17 نوفمبر، 2024 9:46 م
Search
Close this search box.

ماري جبران.. سيدة مطربات بلاد الشام وصاحبة الصوت القوي

ماري جبران.. سيدة مطربات بلاد الشام وصاحبة الصوت القوي

 

خاص: إعداد- سماح عادل

“ماري جبران” مطربة وممثلة سورية من مواليد بيروت، وهي من أوائل المطربات السوريات، بدأت حياتها الفنية في التاسعة من عمرها ممثلة ومغنية في فلسطين والأردن. انتخبت نقيبة للموسيقيين سنة 1950.

حياتها..

ولدت “ماري جبران” واسمها “ماري جبور” في بيروت عام 1911، وهي ابنة “يوسف جبّور” الذي نزح بأسرته إلى سوريا واستوطن في دمشق بسبب قسوة الحياة وهرباً من المجاعة التي اجتاحت لبنان في زمن الحرب العالمية الأولى، إلاّ أنّ عاجله الموت تاركاً أسرته تواجه ظروفا صعبة جدّا، دفعت والدة “ماري” إلى العيش مع أختها الممثّلة المشهورة حينها الخالة “ماري جبران” في القدس.

في التاسعة من عمرها رافقت “ماري” خالتها لتعمل معها في الغناء والتمثيل في فلسطين التي كانت مقصد معظم الفنانين العرب في تلك الأيام لما تمثله من زخم كبير في حركتها الفنية والاجتماعية، وهناك اكتشفت موهبتها باكرا، فأخذت تغنّي على المسرح وترقص برشاقة وتضرب بالصنوج، وتعلّمت العزف على العود فبرعت فيه.

وفي العشرينات من القرن الماضي عادت “ماري” إلى سوريا لتعمل في ملاهي دمشق وحلب بعد أن حملت اسم خالتها وذلك لشهرتها في عالم الفن، وحققت “ماري جبران” في سوريا نجاحا ملفتا لما تتمتع به من صوت رخيم وإحساس رائع وضعها في مقدمة مطربات جيلها.

إلى مصر..

يقول الناقد الموسيقي السوري “صميم الشريف” في كتابه (الموسيقى في سوريا): “رافقت ماري جبران بديعة مصابني إلى مصر بعد أن وقعت معها عقد لمدة سنة قابلة للتجديد للعمل في صالتها في القاهرة، وهناك افتتن الناس بجمالها قبل أن يفتتنوا بصوتها وأطلقوا عليها (ماري الجميلة) و (ماري الفاتنة) وكان شيوخ التلحين من الذين أعجبوا بصوتها السباقين إلى خطب ودها فتعرفت على “محمد القصبجي” و”داود حسني” والشيخ “زكريا أحمد”. وانفرد الأخيران بالتلحين لها فحفظت على يدي “داود حسني” دور (الحبيب للهجر مايل) ودور (أصل الغرام نظرة) واهتمت بتدريبات الشيخ “زكريا” وتعلمت منه كيف تغني الأدوار والقصائد والطقاطيق حتى أبدعت فيها. وغنت دور (ياما أنت واحشني) ودور (دع العزول) ودور (في البعد ياما كنت أنوح)” وفجأة دبّ الخلاف بينها وبين “بديعة مصابني” فتركت مسرحها آملة في العمل بمسارح أخرى، ولكنّها لم تستطع في البداية بسبب سيطرة “بديعة مصابني” القويّة على ملاهي القاهرة. ويبدو أنّ “بديعة مصابني” اختلفت معها بسبب الأجر، وقيل بسبب رفضها مجالسة روّاد الملهى، وقيل أيضاً أنّ بديعة مصابني اعتقدت بأنّ “ماري جبران” التي أدارت العقول بجمالها وسحرها وغنائها، أخذت تزاحمها في أمر لا تحبّ أن يزاحمها فيه أحد، فأنهت عقدها متعللة بأوهى الأسباب. تمكّنت “ماري جبران” عن طريق أصدقائها الكثيرين وبفضل ما تملكه من خصائص فنّية من العمل في العديد من الصّالات، وظلّت تعمل على الرّغم من القطيعة بينها وبين”بديعة مصابني” مدّة سبع سنوات، ثمّ ولأسباب مجهولة قرّرت العودة إلى دمشق”.

صوت قوي..

بعد حوالي ثماني سنوات قضتها في مصر عادت “ماري جبران”  إلى سوريا لتتعاون مع ملحني عصرها حيث لحن لها في دمشق “محمد محسن” و”زكي محمد” و”نجيب السراج” و”رفيق شكري” ولحن واحد لأمير البزق “محمد عبد الكريم”. وسجلت للإذاعة السورية أجمل أعمالها (دمشق- زنوبيا- خمرة الربيع) ولها في إذاعتي دمشق وبيروت تسجيلات رائعة منها على سبيل الذكر (دور أصل الغرام نظرة- كادني الهوى- حمل العود وغنى- ماحتيالي) وأغنيات كثيرة فقد بعضها وتشوه بعضها الآخر ولم تعد تذع أغانيها إلا نادرا.

