قبل ايام حدثني زميل مقرب عن مسؤول في احدى الحكومات المحلية يرتدي خاتما حصل عليه من “احد الدجالين” مقابل عشرين الف دولار، يستخدمها للحفاظ على منصبه وحمايته من الحرج اثناء اللقاءات التلفزيونية، لم استطع حينها السيطرة على نوبات الضحك التي سمعها جميع من كان بقربي، ليس لغرابة الموقف أبدا، انما للطريقة التي تدار بها الدولة وقضايا “عُبَّاد الله”، فليس المهم عند السيد المسؤول تقديم الخدمات وتلبية طموح ناخبيه، انما البقاء بالمنصب اطول فترة ممكنة حتى لو اضطره الامر لاستخدام “السحر والشعوذة”.
لكن هذه القصة طرحت في مخيلتي العديد من التساؤلات اولها، اذا كان المسؤول المحلي يستخدم هذه الحيلة لمواجهة من يعتقدهم خصومه، ماذا يستخدم زعيم الحزب الديمقراطي مسعود البارزاني للسيطرة بهذه الطريقة على قيادات العملية السياسية وكبيرهم رئيس الوزراء عادل عبد المهدي “ليخرسهم” عن المطالبة بايقاف سرقات النفط، او في اضعف الايام ارسال الواردات النفطية للأشهر السبعة الماضية، في وقت يخرج علينا احد اعضاء الحزب العائلي وهو يتحدث عن حق مؤجل لحكومة كردستان في تلك الواردات، ليبلغنا بان موازنة الاقليم انقطت لخمس سنوات خلال عهد رئيس الوزراء حيدر العبادي، وكانه يريد ان يقول الواردات اصبحت في “جيبونة” مقابل تلك الموازنات التي قطعتها بغداد وهو يعلم جيدا ان حزبه يتحمل مسؤولية ماحصل لتلك الموازنات بسبب استمراره بسرقة النفط وبيعه عن طريق التهريب لرفع رصيد المسؤولين من عائلة البارزاني في البنوك العالمية، ولا ننسى مسرحية استفتاء الانفصال.
بالعودة للتذكير بأسباب “صمت” قادة العملية السياسية علينا معرفة الاسباب الرئيسة لهذا “الموقف” الذي لا يمكن وصفه بغير “المتخاذل” وماحصل خلال جلسة مجلس النواب التي عقدت يوم الاثنين الماضي (الثامن من شهر تموز)، يعتبر دليلا لا يقبل الشك حينما ترك بعض النواب لوحدهم يطالبون بإصدار قرار يعاقب حكومة اقليم كردستان على رفضها ارسال الواردات الى الحكومة المركزية، مقابل انسحاب غالبية من يصفون أنفسهم “بممثلي الشعب” من التصويت لصالح القرار، ليكون مصيره الرفض بمباركة رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي الذي حاول الخروج من هذا “الامتحان” بتحديد جلسة لاستضافة رئيس الوزراء او وزير المالية فؤاد حسين، لكن ماحصل في الجلسة الاخيرة، كان مسرحية لتسويف استضافة وزير المالية الذي يمثل سياسة مسعود البارزاني في بغداد.
قد يتساءل العديد من القراء عن اسباب “مماطلة” القوى السياسية بشقيها السني والشيعي في محاسبة حكومة كردستان والبارزاني، لكنها واضحة ولا تحتاج سوى للتذكير، فالقوى الشيعية وفِي مقدمتها تحالف سائرون لديه طموح باستمرار كسب “تاييد” القوى الكردية التي يسيطر عليها البارزاني، لرغبته بالحصول على منصب رئيس الوزراء في المرحلة المقبلة سواء استمر عبد المهدي في منصبه او في الانتخابات المقبلة، في حين ترى القوى السنية ان مصالحها المشتركة مع البارزاني تتطلب “لغة الصمت” وعدم محاسبته على السرقات، لكون قيادتها تمتلك العديد من المنازل في مدن كردستان وتتخذها مقرا بديلا في الكثير من الحالات وهذا يفرض عليها “الطاعة” حتى لا تهدد بالطرد او إصدار قرار يمنعها من قضاء ايام العطل فوق جبال كردستان.
الخلاصة.. ان البارزاني سيستمر بسرقة النفط وبالطريقة التي يختارها وخاصة بعد توسع قبضته في السيطرة على جميع مفاصل الادارة بإقليم كردستان من خلال تنصيب نجله مسرور رئيسا لحكومة الإقليم ووجود فؤاد حسين وزيرا للمالية في بغداد، وهذه ستوفر له الفرصة لإخفاء ارقام الواردات حتى عن معارضيه في الاقليم، والاستمرار بسحب الاموال من بغداد وسيترك حرا طليقا بتصرفاته، لانه ينظر لساستنا بعين “الاستصغار” لكونه يعلم جيدا ان مصالحهم الشخصية فوق الاهتمام بحقوق المواطنين كردا وعربا، فهي طريقة لا تحتاج “لسحر او شعوذة” انما لمسؤولين “فاسدين” يسهل ابتزازهم.. اخيرا، السؤال الذي لابد منه، هل عرفتم طريقة البارزاني بالسرقة؟