خاص: إعداد- سماح عادل
“فتحية أحمد” مطربة مصرية، كانت “فتحية أحمد” صديقة “أم كلثوم” لأكثر من ستين سنة، سميت ب”مطربة القطرين” لكثرة سفرها بين مصر وبلاد الشام والعراق.
حياتها..
ولدت “فتحية أحمد” سنة 1898 في حي الخرنفش بالقاهرة، وهو نفس العام الذي ولدت فيه صديقتها العزيزة “أم كلثوم”، حيث إن خالتها الراقصة الشهيرة “بمبة كشر”، والدها الشيخ أحمد الحمزاوي الذي كان منشدًا ومطربًا ومبتهلاً، وأخواتها “رتيبة” و”مفيدة” احترفن الغناء، لحن لها (داود حسني، كامل الخلعي، أبو العلا محمد، سيد درويش، محمد القصبجي، زكريا أحمد، رياض السنباطي، أحمد صدقي، والملحن الإسكندراني محمد عفيفي).
كان الشيخ “أحمد الحمزاوي” مطربا رخيم الصوت، ولمع فترة كمطرب ومنشد ومبتهل، وقد لحن كثيرا من الأغاني الانتقادية والفكاهية، كان يؤدي بعضها مع اثنين من المنشدين كثلاثي فكاهي تحت اسم “ثلاثي الشيخ كعبولة”، ومن أشهر ألحانه “كعبولة الخفة” الذي يعتبر أصلا واضحا للحن قصيدة “مضناك جفاك” من شعر “أحمد شوقي” واقتباس “محمد عبد الوهاب”.
لم يستمر الشيخ “أحمد الحمزاوي” في الغناء بعد أن كبرت بناته المطربات: “فتحية أحمد” و”رتيبة أحمد” التي اشتهرت بديالوج التليفونات التي سجلته مع الشيخ “أحمد حسانين” من لحن “السيد شطا”، وكذلك ديالوج “شوى العصارى يادره” بالاشتراك مع ملحن الديالوج الفنان الراحل “إبراهيم فوزي”، أما الابنة الثالثة فهي المطربة الراحلة “مفيدة أحمد” صاحبة الصوت الجميل والتي كانت مطربة إذاعة الإسكندرية الأولى، وكانت “مفيدة أحمد” تسير على نهج أختها “فتحية أحمد” في المحافظة على التراث الغنائي التقليدي.
اكتشف صوتها الجميل فنان الكوميديا “نجيب الريحاني”، وكذلك “علي الكسار” في فرقتيهما، ودرست “فتحية أحمد” الغناء على أيدي أئمة الملحنين، وخاصة أستاذ “أم كلثوم” الأول الشيخ “أبو العلا محمد” الذي لحن لها خصيصا لحنا جديدا لقصيدة “كم بعثنا مع النسيم سلاما”، وذلك بعد أن غنتها “أم كلثوم” من لحن الطبيب “أحمد صبري النجريدي”. وحملت لقب “الأسطى” في بداية مشوارها الفني نظرا لتميزها في فن الموال.
وكما نشرت مجلة “الراديو المصري” عام 1965، تعرفت المطربة “فتحية أحمد” على الشاعر “خليل مطران” في لبنان، فأطلق عليها لقب “مطربة القطرين”، وطلب من الشاعر “أحمد شوقي” تأييده في ذلك هذا إلى جانب لقب “ملكة المواويل”، لتصبح أكثر المطربات اللاتي يحملن ألقابا عدة.
اشتركت “فتحية أحمد” في شبابها بالمسرح الغنائي كمطربة وممثلة، وتنقلت مع الفرق المسرحية الغنائية بين مصر وبلاد الشام، ومن أجل هذا أطلق عليها لقب “مطربة القطرين”، ومن المفارقات العجيبة أن “فتحية أحمد” كانت ضعيفة في القراءة والكتابة، ولكن ذلك لم يحل دون إتقانها لتمثيلها أو غنائها بالمسرح أو السينما بعد ذلك أو غنائها بمصاحبة التخت في الحفلات أو الإذاعات العربية.
وفي مجال المسرح الغنائي في سنواته الخصبة (1917-1927) غنت “فتحية أحمد” لكبار الملحنين “داود حسني، كامل الخلعي، السيد درويش البحر، إبراهيم فوزي”، وقد اعتزلت “فتحية أحمد” المسرح في نهاية الأربعينيات، حيث قامت ببطولة المسرحية الغنائية “يوم القيامة” من لحن “زكريا أحمد”، وقد أضيف لهذه المسرحية اللحن المعروف “يا حلاوة الدنيا” خصيصا لكن تغنيه “فتحية أحمد”.
