17 نوفمبر، 2024 5:28 م
Search
Close this search box.

عبد الكريم قاسم وصدام حسين ودولة الكرد؟!

عبد الكريم قاسم وصدام حسين ودولة الكرد؟!

في عالم السياسة المليء بالغموض تحدث الكثير من الأمور والمصادفات لربما تكون غير مخطط لها أصلا!، وكذلك تلعب الأخطاء التاريخية المقصودة منها وغير المقصودة في تغيير صورة مشهد سياسي وقومي وديني لم يكن له أن يتغير لو لم تحدث تلك الأخطاء والمصادفات!. لقد عرف عن الأكراد العصيان والتمرد وعدم الرضا والقبول بأية حكومة حكمت العراق منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 ومرورا بكل الحكومات من ملكية الى جمهورية!، وسبب عصيان الأكراد وتمردهم هو مطالبتهم بحقوقهم القومية المشروعة وغير المشروعة في آحايين كثيرة!. كما عرف عن الأكراد نزعة الأنفصال عن الدولة الأم وعدم الولاء أصلا للعراق!، وما الأستفتاء الذي جرى في كردستان العراق في شهر سبتمبر من عام 2017، ألا دليل على عمق روح الأنفصال والأستقلال لديهم رغم الرفض الدولي والأقليمي والحكومي لذلك الأستفتاء!، (علما أن الأستفتاء أجري آبان حكومة العبادي). وقد جعل الأكراد من جبال المنطقة الشمالية وتضاريسها المعقدة وكهوفها مكانا آمنا لعصيانهم وتمردهم وقتالهم للجيش العراقي في ظل كل الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق كما أسلفنا من قبل. وندخل الى صلب الموضوع، فلولا الخطأ التاريخي الأنساني الذي أرتكبه الزعيم الوطني الراحل عبد الكريم قاسم عام 1958 بدعوته للمرحوم الملا مصطفى البرزاني، بالعودة للعراق من ملجئه السياسي في الأتحاد السوفيتي السابق، ولولا قيام رئيس النظام السابق بغزو الكويت وما جلب ذلك الغزو على العراق من عقوبات ومن ويلات ومصائب كارثية سياسية وأجتماعية ودينية وطائفية،لازالت تداعياتها وآثارها لحد الآن!. أقول لولا هذين الخطئين لربما كان الأكراد الى يومنا هذا أسيري جبال المنطقة الشمالية وكهوفها، وهم يحملون بنادقهم ومستمرين في عصيانهم ضد الحكومة حالهم حال أكراد تركيا وأكراد أيران المحرومين من أبسط الحقوق!، ولنتعرف الآن، عن كيفية حدوث هذين الخطئين. الخطأ الأول: كان الزعيم الكردي الراحل المرحوم الملا مصطفى البرزاني لاجئا في الأتحاد السوفيتي السابق، منذ عام 1947، حيث لجأ الى هناك على آثر فشل أقامة (جمهورية مهاباد)، التي تقع في أقصى الشمال الغربي لأيران، والتي نجح (القاضي محمد) بأقامتها بدعم من الأتحاد السوفيتي السابق، ولكن الشاه رضا بهلوي تمكن من القضاء على الجمهورية الفتية الصغيرة التي دامت قرابة (11) شهرا بدعم من أمريكا، وبالأحرى بتفاهم سوفيتي أمريكي! على ذلك، وتم أعدام رئيسها (القاضي محمد). أستطاع الملا مصطفى البرزاني الذي كان يشغل منصب رئيس أركان الجيش! في جمهورية مهاباد، من الهرب من قبضة شاه أيران ومعه 500 من رفاقه المخلصين من البيشمركة، وعبروا الحدود الأيرانية بأتجاه حدود الأتحاد السوفيتي، وقد لاقوا صعوبات وتحديات كبيرة وخاضوا عدد من المعارك مع الجنود الأتراك والأيرانيين ولكنهم نجحوا في النهاية من الوصول الى الأتحاد السوفيتي. وعندما أنبثقت ثورة تموزعام 1958في العراق، رفعت العديد من الشعارات الوطنية وحتى القومية من أجل وحدة العراق ونسيجه الأجتماعي وتلاحم شعبه بكل قومياته وأثنياته وملله ونحله، كما وعدت بأعطاء الحقوق لكل القوميات والأقليات. وبعد مرور 3 أشهر على ثورة تموز1958 طلب الزعيم الوطني عبد الكريم قاسم من الملا مصطفى البرزاني بالعودة الى العراق، واعدا أياه بمنح الأكراد المزيد من الحقوق!