ويصنّف النقّاد صوت “ماري جبران” بأنّه من الأصوات القويّة “سوبرانو” القادرة المتمكّنة الصّادحة، مع اتّصافه بخصائص جماليّة عالية، مما جعلها تتربّع على عرش مطربات عصرها، واعتبرت بحقّ “سيّدة مطربات بلاد الشام” بلا منازع خلال النّصف الأوّل من القرن العشرين.

عانت “ماري جبران” في حياتها الشّيء الكثير من وضع والدتها الصّحّي، وقد انعكس هذا على علاقاتها العاطفيّة التي توّجتها بالزّواج من الرّجل الذي تفانى في حبّها “نقولا الترك”، ورزق منها بولد واحد، لم ينعم طويلاً بحنانها وحبّها إذ توفّي.

ماري الصغيرة..

في مقالة للباحث “إلياس بودن” يقول عن “ماري جبران”: “هي مطربة سايرت الحركة الغنائيّة العربيّة الحديثة في النّصف الأوّل من القرن العشرين، وهي بالكاد نسمع عنها أو نقرأ في مجمل الكتابات والمؤلّفات المؤرّخة خاصّة للمدرسة الغنائيّة الشّاميّة.عندما قدم “سلامة حجازي” إلى بلاد الشّام في إحدى جولاته الفنّيّة، كان من عادته اكتشاف المواهب من الممثّلين والممثّلات لاستخدامهم في فرقته، فوجد ضالته في الفنّانة “ماري جبران” خالة “ماري جبّور” التي وافقت على العمل في فرقته وانتقلت معه إلى مصر. قرّرت “ماري جبّور” احتراف الغناء، فعملت في فرقة الممثّل المصري “عليّ الكسّار” التي كانت تتجوّل في يافا وحيفا وبعض مدن شرقي الأردن، بعد انتهاء الموسم الفنّي في القاهرة. كما عملت في فرقة الممثّل المصري “حسين البربري” مدّة تسع سنوات. ذاع صيت “ماري” في القدس، وأقبل عليها المعجبون ولُقّبت ب”ماري الصغيرة”، تمييزا لها عن خالتها ماري الكبيرة. مع بدء احترافها للغناء، حملت اسم خالتها لسببين: الأوّل، كي لا تسيء لاسم عائلة “جبّور” التي لم توافق على احترافها الغناء في الملاهي، والثّاني لاكتساب شهرة خالتها الممثّلة المعروفة، حتّى أنّ بعض معاصري أوّل عهدها بالظّهور على المسارح، كان يظن أنّ “ماري جبران” الممثّلة، هي “ماري جبران” المطربة، إلاّ أنّ الخالة غارت من النّجاح الذي حقّقته “ماري الصّغيرة”، فأساءت معاملة ابنة أختها ودفعتها للعودة إلى دمشق بعد غياب تسع سنوات مكّنت “ماري” من سلك طريق الاحتراف”.

ويواصل: “في دمشق، عملت بملهى قصر البلّور في “القصاع” عدّة شهور حيث استقلّت بالعمل لوحدها بعد أن بلغت الشّهرة. ثمّ بسبب الظّروف المضطربة في سورية أثناء الانتداب الفرنسي والثّورة السّورية الكبرى، انتقلت إلى بيروت وعملت في ملهى “كوكب الشّرق” الذي ذكره “زكريّا أحمد” في مذكراته حيث يقول أنّه التقى في عام 1927 في ذلك الملهى في بيروت بالملحّن المصري “رياض السنباطي”، وأنّهما استمعا مع غيرهما من الأصدقاء إلى المطربة النّاشئة “ماري جبران” وأبديا إعجابهما بها.. عندما هدأت الأوضاع عام 1927، واستتب الأمن لصالح الاستعمار الفرنسي، عادت ماري جبران إلى دمشق لتعمل بعض الوقت في ملهى “بسمار” ثمّ غادرت إلى حلب فاشتغلت في ملهى “الشّهبندر”. بعد سنة عادت مرّة أخرى إلى دمشق، للعمل في ملهى “بسمار”، وكان يعجّ بالمعجبين بفنّها. وهكذا بلغت “ماري” الشّهرة وحقّقت نجاحا ملفتا للنّظر لما تتمتّع به من صوت رخيم وإحساس رائع وضعها في مقدّمة مطربات جيلها وبلغ أجرها الشّهري أكثر من خمسين ليرة ذهبيّة”.

