من يتابع سلوك مسعود البارزاني سيكتشف من دون أي معاناة أنّ هذا الرجل لم يكن في يوم من الأيام معنيا بهموم العراقيين ومشاكلهم , بقدر ما هو منهمك باستثمار كل الخلافات والصراعات بين الشيعة والسنّة من أجل ابتزاز الحكومة الاتحادية والمضي قدما في تحقيق الانفصال التام عن الدولة العراقية , وبين فترة وأخرى يعود لهوايته في الابتزاز والتهديد باللجوء للانفصال عن الدولة العراقية , وكأنّ حكومة الإقليم غير منفصلة حاليا حتى يهدد الحكومة الاتحادية بشكل جديد للعلاقة بين بغداد وأربيل .
فعندما يصف السيد مسعود المحادثات الجارية بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية والتي بدأت قبل شهر في بغداد بأنها محادثات الفرصة الأخيرة , هو يعرف جيدا إنّ الخلاف حول النفط والأرض معقد جدا وغير ممكن حسمه بجولة أو جولتين من المفاوضات , ويحتاج إلى جهود مضنية وتشريع بعض القوانين المهمة كقانون النفط وقانون ترسيم الحدود الإدارية بين المحافظات من أجل التوّصل لحلول لهذه المشاكل المعقدّة , وهذا ما تمّ الاتفاق عليه في جولة مفاوضات بغداد الأخيرة .
ولكن في المقابل ماذا عن إشكالات الحكومة الاتحادية حول سياسات حكومة الإقليم الخارجية والنفطية المنفصلة عن سياسات حكومة بغداد ؟ فهل ستستمر هذه السياسات بعيدا عن سياسات حكومة بغداد ؟ وهل سيلتزم مسعود بهذه السياسات , أم أنّ هذه السياسات غير ملزمة لحكومة السيد مسعود البارزاني ؟ ولماذا هذا التهديد بالانفصال بين فترة وأخرى , أليس الانفصال حقيقة قائمة ؟ , وما معنى التهديد بشئ هو أصلا واقع على أرض الواقع ؟ فهل ستنظر الحكومة بجدية لمثل هذا التهديد ؟ أم انه إمعان في ابتزازها وإذلالها ؟ .
وإذا كان مسعود حريصا فعلا على إنجاح هذه المفاوضات فعليه أن يعطي للحكومة الاتحادية بقدر ما يأخذ منها , وأن يتخّلى نهائيا عن سياسة الابتزاز التي يمارسها ويتوقف عن سرقة نفط العراقيين وتسليمه للحكومة الاتحادية , وأن يضع حدّا لسياسة كل شئ مقابل لا شئ , فاستمرار هذه السياسة اصبحت تستفز مشاعر كلّ العراقيين شيعة كانوا أم سنّة , ونفط كردستان ليس ملكا لمسعود وحكومته حتى يتصّرف به من دون رقيب .
فنجاح المفاوضات من عدمها بنظر مسعود البارزاني هو مدى استجابة حكومة بغداد لمطاليبه وشروطه التعجيزية , فحين تقبل حكومة بغداد بهذه المطالب والشروط , حينها سيتراجع السيد مسعود ولن يفكر بشكل جديد للعلاقة بين بين بغداد وأربيل .
ومن هذا المنطلق أصبح لزاما على رئيسي السلطتين التشريعية والتنفيذية التفكير جدّيا بمستقبل العراق والعلاقة بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية , فبقاء الوضع على ما هو عليه لن يكون في خدمة الاستقرار , فا لإقليم أما ان يكون جزء لا يتجزء من من الدولة العراقية وسياساتها العامة , أو دولة منفصلة لها سياساتها ومؤسساتها الخاصة بها , فوضع الدولة داخل الدولة يجب ان لا يستمر أكثر من هذا , وقد آن الأوان لمواجهة الحقائق والواقع بشجاعة ومسؤولية وعدم الاستمرار بخداع النفس وتحميل الشعب تبعات هذه السياسة الخاطئة .