، وللمساهمة في بناء العراق الجديد في ظل ثورة تموز المجيدة وتوجهاتها الوطنية الصادقة حيث لا فرق بين عربي وكردي وتركماني وبقية الأقليات، فالكل تنعم بالعيش بسلام وأمان في ظل ثورة تموز المجيدة. وخرجت المظاهرات الجماهيرية مؤيدة دعوة الزعيم عبد الكريم قاسم، للزعيم الكردي الملا مصطفى البرزاني وهي تهتف ( عبد الكريم للأمام كرد وعرب فد حزام)!، وبالفعل عاد الملا مصطفى البرزاني الى العراق، وأقيم له أستقبال كبير ومهيب ، وتم تخصيص بيت المرحوم ( نوري سعيد) رئيس الوزراء المعروف في العهد الملكي في الصالحية ليكون سكنا للملا مصطفى البرزاني!، وكذلك تم تخصيص راتب شهري له قدره 500 دينار. ولكن شهر العسل هذا لم يدم طويلا!، فروح التمرد وعدم الرضا المغروسة في عقل وفكر القادة الكورد تمنعهم من العيش بسلام ورضا وتفاهم مع حكومات بغداد!، فسرعان ما بدأت تظهر الخلافات بين الملا مصطفى البرزاني وتوجهات الزعيم الوطني عبد الكريم قاسم، مما دفع بالملا مصطفى البرزاني الى ترك بغداد والعودة الى المنطقة الشمالية وأعلان التمرد والعصيان على حكومة الزعيم قاسم! ، وكان ذلك عام 1961. وهنا لا بد من التوضيح وعلى ضوء كافة الأحداث والمجريات التي وقعت ومرت بالعراق منذ تأسيس دولة العراق عام 1921 ولحد الآن، أن الأكراد لم ولن يكونوا في يوم من الأيام سندا (وحزام ظهر!) للعراق بل كانوا خنجرا غرس في خاصرة العراق منذ معاهدة سيفر عام 1923!، كما لم يعد خافيا بأن الأكراد هم أكثر المستفيدين من سقوط النظام السابق فقد شاركوا بالأستحواذ على الكثير من ثروات العراق وخيراته ولا زالوا لحد الآن!، وخاصة في موضوع أستخراج النفط وتصديره، الذي لازال يكتنفه الكثير من الغموض بين الكمية الحقيقية المستخرجة وبين الذي يتم أعلانه من أرقام ويتم تصديره؟!. وقد نشرت العديد من مواقع التواصل الأجتماعي التحذير الذي أطلقه وأعلن عنه الخبير النفطي المعروف حمزة الجواهري، (حيث بين أن كمية النفط الحقيقية التي يصدرها الأقليم هي 600000 ستمائة ألف برميل يوميا، وليس كما هو معلن بأنه 250000 مئتان وخمسون ألف برميل!!!، وطالب الحكومة والشعب التصدي لهذه السرقة العلنية، التي تكلف العراق قرابة 13 مليار دولار سنويا، تقطع من أفواه الفقراء والجياع والمحتاجين على حد زعمه!!) .الخطأ الثاني: وهو الذي أرتكبه رئيس النظام السابق صدام حسين المعروف بحماقاته وتهوره والذي يعد حال العراق الحالي بكل مآسيه نتاج طبيعي لسياستة الهوجاء التي أنتهجها!. فبعد أنكسار الجيش العراقي في الكويت، أندلعت أعمال عنف في المحافظات الجنوبية، سرعان ما أمتدت الى بقية المحافظات الوسطى والجنوبية والشمالية وهزت أركان الحكم بشكل خطير ولم يكن يعرف نتائجها وماذا سيكون حال العراق حينها، فيما لو نجحت بأسقاط الحكم!؟. فرمت أمريكا لصدام بطوق النجاة وحسب رأي ومشورة السعودية وباقي دول الخليج، ففسحت المجال له رغم جيشه المنكسر، وأعطته الضوء الأخضر للقضاء على التمرد والأنتفاضة الشعبية وكان ذلك عام 1991، فعالجها بكل قسوة حتى تم القضاء عليها. وكانت محافظات المنطقة الشمالية (أربيل، السليمانية، دهوك) التي وصلها لهيب التمرد والأنتفاضة من أخطر مسارح العمليات التي حاول النظام القضاء عليها. وهنا حدث ما لم يكن بالحسبان!