قال الشاعر الكوردي (معروف الرصافي) مستهزئاً بالكيان العراقي الذي أنشأه الجيش البريطاني واستورد له من جزيرة العرب بدوياً اسمه فيصل نصبه مليكاً عليه: علم ودستور ومجلس أمة … كل عن المعنى الصحيح محرف، الخ. كما هو معروف أن الحاسة السادسة لدى الشاعر قوية، فلذا يتنبأ في أبياته الشعرية بوقوع الأحداث قبل أن تقع، فعليه سخر الرصافي بهذا الكيان المسمى عراق منذ ولادته غير الطبيعية على أيدي القابلة المأذونة (داية) في الجيش البريطاني “مس بيلGertrude Bell = “.
للأسف، منذ أن أنشأ الكيان المذكور، لم يحترم عهداً أو اتفاقاً أبرمه لفظاً أو كتابة مع كائن من كان، وقام بانتهاك الحرمات والمحرمات تحت يافطة حجج وأعذار واهية لا أساس لها من الصحة. لقد عاش هذا الكيان.. أربعة عقود بدستور مؤقت!، وخلال هذه العقود الأربعة حدثت خمسة انقلابات دموية ناجحة للاستحواذ على السلطة. وفي العهد الملكي المباد وقع عام 1936 أول انقلاب عسكري في الشرق الأوسط في العراق، أخذ عليه براءة اختراع. إما البرلمان في ذلك العهد المظلم كان عبارة عن مسرح للعرائس خيوطها بيد البلاط الملكي يحركها كيفما يشاء، وإلا كيف بشخص مثل نوري السعيد على مدى 28 سنة 14 مرة يشكل وزارة ويحصل في كل مرة على ثقة البرلمان العراقي؟؟!!. وفي العهد الجمهوري الأظلم، تحديداً زمن سلطة الثنائي.. بكر صدام، حيث أن الرئيس ونائبه كانا من عشيرة واحدة ومن قرية واحدة اسمها العوجة، حقاً اسم على مسمى، يظهر أن العراق خالي من الرجال حتى يختار الرئيس نائباً له من بينهم فلذا اختار ابن قريته!!. عزيزي القارئ الكريم، حتى أن العلم الذي هو رمز البلد ويميزه عن غيره من البلدان لم يدم على شكله لفترة زمنية طويلة دون تغيير في الكيان العراقي، سرعان ما يأتي حاكم جديد بانقلاب غادر ويقوم بتغيير مكوناته كي يعطي معنى مغاير لما كان قبله ويتوافق مع إيديولوجيته.. . للعلم، لقد اعتمد العلم العراقي أول مرة عام 1921 واستمر حتى عام 1958 وبعد أن جاء عبد الكريم قاسم بانقلاب عسكري إلى السلطة غيره عام 1959 واستمر علمه إلى عام 1963 وبعد الإطاحة بقاسم تغير عام 1963 وبقي على حاله حتى عام 1991، وتغير أيضاً عام 1991 وبقي محافظاً على ألوانه إلى عام 2004، وهكذا تغيير عام 2004 وبقي إلى عام 2008، وتغير بعد عام 2008 بشكل الذي يرى الآن، وهو علم مؤقت بعد مرور 16 سنة على تغيير النظام البعثي الدموي، خلال عقد ونيف الذي مر لم تتفق الأحزاب العراقية على شكله وألوانه كيف سيكون. عزيزي القارئ، كما أسلفت،هل رأيت علم مؤقت في بلدان العالم تبقى لمدة 16 سنة؟ الطامة الكبرى، أنهم ينشدون تحته نشيداً هو الآخر مؤقت لم يتفقوا على كلماته التي يجب أن تشير إلى مكوني البلد الأساسيين الكورد والعرب ونظام البلد الاتحادي!. وهكذا شعار البلد اعتمد من عام 1932 إلى 1958 وتغير عام 1958 استمر إلى عام 1965 ومن عام 1965 إلى عام 1991 ومن 1991 إلى عام 2004 ومن عام 2004 إلى عام 2008 ومن 2008 إلى الآن ولا يزال مستمر بشكل مؤقت لحين اتفاق الجميع على اعتماد شعار يرمز إلى المكونين الرئيسيين الكورد والعرب. قبل عدت أيام كشفت وسائل الإعلام أن هناك 4000 وظيفة إدارية كبيرة تدار بالوكالة في العراق، وهي لعبة شيطانية، لأن الوكيل ليس له القدرة على اتخاذ القرار مثل الموظف الأصيل؟ الشيء الآخر، حسب علمي الوكيل لا يعرض على مجلس النواب من أجل الحصول على موافقته؟. اللعبة الأخرى التي كشفها الإعلام، أن هناك 2600 شخص يتبوأون مواقع حساسة في البلد يحملون شهادات مزورة زودتهم بها إيران، وهذا يدل على أن هؤلاء أصحاب الشهادات المزورة مرتبطين بإيران وينفذون لها ما تأمرهم به؟.
