قامت سلطات جبل طارق الخاضعة للتاج البريطاني ، وبمشاركة وحدة عسكرية بريطانية باحتجاز ناقلة النفط العملاقة ( غريس ١ ) المحملة بنفط يُعتقد انه إيراني متجهة الى سوريا في مياه متنازع على السيادة فيها بين حكومة جبل طارق واسپانيا . توقيت العملية بالذات يؤشر بشكل واضح على بداية تشكّل تحالف دولي ، غربي – خليجي ، بقيادة الولايات المتحدة لمواجهة ايران ضمن تداعيات الأزمة الراهنة في منطقة الخليج العربي .
ردود فعل ايران مازالت في ذات سياق ستراتيجيتها لمواجهة الضغوط الامريكية والتي تتمركز حول الذهاب في مقاومة هذه الضغوط الى اقصى حد ، بضمن ذلك احتمال القيام بردود محددة من خلال الوكلاء طالما بقيت الإجراءات الامريكية او المتحالفة معها بعيدة عن ايران ذاتها وطالما بقيت ايران قادرة على تصدير كميات من النفط تكفي لتغطية موازنتها الاعتيادية ، وبالتصدي العسكري المباشر والشامل ان استهدفت ايران ذاتها ، وخلال ذلك تواصل ايران اللعب بقضية تخصيب اليورانيوم كما كانت قد فعلت قبل عقد الاتفاق النووي ، وهي لعبة أجادت ايران أداءها في ظروف محددة قد لاتكون هي ذاتها قائمة في الوقت الراهن .
اوساط پرلمانية ، وفي اطار لعبة توزيع الأدوار في السياسة الايرانية ، حذرت بريطانيا مما سمته ردود فعل ايران ؛ لكن بيان الخارجية الايرانية اشار الى ان احتجاز الناقلة من قبل سلطات جبل طارق سيدفع الوضع في المنطقة [ الخليج العربي ] الى مزيد من التدهور ، وهذا يعني احتمال ردود فعل قد تتجاوز التصريحات والنطاق الدبلوماسي .
في ذات الوقت أعلن علي اكبر ولايتي المستشار السياسي الأعلى لخامنئي عزم ايران المضي قدماً في زيادة وتائر تخصيب اليورانيوم واشار الى حاجة محطات توليد الكهرباء النووية الى يوارنيوم مخصب بنسبة ٥٪ ، وهذه خطوة نوعية جديدة ان حصلت . يقوم الموقف الايراني الرسمي المعلن حتى الان على تجاوز كمية اليورانيوم المسموح لايران بتخصيبه بنسبة ٣,٥ ٪ وهي ٣٠٠ كيلوغرام سنوياً ، حيث يتعين على ايران بيع وتصدير مايفيض عن هذه الكمية ، ولم يعد ذلك ممكناً الان ؛ تقول ايران انها لاتستطيع ايقاف عمليات التخصيب نهائياً بسبب احتياجاتها الداخلية ، وان المسؤول عن قيامها بتجاوز الكمية المسموح بها بموجب الاتفاق النووي هي العقوبات الامريكية التي تغلق النظام المصرفي الدولي امام التعاملات التجارية الايرانية ، وان ذلك يتم وفق احكام الاتفاق . هذا الموقف الايراني ، رغم قانونية مبرراته ، اثار حفيظة الاطراف الدولية بضمن ذلك روسيا التي دعت ايران لعدم اللجوء الى هذا الخيار ؛ كيف اذن سيكون الموقف الدولي اذا مالجأت ايران الى تجاوز سقف التخصيب المنصوص عليه في الاتفاق من خلال تنفيذ ما أعلنه ولايتي ؟!!
في تقديري المتواضع ان ايران بدات تفلت أوراق اللعبة من يدها ، خاصة بعد اعلان نيتها تخفيف التزامها ببعض بنود الاتفاق النووي ، وهذا يضعها في موقف مواجهة مع المجموعة الاوروپية ؛ لقد كان رفض استلام رسالة ترامپ الداعية للحوار والتي حملها رئيس الوزراء الياباني شينزو ابي الى خامنئي خطوة في ذات السياق ، كما افقدت ايران تعاطفاً يابانياً واوروپياً مهماً في اطار معطيات الأزمة القائمة ، وربما تكون الخطوة التي اغلقت باب الحوار مالم تحصل تطورات دراماتيكية قد تجبر القيادة الايرانية على التسليم ، ولو جزئياً ، بالشروط الامريكية .
ينبغي ان نفتقد في هذه اللحظة المرونة والمهارة التقليدية وطول النَفَس ، وهي السمات التي تميزت بها الدبلوماسية الايرانية حتى وقت قريب ، لكن يبدو ان قبضة الحرس الثوري الايراني ، الذي تحركه مصالحه الأيديولوجية ، قد تعززت بشكل كبير على مؤسسات الدولة الايرانية بعد نجاحه في اخماد الثورة الخضراء التي اعقبت فوز احمدي نجاد بولاية رئاسية ثانية في انتخابات عام ٢٠٠٩ ، والتي يسود الاعتقاد في اوساط الشباب الايراني انها كانت مزورة ؛ لقد كان ملفتاً حين قدم ظريف استقالته في وقت سابق ، بعيد بدء الأزمة الحالية مع الولايات المتحدة ، ان جاء تجديد الثقة به على لسان قاسم سليماني قائد فيلق القدس ، وهو الجناح الاكثر راديكالية وأيديولوجية في اطار مؤسسة الحرس الثوري ، وهو ماينعكس بشكل ملحوظ على سياسات ايران في الاقليم التي يبدو ان ملفها منوط به وبمكتب خامنئي وليس بوزارة الخارجية ؛
وفي كل الأحوال فانه من الواضح ان موضوع ناقلة النفط يمثل خطوة باتجاه تشكيل تحالف دولي في مواجهة ايران ، وهذا بدوره يشكل خطوة باتجاه الصدام العسكري ويزيد من خطورة التقديرات الخاطئة او الأخطاء غير المقصودة على حد سواء ،،،