خاص: قراءة- سماح عادل
في ملف “الحضارة المصرية القديمة”، واستمرارا في قراءة الكتاب الأول ل”موسوعة مصر القديمة” للكاتب المصري “سليم حسن”.
المقاطعات..
يعود الكتاب ويجمل ما قيل عن نظام المقاطعات، مؤكدا على أنه من المحتمل أن يكون تقسيم البلاد إلى مقاطعات منذ أقدم عصور التاريخ المصري كان هو النظام الإداري السائد في بلاد الوجه القبلي، وعلماء الجغرافيا يعتقدون أن عدد المقاطعات في البلاد قد بقى على ما هو عليه منذ الدولة القديمة، وخاصة في الوجه القبلي ما بين “منف” إلى “الالفنتين” وقد حدد عددها ب22 مقاطعة، أما في الدلتا فيعتقدون أن العدد كان يتغير حسب الأحوال، ولكنه كان 20 مقاطعة منذ أقدم العهود.
ويقول “ارمن” أن البلاد مكونة من 42 مقاطعة منذ عهد توحيد الصعيد والدلتا بشكل محتمل، وقد يجوز أنه تغير فيما بعد إلا أن التقسيم القديم بقى متبعا حتى العهد الروماني، ويظهر ذلك في 24 قاضيا الذين كان تؤلف منهم قضاة محكمة “أوزير” لمحاكمة المتوفى، أي أن كل قاض كان يمثل مقاطعة.
في حين أن الدراسات الحديثة خالفت ذلك، فقد وضح الأستاذ “سميكة” لأول مرة الأسباب التي أدت إلى الاختلافات في قوائم المقاطعات التي وصلت إلينا، إذ يقول أن مدنا جديدة قد حلت محل مدن قديمة وكانت العاصمة تتغير أحيانا، وكان يحدث أن تقسم مقاطعة كبيرة المساحة إلى مقاطعتين أو أكثر أو تضم مقاطعتين أو أكثر تحت سيطرة حاكم واحد.
الدولة القديمة..
يعد المؤرخون “مينا” أول ملك أسس الوحدة المصرية، وقد كانت له مهابة في قلوب المصريين حتى أنهم ألهوه بعد موته، وبقيت عبادته زمنا طويلا، حتى أنه بعد مضي عشرين قرنا على وفاته وجد تمثاله في المقدمة من كل تماثيل الملوك الآخرين في احتفال ديني في عهد “رعمسيس الثالث” في معبده المعروف بمدينة “هابو” في الجهة الغربية من طيبة.
الملوك الذين حكموا خلال الأسرة الأولى كانوا 7 واستمروا نحو 200 عام “3200-300ق.م”، وكذلك الأسرة الثانية حكمت نحو 200 عام “3000-2780ق.م”، وكان النظام الحكومي والإداري متينا حتى أنه بقى 3000 سنة لم يطرأ عليه تغيير هام إلا في فترات قصيرة جاءت عرضا.
كانت كل القوة مجمعة في يد الملك ويعهد بتنفيذها إلى كبار رجال الدولة، الذين كانوا ينوبون عنه، وكانت الملكية قبل توحيد البلاد وبعده وراثية، وكان للمرأة حق وراثة العرش، وكانت حاشية الملك تؤلف من العظماء في عهده وأفراد أسرته، ومن المحتمل أن يكون مركزهم “نخن” “الكوم الأحمر”، وقد وصف “مانيتون” ملوك الأسرتين الأوليتين ب”الطينيين” وذلك لأن ملوكهم شيدوا مقابرهم، بالقرب من طينة المجاورة للعرابة المدفونة التي شيد فيها قبر “أوزير” في المرتفع المسمى “أم العقاب”، وأول من اتخذ “منف” عاصمة للملك هم ملوك الأسرة الثالثة وما بعدها، وقد دفنوا في سقارة والجيزة وسماهم “مانيتون” الأسر المنفية.
الحاشية حول الملك شجعت جوا من المدنية يحتفي بالفنون والصناعات، فلم يكتف كعصر قبل الأسرات بصناعة الآلات والأواني من الحجر والعظم والعاج والفخار والخشب بدقتهم المعروفة، بل تخطوا ذلك إلى صناعة الآلات من المعادن والأحجار الكريمة وشبه الكريمة بمهارة فائقة، وكانت أعمال النقش والنحت والتلوين والنسيج والنجارة الدقيقة وصناعة العاج والمجوهرات أخذت تتنوع وتتكاثر بدرجة كبيرة.
ومنذ بداية العصر التاريخي ظهر الطب وجمع المتون الدينية وتأليفها، وأظهر المهندسون المعماريون براعتهم في تشييد المقابر الملكية، فكانت المقابر في بادئ الأمر حجرات بسيطة من اللبن تكفي لتضم جثة الملك وأثاثه المأتمي المتواضع، ثم أخذت تنمو وتتسع حتى أصبحت متعددة الحجرات، ثم استخدمت الأحجار الجيرية والجرانيتية شيئا فشيئا وقد كان يقام حول هذا القبر الضخم مقابر أصغر حجما للأمراء والعظماء من رجال الحاشية، وأسرة الملك نفسه، ومقابر أصغر لعبيد الملك وخدمه الذين يعطف عليهم ويجعلهم يدفنون بجواره، ويجوز أنه كان يعتقد أنهم سيخدمونه في آخرته.
ملوك الأسرة الأولى..
