويت غلب أعضاء تحالف البناء بما فيهم بعضا من الفتح لصالح المرشح!
بالتالي فان الاحتمال الأقرب إلى للواقع؛ هو تشظي معظم التحالفات الكبيرة وانقسامها لمثن وثلاث ورباع, مما سينعكس سلبا على معادلة التوازن السياسي, الذي بالتالي سيؤدي إلى وضعف وتراجع القرارات والتشريعات البرلمانية, إلى ما هو أسوأ بكثير مما كانت عليه في الدورات السابقة..