18 نوفمبر، 2024 2:48 ص
Search
Close this search box.

لو كانوا يفهمونك

صباح قدسي تعشقه النوارس وهي تنشر أجنحتها في صفاء سماءه المطرزة بشذرات شمسه الدافئة، تغازل إنعكاس صورتها في نقاء دجلة والفرات، وليل دافئ تصلي على عتمته أصوات المآذن وأجراس الكنائس.
وطني، ليس مثلك جسدا أثقلته الجراح منذ رحل حمورابي ملفعا بقوانينه، تاركا مسلته التي أورثت بصمة للتاريخ حين ولد العراق، ليس مثلك من تكالبت عليه قوى الشر طيلة عهود مختلفة لينهض بعد كل كبوة فارس شامخ تتألق في عينيه إلتماعة نصر.
يكفيني فخرا إنك إله الصمود ومنبع الإلهام لكل حضارات العالم، فقد حلت حروفك المسمارية ألغاز الجهل، وإحتضنت أرضك المقدسة أجساد الأنبياء والأولياء فكنت رمزا للقداسة. مازال ترابك ندي بدم أبناءك الذين عشقوا ترابك فإختاروا معانقة شوارعك وصباحاتك وأقدامهم تثب بين مخالب أشباح الموت. من عمق جرحك يولد حب يغذي كل رضيع، ومن تعبك تنبثق قوة تشد ساعد كل شاب، ومن ليلك مساءاتك يختط كحل عيون نساءك.
لكنهم أبدا لم يعرفوك، أولئك الذين غادروا ندى أحلامك وتركوك وحيدا في العراء، أبدا لم يفهموك وهم يسنون قوانيهم التي تلتمع في إعلانات الفلورسنت لتؤطر تاريخهم وتلمع صورهم. فقط لو كانت فضاءات قصورهم الرحبة تمتزج برائحة خبز تنور إمهاتك اللواتي ماأشرقت الشمس يوما على عيونهن نياما، لكانوا تنفسوك شهقة وزفروا كل طموحاتهم.
في كل يوم، تتسابق قدمي لإلقاء تحية الصباح على حضرتك، ويعتصر قلبي وأنا أراك طريح جراحك التي يزيدها عمقا ثقل الحواجز الكونكريتية، فبشرتك أنقى من أن تلغى خارطة قسماتها بجغرافيا المفارز، وحدائقك أزهى من أن تختفي خلف نقاط التفتيش، وسماءك تشتاق الى رفرفة العصافير التي أرعبتها الألوان الخاكية.
في كل يوم، يوقظني صوت نحيبك وأنت تلتفت يمينا ويسارا فترى جيوشا من أبناءك يدفنون بين النفايات، وأسرابا من شيوخك يتوزعون في التقاطعات يمدون أياد ماكانت لتمتد إلا للقسم بشيبة عفرها الفقر، وعلى أجساد نساءك خلف السواد بصمة حزن نسيت ملمس الأثواب الملونة.
أينما رحلت، يشدني إسمك على جواز السفر ويسحبني إلى حدودك الملتهبة حبا، فبين ضجيج نهاراتك وأصوات الباعة وتعليقات شيوخ المحلة أجد الحياة تضج بهجة تصرخ في وجه الخوف وتتحدى الموت ونوايا الأشقياء. أعشق حروفك الأربع (عين ربي أناء قلبك) ترجمتها بطريقتي وفهمت مغزاها كما يفهم الرضيع همسات شفاه والدته، وليس كما ينطقها المتشدقون على شاشات التلفاز، وليس كما تخطها الصحف عن لسانهم بالأحمر والأزرق، ومايثير تساؤلي، كيف ستحتوي لافتاتهم حجم حروفك إذا كانوا لا يفهمونك!!
[email protected]

أحدث المقالات