الحالة الوحيدة التي خاطب الله القرآني النساء خطابا مباشرا بالضمير الثاني المؤنث جمعا، هي الآيات الثلاثون حتى الرابعة والثلاثين من سورة الأحزاب، والتي تسبقها في آيتين سابقتين مخاطبة غير مباشرة عبر النبي، بعبارة «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزواجِكَ»، ثم تليها مخاطبة مباشرة في الآيات الأربع التاليات بعبارة «يا نِساءَ النَّبِيِّ» تتكرر مرتين في الآية 30 والآية 32. فلنقرأ هذه الآيات، محذوفا منها عبارة «إِنَّما يُريدُ اللهُ ليذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهيرًا»، التي استعيض عنها بـ […]، لأنها دخيلة على سياق هذه الآيات. وبينت ذلك في مكان آخر من هذا الكتاب. بعدما تبدأ هذه المجموعة من الآيات الست أو الخمس، بخطاب لنساء النبي غير مباشر، بل عبر النبي بعبارة «يا أَيُهَا النَّبِيُّ قُل لِأزواجِكَ»، في الآيتين الأوليين من هذه المجموعة، تجري مخاطبتهن خطابا مباشرا في الآيات الأربع التاليات، ذلك بعبارة «يا نِساءَ النَّبِيِّ» مكررة مرتين. واختصاص نساء النبي من دون النساء بالمخاطبة المباشرة بالضمير الثاني هو إما تكريما للنبي وليس لهن، أو في أحسن الأحوال تكريما لهن لانتسابهن للنبي، كونهن زوجاته، وإذا علمنا إن محمدا هو مؤلف القرآن، فنفهم هنا لماذا تجنب مخاطبة النساء مباشرة، وخص زوجاته فقط بالخطاب المباشر. ومع هذا فقد جاء هذا الخطاب غير خال من التحذير دنيويا والوعيد أخرويا. التحذير الدنيوي جاء بعبارة «إِن كُنتُنَّ تُرِدنَ الحياةَ الدُّنيا وَزينَتَها، فَتَعالَينَ أُمَتِّعكُنَّ وَأُسَرِّحكُنَّ سَراحًا جَميلًا»، أما الوعيد الأخروي فجاء بعبارة «مَن يَأتِ مِنكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضاعَف لَهَا العَذابُ ضِعفَينِ». ولكن هناك حكم (إلهي) قد صدر عليهن، سواء كن من «المُحسِناتِ» منهن الموعودات «أَجرًا عَظيمًا»، لأنهن ممن كانت واحدتهن «تَقنُت للهِ وَرَسولِهِ وَتَعمَل صالحا»، أو كن ممن كانت واحدتهن قد أتت «بِفاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ»، فاستحقت أن «يُضاعَفَ لَهَا العَذابُ ضِعفَينِ»، فسواء كانت زوجات النبي من هذا الفريق أو ذاك، فقد صدر عليهن الحكم بالإقامة الجبرية مدى الحياة بعد النبي بقول «وَقَرنَ في بُيوتِكُنَّ»، هذا الحكم الذي يروى إن عائشة كانت كلما مرت على سمعها تلاوة هذه الآية، وعندما يأتي ذكر «وَقَرنَ في بُيوتِكُنَّ»، يروى أنها كانت تجهش بالبكاء، وهي الشابة التي تقلدت – كما سائر نساء النبي – وسام «أم المؤمنين»، كي لا يحق لأحد من (أبنائها) أن يتزوجها بعد النبي، ومن هنا قد نفهم تمردها على هذا حكم (القرّ في بيوتهن) بخروجها المعروف. المهم إن الذي أردنا أن نقوله هنا، إن النساء لم يخاطبهن الله القرآني خطابا مباشرا إلا في هذا الموقع، وقد اختص به نساء النبي دون غيرهن.