، وغير المتوقع، حيث تم تحديد خطوط الطول والعرض لحركة طيران الجيش العراقي كجزء من عقوبات البند السابع التي فرضها مجلس الأمن على العراق نتيجة غزوه الكويت. أن تحديد خطوط الطول والعرض كان كفيلا أن يؤمن الحماية الكاملة للأكراد من وصول أية قوات لنظام الرئيس السابق الى المنطقة الشمالية أو تعرضهم لأية مخاطر وهجمات من قبل النظام!.أن تلك الحماية والشعور بالأمان الكامل للأكراد التي وفرها الأمريكان للكورد جعلهم يشعرون أنهم أصبحوا مستقلين عن الحكومة المركزية في بغداد لأول مرة منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 وصار حلم أقامة دولتهم أقرب الى الحقيقة منه الى الخيال! ، وهنا لابد من الأشارة بأن الأكراد يحاولون الأستفادة من علاقاتهم القديمة والعميقة مع أمريكا وبريطانيا وأسرائيل! والتي تعود الى خمسينات القرن الماضي في تحقيق حلمهم المنشود بأقامة دولتهم. ونعود هنا بالسؤال : لو لم يقدم الزعيم الوطني الراحل عبد الكريم قاسم بدعوة الملا مصطفى البرزاني بالعودة الى العراق، لربما بقي هناك الى أجل غير مسمى ولكان موضوع القضية الكردية يظل مجهولا وغير معلوم النتائج، ولربما كانت القضية الكردية تظل كورقة تتلاعب بها الصراعات والمصالح بين الدول الكبرى!؟،كما أنه من الصعب أن يكتب النجاح لمثل هكذا حركات أنفصالية في غياب قائدها الأعلى وملهمها الروحي والذي كان هو الملا مصطفى البرزاني!، هذا من جانب خطأ عبد الكريم قاسم. أما من جانب خطأ صدام حسين: فلو لم يرتكب حماقته بغزو الكويت، ولو لم يركبه العناد بالبقاء هناك ولو كان خرج طواعية مثلما نصحوه الكثير من القادة العرب ومنهم الرئيس المصري السابق (حسني مبارك)، لكان من الطبيعي أن لا يتعرض العراق وتحديدا بغداد لأي قصف جوي من قبل أمريكا وحلفائها، وأيضا لما حدث أي تمرد أو انتفاضة جماهيرية، ولكان للأكراد وضعا آخر لا يحسدون عليه ولا يختلف عما كانوا وعاشوا عليه من قبل من تشرد ومطاردة من قبل الدولة؟، لا سيما اذا علمنا بأن الأمريكان رغم كل ذلك كانوا يغازلون صدام حسين ويريدون كسبه لصفهم!، ولكن أصراره وعناده الأعمى على البقاء في الكويت ورفضه نصيحة من نصحوه من القادة العرب والأجانب!، أضطر أمريكا الى قيادة تحالف دولي ضم أكثر من 30 دولة عربية وأجنبية!، وتم أخراجه من الكويت بالقوة وبخسارة ودمار وذل. الأكراد الآن يعيشون عصرهم الذهبي في ظل دعم أمريكا وبريطانيا وكل دول الغرب، وكذلك الحكومات الشيعية التي قادت العراق من بعد سقوط النظام السابق وأحتلاله من قبل الأمريكان ، وخاصة الحكومة الحالية برئاسة الدكتور عادل عبد المهدي الذي أعطى للأكراد حقوقا أكثر من التي يستحقونها!، وبنفس الوقت غض النظرعن الكثير من مخالفاتهم المالية ، وخاصة في مجال تصدير النفط حيث يتكلم العالم كله عن سرقة النفط من قبل الأكراد جهارا نهارا!! كما أوضحنا ذلك آنفا. أخيرا نقول بات مؤكدا أن العراق في طريقه للتقسيم وحسب رؤية ونظرأمريكا وبريطانيا وفرنسا وأسرائيل!، ولا مجال في ذلك بل الموضوع هو موضوع وقت ليس ألا!، وفي المنظور القريب سيعلن الأكراد أقامة دولتهم! حيث أن سياسة أمريكا تجاه المنطقة تقوم على أساس تصغير الكبير وتكبير الصغير!، ولربما سيكون ذلك ضمن مخطط ( صفقة القرن) المتعددة والمتشعبة والتي لا تخص موضوع القدس فقط! والتي ترعاها أمريكا وبريطانيا وأسرائيل والسعودية والبحرين وباقي دول الخليج وبرضا روسيا والصين!. والله المستعان على ما يفعلون.

أحدث المقالات