ولما أنتجت شركة أفلام الشرق فيلم “عايدة” ل”عبد الله أباظة، عبد الحليم محمود علي، أم كلثوم” الذي تضمن ملخصا باللغة العربية الفصحى لأوبرا “عايدة” ونظمها “أحمد رامي”، فقد اشتركت”فتحية أحمد” غنائيا بدور ابنة الملك المصري الأميرة “أمينيرس” أمام “أم كلثوم” التي قامت بدور “عايدة” جارية الأميرة، وهي في نفس الوقت ابنة ملك الحبشة، وقام الراحل “إبراهيم حمودة” بدور القائد المصري المنتصر “راداميس” على أن صورة “فتحية أحمد” لم تظهر على الشاشة، بل كانت دوبلاجا للممثلة “فردوس حسن”.
أما في مجال الغناء على التخت فقد غنت “فتحية أحمد” ألحانا كثيرة من التراث ومن الغناء العصري، فقد غنت من ألحان “محمد عثمان” و”عبده الحامولي” و”أبو العلا محمد” و”زكريا أحمد” و”محمد عبد الوهاب” و”رياض السنباطي” و”أحمد صدقي” و”مرسي الحريري” و”محمد قاسم” والمهندس الزراعي “عبد الفتاح بدير”.
ومن الطريف أن “فتحية أحمد” قد غنت لحنا للأستاذ “صفر علي” من قالب الطقطوقة أو الأهزوجة بعنوان: ” ياريت زمانك وزماني يسمح ويرجع تاني”، كانت أغنية الموسم في الثلاثينيات وكانت تباع أسطواناتها في مسرح “برنتانيا” حيث كانت تغني هذه الطقطوقة هناك. وبهذا فقد سبق هذا التقليد ما كان يحدث بعد ذلك في سينما “قصر النيل” بعشرين عاما عندما كانت تغني “أم كلثوم” في الخمسينيات وتباع تسجيلاتها للغنائيات الجديدة على أسطوانات أو أشرطة كاسيت في حفلات “أم كلثوم”. ولقد عرفت “فتحية أحمد” بقلبها الطيب وضحكتها الصافية العالية.
المبدعة..
وصفها النقاد ب”المبدعة” في مقارنتها مع”أم كلثوم” التي وصفوها بالمطربة المؤدية فقط، حيث وصفت بأنها فنانة من مطربي الزمن القديم فيها إبداع وعبقرية، والعبقري يسمو على النابغ طبقات، إذ إن النابغ ينقل ما لقنه فيقيمه أصولا وفروعا، ويؤديه بإجادة، أما العبقري الموهوب فيتعدى الحدود ويبدع فيما يقدم.
يصفها الناقد “كمال النجمي” في العشرينيات بقوله: “كان الكثيرين يرون أن فتحية أحمد هي صاحبة الصوت الأول قبل منيرة المهدية وقبل أم كلثوم، لأن صوت أم كلثوم في ذلك الوقت لم يكن استكمل نضجه، لكن النضج السريع لصوت أم كلثوم دفع بفتحية أحمد إلى الخلف، فأصبحت المطربة الثانية، واستراحت هي في الظل، وعاشت شبه متقاعدة”.
غنت “فتحية أحمد” ألحان “سيد درويش” أثناء حياته، ومنها أشهر أغانيه مثل “الحلوة دي”، و”طلعت يا ماحلى نورها”، و”زوروني كل سنة مرة”. ول”فتحية أحمد” قدرة فائقة على أداء الغناء الحر “الموال” وفي أغانيها التي ضمت مقاطعا من هذا النوع من الغناء شهادة قاطعة على مقدرتها الفائقة صوتا وأداء. وإذا اعتبرنا أن أداء الغناء الحر مقياس حقيقي لقدرة المطرب، سنجد “فتحية أحمد” مصنفة في المرتبة الأولى في هذا النوع، بل وتتفوق على “أم كلثوم”.
المطربة المنسية..
