منذ أن شاهدت مسلسل المختار وانا حائر كيف استطاع ان يشغل محبي أهل البيت ويملئ قلوبهم غصة ومرارة وكيف كانوا يتفاعلون مع لحظاته اشد التفاعل حتى شاهدت بنفسي بعضهم يهتف لكيان ابوعمره الفارسي متمنيا أن يبقى على ظهر جوداه وان لايترجل ورأيت كيف شهق الناس بالبكاء وعلت وجوههم عبرة وغصة وسحابة من الكآبة بعد مقتل كيان وأصحابه كان المخرج حقا مبدعا في إظهار وفاء الفرس وتخاذل العرب الذي لازلنا نعيش واقع هذا التخاذل وكان سر تفاني المشاهد العراقي في مشاهدة مسلسل المختار هو إن المسلسل جسد حياة عاشها العراق مئات المرات فلو تأملت بمشهد في المسلسل الذي بين كيفية إعفاء المختار في بادئ الأمر عن شبث وشريح القاضي وغيرهم بحجة إن الدولة فتية ويجب أن يقدموا للمحاكم فهذا المشهد عشناه جميعا بعد سقوط نظام صدام تعالت بعض الصيحات بوقف نزيف الدم وان أمر الرفاق يجب أن تتولاه المحاكم ولم نرى إلى الآن أن هناك محاكم خاصة لأولئك الذين أذاقوا الناس الذل والهوان باستثناء هيئة اجتثاث البعث التي تفتقر الى العدالة الحقيقية وهي أشبه بشبكة العنكبوت تمسك بالحشرة الصغيرة وتترك الكبيرة لأنها لاتقوى عليها..نعود لنقول إن العراقيين ربما تفاعلوا مع المختار أكثر من الإيرانيين أنفسهم لأنه بعد إن قرر المختار قتل قتلة الحسين وهم (الرفاق! أثلج صدر المشاهد العراقي ووضع بلسما لجرحه الغائر ,,مضت اكثر من ألف سنة على تلك الأحداث لكنها تعيش اليوم في أذهاننا أكثر من أي امة أخرى والسر في ذلك كما أسلفنا هو تكرار الأحداث نفسها فما أشبه نظام صدام بنظام ابن مرجانة واعوانة وما أشبه ما قام به الشهيد الصدر وما قام به المختار فانظر كيف رفض المختار ثورة التوابين لأنه رأى فيها مأساة وتمكين العدو من سحق أتباع أهل البيت في مذبحة عجيبة وللإنصاف نقول ان التاريخ لم يشهد أناس تفانوا وشعروا بالتقصير في نصرة الحسين كما فعل التوابون فالمختار رفض الاشتراك في هذه المعادلة الخاسرة منذ البداية وكذلك الشهيد الصدر رفض ان يدخل بمواجهة مباشرة مع نظام صدام لأنه رأى ذات المعادلة التي رآها المختار ,اختار الشهيد الصدر الثاني منبر ألجمعه لإصلاح الناس وتهذيبهم ووضعهم على جادة الحق بعد ان عاش الناس في سبات عميق في حين اختار المختار الكتب والرسائل والتعبئة وطرح شعار خاص يالثارات الحسين ولم يباشر الثورة الا بعد أن رأى أن هناك بوادر للنجاح أذا استطاع الناس رفع هممهم لذلك عبئ أصحابه في شحذ همم محبي أهل البيت من خلال الخطابة ولست في صدد بيان الخطب النارية التي كان ينادي بها أتباع المختار في أزقة الكوفة وساحات الحرب..