أهمهم الملك “مينا” ويسمى أيضا “نعرمر” و”عجا” ثم الملك “زر” و”زت” فالملك “دن حسبتي” “ودمو” ثم “عزايب” و”سمرخت سمنبتاح” وسمي “سمبس” والملك “قع”.
أول ملك له أهمية عثر عليه بعد “مينا” هو “زر” ويقرأ اسمه “خنت” أيضا، عثر على قبره بالقرب من مقابر ملوك الأسرة الأولى، كما وجدت آثار عدة باسم “زر” توحي أن الفن قد تقدم في عهده، ووصل عن طريق الرواية أن هذا الملك كتب سفرا في علم التشريح، أما الملك “زت” “الملك الثعبان” فيمتاز عصره بالتقدم الفني وخاصة اللوحة التي باسمه وهي في متحف اللوفر، وتدل على دقة الصنع بالنسبة لهذا العهد السحيق.
ثم الملك “ودمو” وكان يسمى أيضا “دن” وهو الذي قام بحملة ضد القبائل الرحل في شبه جزيرة سيناء، لمعاقبة قطاع الطرق الذين كانوا يغيرون على سكان الدلتا الغربية، ويبدو أنه أول ملك فكر في تنظيم مياه النيل وفيضانه في منطقة الفيوم، وقد فتح أبواب حدود بلاده للتجارة الخارجية بشكل كبير، وحصن المدن ونمى موارد البلاد، وكان أول من حبس الأوقاف على المعابد، وبعد حكم 30 عاما دفن في مقبرة عظيمة وجدت أرضيتها مكسوة بقطع من الجرانيت، وهذه ظاهرة فريدة إذ أن استعمال الجرانيت لم ينتشر إلا بعد زمن من عهد هذا الملك، وقد قيل بعد موته بأجيال أنه ألف فصلا من “كتاب الموتى”، وهو أول ملك ذكر قبل اسمه لقب “نيسوت – بيتي” وتعني ملك الوجه القبلي والبحري.
وقد عثر لهذا الملك على لوحة من العاج مثل عليها احتفال تتويج الملك، وذكر ذلك الاحتفال مرات عدة في حجر “بلرم”، في هذه اللوحة يشاهد الملك وهو مرتدي التاج الأبيض للوجه القبلي والتاج الأحمر للبحري، ومثل مرة أخرى وهو يجري بين ست علامات موزعة ثلاثة ثلاثة في صفين عموديين، وذلك إشارة إلى الطواف الذي كان يقوم به الملك حول جدار رمزي “كما يفعل حول الكعبة الآن” وهذا الاحتفال كان من الطقوس التي كان لزاما على الملك أن يقوم بها عند تتويجه، وفي عهد “ودمو” يشاهد أول مرة الاحتفال بعيد “سد” الذي كان يحتفل به عادة بعد انقضاء 30 عاما على توليه الملك الحكم، وهذا العيد يرجع تاريخه إلى عهد بعيد جدا قبل “ودمو”. وقد عثر على مقبرة ضخمة لزوجته “مرت نيت” “محبوبة الإله نيت” ووجدت أمامها لوحة مأتمية جميلة الصنع، ويعتقد بعض المؤرخين أن ملوك هذا العهد كانوا يتخذون زوجاتهم من الدلتا لتوطيد العلاقات بين القطرين.
كما عثر في سقارة على جبانة لبعض العمال من طبقة الشعب من عصر هذا الملك، وهي تبين الاتصال الفني بين ما وجد في مقبرة هذا الملك ومقابر الأشراف في عهده وبين مقابر هؤلاء العمال، من خلال مجموعة من الأواني الحجرية التي وجدت في مقابر العمال، وهي مماثلة لما وجد منها في مقبرة الملك “ودمو” ومقبره وزيره “حماكا” في سقارة، وكذلك الأسلحة المصنوعة من الحجر الصوان ورؤوس السهام وأدوات الزينة الأخرى، فالديمقراطية في هذا العصر وصلت إلى الصناعة فسوت بين ما يصنع للملوك والوزراء، وما يصنع لأفراد الشعب مع الفارق في القلة والكثرة وبعض الفوارق في الدقة.
بعد “ودمو” ابنه “عزايب” من زوجته “مرت نيت” ومعظم آثار “عزايب” قد محيت وبقى تاريخه مجهولا، إلا من بعض نتف حفظها “حجر بلرم” أهمها انتصاراته على قوم يسمون “ايونتيو”، ومن المحتمل أنهم كانوا من السكان الأصليين لمصر، وهؤلاء القوم هزموا منذ حكم أتباع “حور” وشتت شملهم وتفرقوا 3 فرق، واحدة استوطنت شبه جزيرة سيناء، والثانية في الواحات، والثالثة في بلاد النوبة، وأنهم بقوا جيرانا معادين يغيرون كلما سنحت الفرصة، ولاشك أن الحملة التي قام بها “عزايب” كانت لصد غارات هؤلاء القوم وتأديبهم حسب رواية “حجر بلرم”، وفي حكم هذا الملك نفذت لأول مرة عملية الإحصاء في التاريخ المصري.
أما الملك “سمرخت” أهم ما نعرفه عنه أنه احتفل بالعيد “سد” الثلاثيني، وقام بحملة إلى وادي مغارة في شبه جزيرة سيناء، وآخر ملوك هذه الأسرة الملك “قع” ولا نعرف شيئا عنه سوى أنه احتفل بالعيد الثلاثيني لحكمه.