خاص : كتبت – نشوى الحفني :
وسط مخاوف من انهيار اتفاق المصالحة، المنعقد عام 2001، بين المسيحيين الموارنة والدروز، في “لبنان”، شهدت محافظة “جبل لبنان” أحداثًا دامية، أمس الأول، على خلفية الزيارة التي قام بها، “جبران باسيل”، وزير الخارجية ورئيس “التيار الوطني الحر”، إلى بعض المناطق فيها، مما تسبب في وقوع اشتباكات مسلحة تسببت في سقوط قتيلين.
وشهدت منطقة “قبر شمون”، في محافظة “جبل لبنان”، إندلاع اشتباكات مسلحة بعد أن قام محتجون ينتمون لـ”الحزب التقدمي الاشتراكي”، الذي يقوده، “وليد جنبلاط”، بقطع الطرق المؤدية إليها لمنع الطريق عن الوزير، “جبران باسيل”، احتجاجًا على تصريحات أدلى بها واعتبروها بمثابة صب زيت على نار الفتنة الطائفية وتمس بالعيش المشترك بين “الدروز” و”المسيحيين”؛ من سكان “جبل لبنان”.
وإندلعت المواجهات عندما حاول “صالح الغريب”، وزير النازحين، الإنضمام إلى جولة وزير الخارجية، “جبران باسيل”، قام على إثرها سكان دروز بالاعتراض على ذلك؛ مما أدى إلى تبادل لإطلاق النيران بين الحرس الخاص لوزير شؤون النازحين؛ مما أدى إلى مقتل إثنين من بينهم.
وقال الوزير، “صالح الغريب”، إن: “ما شهده الجبل اليوم؛ كان كمينًا مسلحًا ومحاولة اغتيال صريحة”، مشيرًا إلى أن موكبه تعرض لإطلاق النيران “بشكل مباشر”.
وعلق “وليد جنبلاط”، الموجود خارج البلاد، على الحادثة، وكتب في تغريدة: “لن أدخل في أي سجال إعلامي حول ما جرى. أطالب بالتحقيق حول ما جرى بعيدًا عن الأبواق الإعلامية”.
اجتماع طاريء لإحتواء الأزمة..
واضطر الرئيس اللبناني، “ميشال عون”، مباشرة بعد ذلك؛ إلى عقد اجتماع طاريء لـ”المجلس الأعلى للدفاع” لإتخاذ ما يلزم من إجراءات لإحتواء الوضع الأمني في المنطقة، في نفس الوقت الذي أجرى فيه رئيس الحكومة، “سعد الحريري”، اتصالات مكثفة مع قيادات “الحزب التقدمي الاشتراكي” و”الحزب الديمقراطي اللبناني” لضبط الوضع وتفادي كل تصعيد قد يؤجج الفتنة الطائفية “النائمة” منذ سنوات في “لبنان”.
وطالب الرئيس اللبناني، القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، بإتخاذ كل الإجراءات لضبط الوضع الأمني في منطقة “الجبل”، فيما أكد وزير الدفاع اللبناني، “إلياس أبوصعب”، أن القوات المسلحة قادرة على حفظ الأمن والاستقرار. وطالب “المجلس الأعلى للأمن”، في ختام اجتماعه، بإلقاء القبض على كل المشتبه فيهم بإطلاق النار على الموكب الوزاري وإحالتهم إلى العدالة لتحديد المسؤوليات في هذه الحوادث الدامية.
كما تحرك رئيس الحكومة، “سعد الحريري”، لتطويق الإشكال، حيث أجرى سلسلة اتصالات شملت “باسيل”، ومسؤولين في قيادة “الحزب التقدمي الاشتراكي”، و”الحزب الديمقراطي”؛ الذي يتزعمه النائب، “طلال أرسلان”، تركزت على ضرورة تطويق الإشكال الحاصل في “الجبل”، وبذل أقصى الجهود الممكنة لتهدئة التوتر والحفاظ على الاستقرار.
بسبب طبيعة النظام الطائفي..
تعليقًا على الأحداث؛ يقول الكاتب والمحلل السياسي، “سركيس أبوزيد”، أنه: “لا شك أن ما حدث، أمس الأول، هو حادث خطير ومن الممكن أن يكون له تداعيات، خاصة بأن له أسباب عديدة ومتنوعة، والسبب الأول برأيي: هو طبيعة النظام الطائفي وطبيعة الزعامات السياسية الطائفية المأزومة، التي تلجأ أحيانًا إلى خطاب تحريضي عنصري تعبوي، يؤدي إلى أحداث أمنية، لا يستطيع أحد أن يتحكم بنتائجها”.
ويشير “أبوزيد” إلى أنه، بالإضافة إلى الأسباب التي أدت إلى هذا الموضوع: هو تأزم العلاقات السياسية بين القوى السياسية، بسبب تقاسم النفوذ، وتوزيع المناصب، وأحيانًا الرهانات الخارجية، لأن هناك فريق يشعر بأن هناك تغيرات إقليمية قد تؤدي إلى الحد من نفوذه في الداخل، ولذلك يسعى إلى تعزيز الوضع.
ملامح “إحتراب أهلي”..
ورأى المحلل السياسي، “وسيم بزي”، إنه مع خطورة ما حصل في منطقة “الجبل”، يوم الأحد، ورغم ملامح “الإحتراب الأهلي”؛ وذاكرة ما مضى في منطقة “الشوف” بين جمهور “وليد جنبلاط”، الذي أعدّ حالة اعتراض محضرة سلفًا على زيارة وزير الخارجية، “جبران باسيل”، إلى “الشوف”، ورغم حضور السلاح المخفي في مظاهر الاعتراض، وسقوط ضحايا من داخل البيت الدرزي المختلف مع “جنبلاط”، إلا أن مجموعة من الأسباب الداخلية والخارجية تمنع إنحدار “لبنان” مرة أخرى إلى ميدان الحروب.