في مقالة بعنوان (فتحية أحمد.. «مطربة القطرين» المَنسِية) يقول “بشير صفير”: “ظلَم القدر فتحية أحمد كما لم يظلم أحداً من أصحاب وصاحبات حناجر الطرب الثمينة، بمن فيهم أسمهان. وقْع الموت المبكر مؤلمٌ جداً طبعاً، لكن ليس على من يرحل إنما على محبّيه. بل إنّه مفيدٌ لناحية التعاطف الذي يولّده تجاه الراحل، والأمثلة كثيرة في الشرق والغرب. أمّا المرض المزمن الذي يضرب الفنان في بداية أجمل وأنضج مراحل عطائه، فهو أسوأ ما يمكن أن يصيبه. إنه هنا، يدرك إمكاناته، لكنه عاجز. التعاطف معه في مرحلة أولى، يؤدي وظيفته في العزاء ثم يضمحلّ تدريجاً. هكذا كان مصير المطربة الكبيرة فتحية أحمد التي أبعدها مرضها المزمن عن الغناء، وبالتالي عن العطاء والأضواء. والأسوأ أنّه حرمها من توثيق صوتها بأفضل طريقة ممكنة (معظم تسجيلاتها «مونو»، أو أحادية التسجيل). أضف إلى كل هذه المصادفات السلبية، أنّ انكفاء صوت عظيم آنذاك لم يكن يعتبر كارثة، بفعل غنى المرحلة فنياً مع وجود عشرات الأصوات الخارقة. لكننا اليوم نشعر أكثر بخسارة شخصية بحجم فتحية أحمد”.
ويضيف: “مارست الغناء منذ صغرها ثم درست مع كبار مطلع القرن الماضي، على رأسهم أبو العلا محمد، فاحترفت الفنّ تدريجاً من خلال انخراطها بالفرق المسرحية (الغنائية) التي ازدهرت في عشرينيات القرن. غنّت بعدها لكبار الملحّنين، «شدو بلبل عالغصون» وهي أول أغنية لها، ثم الفالس الجميل «يا ترى نسي ليه»، كما كانت لها تجربة سينمائية بطبيعة الحال. أدّت الأشكال الغنائية الطربية من القصيدة إلى الدور والطقطوقة والموّال، وعُرفت بأسفارها الكثيرة بين مصر وسوريا ولبنان وفلسطين، فلقّبها الشاعر خليل مطران بـ «مطربة القطرَين»، وقد حصل ذلك في مدينة زحلة لبنان/البقاع بحضور عبد الوهّاب وأحمد شوقي اللذين باركا اللقب. ربطتها بأم كلثوم صداقة متينة، فغنّت لها موّال «الناس تقدّم تهانيها» خلال حفلة تكريمية لأم كلثوم لدى عودتها من رحلة علاج عام 1949. ويقال إن أحد تسجيلات «يا حلاوة الدنيا» بصوتها ألحان زكريا أحمد، من مسرحية غنائية بعنوان «يوم القيامة» حصل بحضور «كوكب الشرق»، وهو تسجيل يعطي فكرة شبه كاملة عن قدرات فتحية أحمد الصوتية. هذا اللحن الرشيق، تلك الرشاقة الخاصّة بشيخ الملحنين، الست فتحية تؤديه على طريقتها وتستهل الغناء بموّال أقرب إلى الإعجاز في الأداء والعُرَب والتلاوين المرتجلة يسمح بها شكل الموّال وكذلك مبدأ التطريب لاحقاً في متن الأغنية والعلو الذي تبلغه بسهولة أكثر من مرة لمن يعرف التسجيل، ويتخطى بنغم ونصف النغم الطرف العلوي (الـ «دو» السادسة) من المدى الطبيعي للصوت الأكثر ارتفاعاً عند النساء (سوبرانو). هذا رغم أن ثمة ملصقات كانت ترفِق اسم فتحية أحمد بعبارة «الصوت الجهوري»، علماً أنه توصيف غير بعيد عن الحقيقة، مطلع «إنّي أراك معي» على سبيل المثال، فهي تتمتع بقدرة هائلة على الغناء على طبقات متباعدة نسبياً، من ضمنها الطبقات المنخفضة عند النساء طبعاً”.
من أشهر أعمالها:
زورونى كل سنه مره
الحلوه دى قامت تعجن
أوبريت ولو
طلعت يا محلا نورها
أوبريت قولوا له
أنا بابيع الغربال
مظلومه وياك يا ابن عمى
ألفين حمد لله على سلامتك
يابو الكشاكش
أوبريت فشر
مسرحية “يوم القيامة” من ألحان “زكريا أحمد” وهي التي غنت فيها أغنيتها المشهورة “يا حلاوة الدنيا”.
وفاتها..
توفت “فتحية أحمد” في الخامس من ديسمبر عام 1975.
https://www.youtube.com/watch?v=6VubUOnXIRY
https://www.youtube.com/watch?v=q3rYGTRlXG4