مرور الزمن..

اشتهرت “ماري جبران” في أوساط الغناء لمدة ربع قرن، لا كمطربة فقط بل وكسيدة مجتمع فاتنة ساحرة أيضاً، وفوق ذلك عرفت كمحدثة بارعة وصاحبة نكتة من الطراز الأول، وظلت “ماري جبران” محافظة على مكانتها كمطربة أولى في مسارح لبنان وسورية إلى أن تقدم بها السن، وبدأت خيوط الشيخوخة ترتسم على وجهها.

واضطرت عندئذ خاصة أنها بدأت تحس بأن جمهور الصالات والمسارح بدأ يتحول عنها إلى المطربات اليافعات، أن تعتزل المسرح وتبقى وراء الميكرفون فقط وكانت أغنياتها في محطة الإذاعة السورية تكاد تكون الشيء الوحيد الذي يسمع في هذه المحطة!.

وفي إحدى الفترات احتفظ الموسيقيون بشيء من الوفاء ل”ماري جبران” وماضيها الفني اللامع فاتفقوا فيما بينهم على انتخابها رئيسة لهم، وتم ذلك بالفعل إلا أن “ماري” نفسها لم تستطع أن تبقى في كرسي الرئاسة طويلاً خصوصاً أنها سيدة بيت وأم لطفل فاضطرت إلى الاستقالة لتعود وتنزوي في بيتها من جديد.

وقد كسبت “ماري جبران” الكثير من المال في حياتها الفنية وكان دخلها الشهري لا يقل عن عشرة آلاف ليرة، إلا أنها كانت تصرف ما يردها دون أن تتدخر منه أو تستثمره، ولذلك فقد تبخرت ثروة “ماري جبران” في أقل من عامين أو ثلاثة ولم يعد لها من مورد سوى الثلاثمائة ليرة التي تتقاضاها كل شهر من الإذاعة السورية، ومع ذلك فإنها لم تترك أحداً يشعر بالضيق المالي الذي تعيش فيه.

ذات ليلة شعرت “ماري جبران”  بدوار عنيف في رأسها، ولما ذهبت إلى المستشفى الفرنسي لتفحص نفسها، وضعها الأطباء حالاً في إحدى غرف الدرجة الأولى وقالوا لها بأن الضرورة تقضي بإجراء عمليتين جراحيتين لها في الحال.وكانت “ماري جبران” أمام أمرين فإما أن تمتنع عن إجراء العمليتين، وفي هذا خطر مؤكد على حياتها وإما أن تعترف بضائقتها المالية.

واختارت زميلتها المطربة “نورهان” لتعترف لها بأنها ستضطر إلى أن تطلب من إدارة المستشفى نقلها إلى القسم المجاني. لأنها لا تملك أجرة النزول في غرفة بالدرجة الأولى وتحمّل تكاليف العمليتين الجراحيتين، وأسرعت “نورهان” إلى إنقاذ الموقف، وكان أول ما فعلته أنها اتصلت بوزير الداخلية آنذاك “علي بوظو” وروت له مأساة المطربة التي تنتظر أية مساعدة، فقام الوزير الشاب المشهور بحبه للأصوات الجميلة بالاتصال فوراً بإدارة المستشفى الفرنسي ليصدر أوامره بأن تبقى “ماري جبران” حيث هي، أي في غرفة الدرجة الأولى وأن تكون نفقات علاجها على حسابه!

من أعمالها: (يا ما أنت واحشني- كادني الهوى- أصل الغرام نظرة- في البعد يا ما كنت أنوح- كنت خالي- إن عاش فؤادك- دع العزول- السّعادة بالغرام- القلب في ودّك مشتاق- امتى الهوى- فرّح فؤادي واتهنّيت- الحبيب للهجر مايل- كلّ قلبي يا جميل- حياة القلب- شربت الشّهد- لمّا كواني الحبّ- يلّي القمر طلعلك- ما فيش دقيقة- أذكر الحبيب فيبكيني الغرام- آه مرّ التّجنّي- بلبل الأفراح- لمّا بدا يتثنّى- منيتي عزّ اصطباري- ما احتيالي- يا من لعبت به شمول- يا عيون راميات- خلّيك يا بدري).

وفاتها..

توفيت “ماري جبران” بعد معاناة مع مرض السرطان عام 1956 وكانت آخر كلماتها (الناس أصبحت تسمع بعينيها لا بأذنيها) احتجاجا على إعجاب الناس بالجمال الأنثوي عوضا عن جمال وروعة الصوت.

https://www.youtube.com/watch?v=C2Ag1zw11A4

 

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة