القسم الثامن والعشرون
الفصل السابع
الفرع الثاني – تحديد الأجور
في ضوء جميع ما تقدم ، لم نجد مما هو معمول به منها بعد الإحتلال سنة 2003 ، وقد كتبنا الكثير في موضوعات الرواتب والمخصصات والإمتيازات لمسؤولي الصدفة في مناصب ووظائف الرئاسات الثلاث ، وكيف كانت معايير الظلم تنهش من جسد إستحقاقات الموظفين والعمال والمتقاعدين ، في ظل نظام إقتصاد الريع ، الذي إعتمدته سلطات الإحتلال وحكوماتها المتعاقبة تطبيقا وتنفيذا في أسوء صور إستخدام الريع لمصدر ( الدخل ) ، كونه مصدرا طبيعيا لا يحتاج إلى آليات إنتاج معقدة ، سواء كانت فكرية أو مادية كمياه الأمطار والنفط والغاز، بحيث تستحوذ السلطة الحاكمة على هذا المصدر وتحتكر مشروعية إمتلاكه وتوزيعه وبيعه ، كونها تستمد كل أو جزء كبير من إيراداتها الوطنية من بيع أو تأجير مواردها الأصلية للعملاء الخارجيين . وبذلك تكون الرواتب والأجور متأرجحة بين مد وجزر الإيرادات العامة ، ولا تقوم على أسس ومعايير الإستحقاقات المتكافأة مع متطلبات الحاجة من السلع والخدمات ، -* وعليه جاء القانون بالنص على أن يحدد أجر العامل بموجب عقد العمل الفردي ، شرط أن لا يقل عن الأجر المحدد لمهنته بموجب الإتفاق الجماعي الملزم لصاحب العمل ، وفي جميع الأحوال لا يجوز أن يقل أجر العامل عن الحد الأدنى للأجر المقرر قانونا ، أو الأجر المقرر في مشروع صاحب العمل وفقا لعقد العمل الفردي أو الجماعي ، أيهما أكثر ، وعلى أن تشكل بقرار من الوزير لجنة تتولى إقتراح الحد الأدنى لأجر العامل بصورة دورية من عدد من الموظفين برئاسة مدير عام دائرة التشغيل و القروض وعضوية معاون مدير عام دائرة التقاعد والضمان الإجتماعي للعمال ومعاون مدير عام دائرة التدريب المهني وممثل عن وزارة التخطيط وممثل عن منظمة أصحاب العمل الأكثر تمثيلا وممثل عن منظمة العمال الأكثر تمثيلا وعضوين من ذوي الخبرة والإختصاص بالجوانب المختلفة لسياسة الأجور يختارهما الوزير ، ويعرض الوزير مقترح اللجنة على مجلس الوزراء ، ويراعى عند تحديد الحد الأدنى للأجر ( إحتياجات العمال وعائلاتهم– المستوى العام للأجور في الدولة – تكاليف المعيشة والتغيرات التي تطرا عليها – العوامل الإقتصادية بما فيها متطلبات التنمية الإقتصادية ومستوى الإنتاجية – والرغبة في تحقيق نسبة عالية من العمالة والمحافظة عليها ) . وكمثال على ذلك فقد أقر مجلس الوزراء توصية لجنة تحديد الحد الأدنى لأجر العامل ليكون (350) ألف دينار شهريا بدلا من (250) ألف دينار الذي حدده المجلس بموجب قراره المرقم ( 178) لسنة 2013 ، إستنادا إلى أحكام المادة (63/ ثانيا) من قانون العمل رقم (37) لسنة 2015 ، على أن ينفذ هذا القرار بدءا من تأريخ 1/1/ 2018 ، من أجل مراعاة المستوى العام للأجور في الدولة ومراعاة تكاليف مستوى المعيشة ، بالإضافة إلى الحد من الميزة التنافسية للأيدي العاملة الأجنبية . كما أعلنت وزارة العمل والشؤون الإجتماعية في سنة 2015 ، عن رفع الحد الأدنى لأجور العمال غير المهرة إلى (250) ألف دينار في القطاع الخاص والمختلط والتعاوني ، بدلا من (120) ألف دينار .
-* لقد لفت إنتباهي عبارة ( وممثل عن منظمة أصحاب العمل – الأكثر تمثيلا – وممثل عن منظمة العمال – الأكثر تمثيلا – ) الواردة في نص تشكيل اللجنة التي تتولى إقتراح الحد الأدنى لأجر العامل بصورة دورية ، إلى حين معرفة تفاصيل الموضوع من خلال اللقاء الذي أجرته قناة بلادي الفضائية مع رئيس إتحاد نقابات العمال في العراق سابقا ( جبار طارش الدراجي ) ، الذي كشف عن تشكيل ثلاث إتحادات لنقابات العمال سنة 2003 مع عدد من الإتحادات الصغيرة حسب تعبيره ، خلافا لأحكام قانون التنظيم النقابي للعمال رقم (52) لسنة 1987 ، السارية أحكامه على عمال القطاع الخاص والمختلط والتعاوني ، الذي لا يسمح بتشكيل أكثر من إتحاد عام واحد للعمال ، حسب نص المادة (3) منه ، حيث تتكون التنظيمات النقابية من ( اللجنة النقابية – النقابة – إتحاد نقابات عمال المحافظة – الإتحاد العام لنقابات العمال ) ، وكذلك بعد الإحتلال وإلى حين السماح بذلك بموجب القانون رقم (87) لسنة 2017- قانون إنضمام جمهورية العراق إلى إتفاقية الحرية النقابية وحماية التنظيم النقابي رقم (87) لسنة 1948 ، الذي تناولنا بحثها في القسم الثاني من مقالتنا المؤرخة في 2/6/2019 بشأن الموضوع ، حيث نصت المادة (4) منها بأن ( لا يجوز للسلطة الإدارية حل منظمات العمال ومنظمات أصحاب العمل أو وقف نشاطها ) ؟!، الدالة على تعدد إنشاء أو تأسيس إتحادات عامة لنقابات العمال ، إذ ليس من المقبول أن يكون المقصود في الأكثر تمثيلا ، هو النقابة المعنية بصنف من الأعمال الحرفية أو المهنية أو إتحاد نقابات العمال في المحافظة ، لإقرار العام من الموضوعات المهمة مثل تحديد الحد الأدنى لأجور العمال ، سيما وأن هدف التشكيلات النقابية بعد الإحتلال هو السيطرة على تمثيل العمال وأصحاب العمل بأي شكل كان ؟!، من خلال الإستحواذ على الممتلكات والأموال العامة للعمال ، إستنادا لقواعد التنافس غير النزيه كما تم الإفصاح عنه في ذلك اللقاء ، مما يشكل إختيار المنظمة الأكثر تمثيلا خللا مهنيا ، بسبب خضوع ذلك لسطوة ونفوذ الحزب الأكثر تأثيرا على سلطة القرار في الإتحاد العام لنقابات العمال ، كما لم يوضح القانون مقدار وكيفية منح الإستحقاقات المضافة إلى الحد الأدنى ، في حالة إعتماد معايير أو مقاييس تقييم التفاوت في الأداء الفعلي في مجالات عديد المهن والحرف المختلفة عند التعيين إبتداءا ، بالإستناد إلى الشهادة المهنية التي تثبت درجة كفاءة العامل في مجال عمله المهني أو الحرفي أو إلى نتيجة إخضاعه للإختبار العملي قبل التعيين ، لتحديد مستوى الكفاءة والخبرة التي يعتمد عليها في تحديد الأجر الأولي ، لأن الوقوف عند حدود ما لا يقل عن الحد الأدنى للأجر المقرر قانونا ، أو الأجر المقرر في مشروع صاحب العمل وفقا لعقد العمل الفردي أو الجماعي ، أيهما أكثر ، يعني خضوع أجور العمال إلى نظام الأجر المقطوع بحده الأدنى وللجميع على حد سواء . وكذلك الحال بالنسبة لتحديد مقدار إستحقاق العامل للزيادة السنوية الدورية في الاجور ، من تأريخ إستحقاقها عند اتمامه سنة عمل كاملة لدى صاحب العمل ذاته وفي كل سنة عمل تالية ، وكيفية تحديد نسبتها على وفق مؤشرات سوق العمل ، ولكل مشروع بإتفاق أطراف العمل ذو العلاقة . أما أن يعدل الحد الأدنى للأجر من وقت لآخر ليتناسب مع تكاليف المعيشة والظروف الإقتصادية الأخرى ، على أن تجري المراجعة الدورية كل سنتين ، فمسألة فيها من قصر النظر بما لا يتناسب والجدوى الإقتصادي لأطراف العمل ، ولعل من المستحسن أن يعدل الحد الأدنى للأجر كل سنة بدلا من سنتين ، لسرعة تقلبات قيمة النقد في ظل النظام الريعي وما تجري به مقادير التداعيات السلبية للأجور . أما أن يعاقب بغرامة لا تقل عن ضعف الحد الأدنى للأجر الشهري المقرر قانونا ، كل من خالف الأحكام المتعلقة بالأجور المنصوص عليها في هذا القانون ، وإذا كانت المخالفة تتعلق بدفع تعويض إلى العامل ، يعادل ضعف الفرق بين الأجر المدفوع وأجر الحد الأدنى . مع إلزام صاحب العمل بتعليق إعلان يعلم العمال بالأجور المطبقة لديه في مكان بارز من المشروع ، على أن لا تقل عن الحد الأدنى للأجور المقررة قانونا ، ولأي عامل تقاضى أجرا أقل من الأجر الذي يستحقه ، فله استرداد الفرق بين ما تقاضاه وما يستحقه ، وإذا ادعى العامل بأن صاحب العمل دفع له أجرا أقل من الأجر المتفق عليه في مشروعه ، فعلى صاحب العمل عبء إثبات أنه دفع للعامل ذلك الأجر ، فلا تعدو كونها من إجراءات ذر الرماد في العيون المتطلعة إلى مستقبل حياة عملية ومعيشية أحسن وأفضل ، وإمتصاص بواعث التذمر والغضب العمالي من إنخفاض مستوى الأجور وعدم إتساع مجالات وفرص العمل المختلفة ، بعدما أغلقت المعامل والمصانع الإنتاجية ، وتحول القطاعين الزراعي والصناعي إلى دكاكين إستيراد للفاسد والردئ من السلع والمواد ؟!.