لكن بين الصدر والمختار قصة وحكاية ودهر ومسافة اذ ان من نصر المختار نصرا مؤزرا وتفانى في حبه والولاء لمذهب أهل البيت هو كيان وإتباعه في حين كان أكثر الناس تخاذلا في نصرة الشهيد الصدر هو( كيان وأتباعه أيضا !! وكانوا أكثر الناس تشكيكا بنواياه واخلاصة ,,قتل المختار في مسجد الكوفة بعد ان خذله العرب وقتل الصدر في الكوفة بعد ان خذله العرب والعجم ,,فلولا تخاذل عرب وأشراف الكوفة عن المختار لما تجرأ ابن الزبير بدخول الكوفة وقتل المختار الذي حوصر وحده وقتل قتلة شريفة لاينساها له التاريخ.. بكى كل من شاهد المختار عندما خرج من المسجد متحديا كل تلك الجموع والتفت الى أصحابه الذين اكتفوا بالتفرج سقط المختار الذي سقى بدمائه شجرة العترة ونهج الولاية وسقى الصدر ارض الكوفة التي جفت منذ مقتل المختار سقاها الصدر بدمائه الزاكية لتثمر ثمرات زاكيات ولو بعد حين الا ان كيان اليوم أدرك بعد فوات الأوان تخاذله وتقصيره ولا أظن انه سينجيه أمر الا مافعله التوابون ولكن انا واثق ان هؤلاء الذين عاشوا روح الفقه الداعي الى الهدوء والسكينة والوقار وعدم الاحتكاك بالشارع والاكتفاء بالتوجيهات من بعيد ليست لديهم الجرأة الكافية لسقي الأرض بالدماء كما فعل التوابون بل اكتفوا بالترويج بأن( قراءة سورة من القران يعدل أجرها اجر شهيد في معركة بدر) ولا اعلم كيف ذلك!!متى نرى تلك المدارس المنزوية والتي نهجت لها نهجا خاصا في تخدير الناس والتركيز على المسائل الفقهيه وإعطائها كل الاهتمام نعم الفقه من الدين اذا لم يكن هو الدين ولكن أين البرامج الإصلاحية التي تعنى بالفرد والأسرة والمجتمع متى تنهج الحوزة التقليدية نهج مؤسسات المجتمع المدني هل هناك مؤسسة حوزوية تعنى بمشاكل الحياة هل هناك مؤسسة تعنى بالمشاكل الزوجية هل وهل…ربما يتعذر أولئك بان تسعة من المعصومين اكتفوا بالاهتمام بالعلم والفقه وتوضيح الدين وبيان المحكم من المتشابه لكن اليوم الحياة متطورة ولابد من تغيير الأدوات الكلاسيكية التي كانت تناسب عصرها وزمانها فاليوم الإعلام يقلب الظلام نورا ويغير الحقائق الواضحة كوضوح الشمس .هل هناك اهتمام من الحوزات بالإعلام لعل قائل يقول بكثرة القنوات الشيعية وانا لا أراها الا أشبه بالحسينيات فهي تكتفي بنقل المحاضرة واللقاء برادود حسيني وو..وتفتقر الى البرامج الاجتماعية التي تهتم بالفرد والمجتمع وتواجه البرامج التي تهدم الأسرة والحياة بسيل من الخطابات الرنانة وهم لايعلمون ان الصورة يجب ان تكون مقابلها صوره! والكلام مقابله كلام! متى يدرك أولئك قيمة الفن في توضيح الحقائق!ها هو مسلسل المختار الذي اخذ حيزا واسعا من اهتمام الفرد العراقي لانه بطبيعة البشر يتفاعل مع الصورة اكثر من اي شي آخر .أكثر أتباع اهل البيت يعلمون من هو المختار ولديهم صورة ذهنية مسبقة عنه لكن الذي حرك تلك الصور هو ارتطامها بالحس الذي مثلته المشاهد والموسيقى الحزينة ..الى الآن في العراق لايوجد فن شيعي متأصل وراقي هل فكرت الحوزة في إنشاء معهد للفن !!!ربما إنهم في حيرة إلى الآن في هل يجوز تمثيل صورة المعصوم ام لا !!إلا أنهم في الفترة الأخيرة اقروا بإقامة التشابيه الحسينية في يوم العاشر وهي أشبه بالمهزلة والمسرحية ومن لم يصدق عليه ان يشاهد ذلك بنفسه. وأخيرا سلام على الصدر والمختار مادام الليل والنهار .