مضيفًا أن أهم العوامل التي تحول دون الحرب الأهلية؛ يتمثل في إرادة وطنية شبه جامعة بعدم الإنزلاق إلى هذا المشهد.
وأوضح أن ذلك الأمر محصن بموقف رئيس الجمهورية والمؤسسات الرسمية، خاصة قيادة الجيش والقوى السياسية الكبرى؛ وعلى رأسها “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” و”تيار المستقبل” و”حركة أمل”، وأن هذه القوى تحسم إلى حد بعيد “المزاج الداخلي” وموازين القوى السياسية، وحتى الطائفية، إزاء المخاطر المحدقة.
وتابع أن موازين القوى العسكرية في الداخل محكومة لإرادة قوتين كبيرتين في الداخل، هما الجيش اللبناني والمقاومة، وأن ذلك يحسم أي جنوح نحو الحرب، وبالتالي عدم توفر القدرة في حال توفرت الإرادة.
وأشار إلى أن حدود ما جرى، لا يتمتع بأي غطاء خارجي من اللاعبين الكبار، خاصة في ظل حالة المساكنة، أو التعايش التي يمثلها “لبنان”، بين المحورين المتحاربين في المنطقة، منذ أكثر من ثماني سنوات.
مجرد محاولة اعتراض..
وشدد على أن ما جرى ليس أكثر من حالة اعتراض يائسة من قِبل “وليد جنبلاط”، وأن ذلك ما دفعه إلى إرتكاب هذه المخاطرة الدموية داخل البيت الدرزي الواحد، في مسعى منه لكسر سياق الأحداث في لعبة الأحجام الداخلية، التي جعلته يدفع ثمنًا غاليًا منذ وصول، “ميشال عون”، إلى الرئاسة، في تشرين أول/أكتوبر من عام 2016.
له علاقة بالتوترات الإقليمية..
فيما قال “سميح صعب”، المحلل السياسي اللبناني، إنه لا يمكن فصل الأحداث الأمنية الداخلية، والتشنج السياسي المستمر منذ فترة في “لبنان”، عن مجرى التطورات في المنطقة، وارتفاع منسوب التوتر بين “الولايات المتحدة” و”إيران”.
موضحًا أن الأمر يرتبط أيضًا بجبهة “إدلب” وريفي “حماة” و”حلب”، وبوادر إندلاع مواجهة مباشرة بين الجيشين السوري والتركي، وأن هذه الحرائق المندلعة في المنطقة، بدأت على ما يبدو تلامس “لبنان”، على شكل اشتباك سياسي بين عدد من القوى، لا سيما بين “التيار الوطني الحر”، المتحالف مع “حزب الله”، و”الحزب الاشتراكي”، الذي يتخذ مواقف تتعارض مع مواقف “التيار الوطني الحر”؛ حيال ملفات عدة.
وأضاف؛ أن هذا التعارض يبدأ بملف النازحين السوريين، والنظرة إلى النظام في “سوريا”، إلى ملاحظات لـ”الحزب الاشتراكي”، على أداء “التيار الوطني الحر” في المواضيع الداخلية، وبينها الأزمات الاقتصادية والمالية، التي يتخبط فيها “لبنان”.
مخاوف من تجديد التسوية الرئاسية..
وتابع أن الكثيرين من القوى والأحزاب في “لبنان”، تخشى من تجديد ما يعرف بـ”التسوية الرئاسية”؛ بين “التيار الوطني الحر” و”تيار المستقبل”، بزعامة رئيس الوزراء، “سعد الحريري”.
ويرى “سميح صعب” أن هذه التسوية أتت، كما هو معروف، بالجنرال، “ميشال عون”، رئيسًا، قبل ثلاثة أعوام. وأن البعض يخشى أن بعث الحياة مجددًا بهذه “التسوية”؛ قد تأتي بزعيم “التيار الوطني الحر”، وزير الخارجية، “جبران باسيل”، رئيسًا في الانتخابات المقبلة.
مشددًا على أن كل هذه المحاذير، أفرزت خطابًا سياسيًا متشنجًا، انعكس تحريضًا على مواقع التواصل الاجتماعي بين مختلف الأطراف، إلا أن ترجمة التوتر السياسي بأحداث أمنية على الأرض، يضاعف الخشية من إنزلاق “لبنان” نحو تصدعات أمنية، وانعكاسًا للمواجهات الإقليمية المحتدمة الآن في “الخليج واليمن وسوريا”.
“المحاصصة” تدفع لبنان إلى الدمار..
فيما ترى “غولاي الأسعد”، المرشحة السابقة للانتخابات البرلمانية، أن الخطاب الطائفي المستخدم من قِبل القيادات السياسية يدفع بالمواطنين نحو الطائفية.
لافتة إلى أن الأوضاع الاقتصادية والشحن الطائفي دفعت إلى المشهد الذي وقع في “لبنان”.
وتابعت أن السياسيين يتحدثون بما يخالف أفعالهم التي تكرث للطائفية، وأن الشعب اللبناني يرفض مسألة الإنزلاق إلى حرب أهلية.
وشددت على أن عمليات “المحاصصة” في الحكومة والنظام، هي التي تدفع بالبلاد نحو التدمير.