عزيزي القارئ الكريم، أليس ما سردناه أعلاه يؤكد لنا أن الكيان المذكور كله مؤقت، مثلما أنشأ بقرار من سيد “قصر باكنغهام = Buckingham Palace” ملك “جورج الخامس” قبل قرن من الآن، سيصدر سيد البيت الأبيض أو شخص آخر وبلد آخر سيخلفه على الساحة الدولية يكون صاحب القرار الأول في العالم يعلن حله ونهاية الوجود القانوني له على خارطة العالم، لأنه كيان فاشل بكل معنى الكلمة، لم ينجح في ظل النظام الملكي، ولا في ظل النظام الجمهوري المركزي، ولا في ظل النظام الاتحادي (الفيدرالي) المُطَعَمْ بالإسلامي الشيعي. لكن إلى أن يزال هذا الكيان.. من الوجود نهائياً قام ويقوم القائمون على دفة السلطة فيه وآخرهم الأشياع بسيل من الجرائم البشعة والخبيثة، منها السماح مؤخراً لأحزاب الأقلية التركماني بنقل العوائل التركمانية من تلكفر عفواً تلعفر إلى كركوك لزيادة عددهم المجهري هناك قبل إجراء الإحصاء الذي من المزمع أن يجري في شهر أكتوبر من العام الجاري ويسمحوا لهم برفع علم التركمان الذي هو نسخة من العلم التركي ولا يسمحون برفع علم كوردستان!!. وهكذا جلب الأعرابي الذي يدير المحافظة بالوكالة المدعو راكان الجبوري – أبو خديجة، يقال كان هذا اسمه الحركي في تنظيم داعش- آلافاً من العربان إلى كركوك، هو الآخر يحاول أن يزود نفوس المستوطنين الأعراب فيها قبل إجراء الإحصاء المصيري. وفي سياسة تعريب أخرى قام المدعو راكان بمنح العربان القادمين إلى كركوك من المناطق العربية في غرب وجنوب العراق 1600 قطعة أرض سكنية؟. كل هذه الجرائم البشعة وغيرها أن كانت مادية أو معنوية تجري في وضح النهار والسلطة الشيعية الحاكمة في بغداد ومعها المراجع المذهبية ساكتة ولم تحرك ساكناً، بل السلطة الشيعية فرحانة بهذه الخروقات الخطيرة التي تخل بالتركيبة السكانية التي غالبيتها العظمى من الكورد، لكن مثل هذه العمليات الخبيثة ضد الأكثرية الكوردية المسالمة تكون في صالح الأشياع ومن يسير خلفهم من أجل الحصول على بعض الفتات. هي الأخرى – السلطة الحاكمة- سحبت الشرطة الاتحادية من مواجهة أنفار داعش في محافظة كركوك، وجاءت بجيش جرار انتشر في المدينة وخارجها. أعتقد، هذا الانتشار بهذه الكثافة له علاقة بالإحصاء الذي أشرنا إليه وليس بداعش.
طبعاً أن الجرائم المعنوية التي تقول بها السلطة الحاكمة في بغداد لا تقل خطراً عن الجرائم المادية على الكورد وكوردستان وتحديداً في المدن المستقطعة منها ككركوك وغيرها، مثال، منع رفع العلم الكوردستاني في تلك المدن الكوردية المستقطعة بجانب العلم العراقي، وهذا يستوجب على الأحزاب الكوردية والكوردستانية الرد الصارم وتواجهه بالمثل، ولا ترفع العلم العراقي بجانب العلم الكوردستاني لأنها أحزاب ومنظمات حزبية ليست حكومية، فقط الدوائر الحكومية الكوردية والبرلمان الكوردستاني تستطيع أن ترفع العلم العراقي بجانب علمها، إما البقية أن كانت حزب أو منظمة سياسية أو خيرية أو مؤسسة تجارية أو محطات التلفزة في الإقليم ومنظمات الجماهيرية كالشبيبة والطلبة والرياضة وفي الأماكن العامة الخ الخ الخ أن كانت لهذه الجهات ذرة كرامة وتعتز بانتمائه للشعب الكوردي الجريح ووطنه كوردستان لا ترفع العلم العراقي قط، وفي مقدمة هؤلاء حركة التغيير التي يرأسها الأستاذ (عمر سيد علي) وهي بمعزل عن حزبي الاتحاد الوطني والديمقراطي الكوردستاني ترفع في واجهة مقرها الرئيسي في مدينة السليمانية بجانب علم الحركة علم الكيان العراقي!!.
“المصيبة ليس في ظلم الأشرار بل في صمت الأخيار”