من السلوكيات الأخلاقية والأعراف والعادات الشائعة والمستحسنة والتي اكتسبت نوعا من صيغة الواجب وفي بعض المناسبات أصبحت الواجب نفسه , هي ما متعارف عليه عند الأمم باختلافها وهو أن يسأل المحكوم بالاعدام ان كانت لديه رغبة أخيرة قبل الحكم أم لا. فاذا كانت لديه رغبة تحترم رغبته ويتم تنفيدها ولو كان صاحبها من عتاة المجرمين والسفاحين. هﺬه السلوكيات وهذه الأعراف مطبقة عند جميع الشعوب وتؤمن بها جميع الأمم الا ” المغتربون العراقيون “. هؤلاء المغتربون تركوا بلدهم وقت المحن والمصائب وهو بأمس الحاجة الى خدماتهم وها هم اليوم يستمعون الى أخبار وطنهم ويتفرجون على صور الرعب والدمار وبحورالدم التي تراق يوميا والجثث المنتشرة في الشوارع وصراخ الأطفال وعويل الزوجات ونحيب الأمهات بقلب جامد دون أن تتأثرمشاعرهم لدلك ودون أن يرف لهم جفن وكأن المسألة لاتعنيهم لامن قريب ولا من بعيد ليقوموا من بعدها بكتابة ما أجادت به قريحتهم عما أسموه العادات السيئة للعراقيين وما يأكلونه عند الفطور وأساليب التحية عندهم وعادات الأفراح والأحزان بطريقة ساخرة وبأسلوب تفوح منه رائحة الحقد والكراهية والتقزز من كل ما يخص وطنهم ومن يعيش عليه.
نحن شعب نصحو صباحا لتنتظرنا أحكام اعدام بالجملة من سيارات مفخخة وعبوات لاصقة وأحزمة ناسفة وأسلحة كاتمة وغير كاتمة وعصابات الاغتيالات والاختطافات وعصابات التسليب وعصابات الطائفية والهوية وعصابات الأحزاب والمليشيات والكواتم والجيوش البطاطية والعصائبية والصرخية والوهابية والنقشبندية والبدرية واليمانية والبعثية والحاتم سليمانية وجيوش الردة والتكفيريين والارهابيين والقاعديين وجيوش العمائم البيضاء والسوداء والخضراء والحمراء وجيوش الحق والباطل والصحابة والتابعين وجيوش الرافضة والقابلة والجيوش الدموية واللادموية وسرايا الجهاد وكتائب المناكحة وجيوش المتعة والمسيار والفيالق القدسية والصحواتية وقوات الأسايش والبيشمركة والجيوش الحرة السورية والعراقية والقائمة تطول. وخلافا لكل الأعراف والشرائع والقيم فان المغتربين العراقيين لا يرغبون في تنفيذ رغبتنا الأخيرة قبل أن نلقى حتفنا وهي أن يتركوننا وشأننا. لاأعرف لم يتلذذ هؤلاء المغتربون بكتابة المقالات الساخرة والملاحظات اللاذعة عنا وكأن الدنيا ليس فيها ما يستحق الكتابة عنه , أو كأن بوصلة تفكيرهم توقفت عند عادات المجتمع العراقي ومعتقداتهم. والسبب فيما يبدو أنه نتيجة للعيش الرغيد والأمان والرخاء وسهولة الحياة عندهم وعدم وجود المنغصات لديهم فانهم يشعرون بفراغ كبيروقاتل فيلجأون لكتابة هذه المقالات لاضفاء جو من المتعة والتسلية للتخفيف من وطأة الملل الذي يعانون منه. لكني أسألك أليس العراقيون هم أهلك وناسك ؟ أليس العراق بلدك الذي ولدت فيه وتربيت فيه ؟ وها أنت تتنكر له بكل صلافة رغم اني لاأستبعد أن تكون قد أعلنت براءتك من العراق ولاتخجل أن تذكر ذلك علانية. على أني متيقن من أن اسمك هو الآخر قد تنكرلأصله فأصبح ” تاليب شاتري ” كما يطلقه عليك أسيادك.
واللافت للنظر هو ذلك الحقد الدفين الذي نستشفه من خلال تلك الكتابات تجاه وطنهم وأبناء وطنهم. وبمجرد أن يغادر أحدهم حدود الوطن حتى يبدأ باستعمال أساليب الغطرسة والتكبر والتعجرف بحق كل من يعيش داخل حدوده ….. لذلك فهؤلاء الذين تنكروا لبلدهم ويقومون بالسخرية من أبناء جلدتهم يعانون من عقد نفسية في أعماقهم ومن مركبات نقص تستعر في ذواتهم فيحاولون تفريغ ما هومكبوت في نفوسهم فيقومون بصب حمم حقدهم وكراهيتهم على أبناء وطنهم.
ماالذي تريد أن تقوله من سلسلة مقالاتك ؟ نحن شعب متخلف. هذا أقصى مااستطعت قوله.حسنا نحن متخلفون لكننا لم نبع ضمائرنا ونغدر بوطننا ونتركه أيام الشدائد والكوارث. وكل القيم والأعراف والشرائع السماوية والقوانين الوضعية تقول أن التخلف شيء وبيع الضمائر شيء آخر.
سابقا كنتم تبررون عدم رجوعكم للوطن بالخوف من صدام , والآن أصبح الخوف من المفخخات ومن انعدام الخدمات وسيستمر مسلسل الخوف عندكم الى مالانهاية. ولكن أين هي الوعود التي قطعتموها على أنفسكم وهي أنكم ستعودون للوطن بمجرد أن ينزاح صدام عن الحكم وأنكم ستساهمون ببناء هذا البلد من جديد ؟
لم نبع ضمائرنا ولا زلنا نحافظ على هويتنا وثقافتنا , ولازلنا نوصل رسالتنا لأولادنا ليحفظوا للبلد كرامته ومجده . وكما أخبرتك سابقا أن التاريخ هو من سيحكم والعبرة في الخواتيم والعاقل يفهم.