سحور ليلة ١٨ من شهر رمضان، رن هاتفي اخي جبار يتصل، منذ ثلاثة اشهر ماشايفينك، بأذن الله بالعيد ازوركم رددت عليه، رفض قائلا راح اجي للناصرية بكرى واجيبك؛ الاطفال والمرة مشتاقيلك وانا اشتريت سيارة جديدة هم تشوفها، جبار يقيم في بغداد بحكم عمله، شهر رمضان كيف اسافر! تعذرت، رد تأتي وتقيم مدة عشرة ايام وتتم صيامك، اقنعني واتفقنا، جاءني عصرا وبعد الافطار انطلقنا الى بغداد، وصلنا بحدود الواحده والنصف ليلا، قال لناخذ سحور معنا من المطعم افضل، وذهبنا الى مطعم في منطقة اسماها الناضمية، شاهدت جموع رجال ونساء واطفال على باب المطعم، جبار شنو هاي؟ ناس جاي تتسحر بالمطعم، تتسحر! اجبت باستغراب، دخل جبار الى المطعم وانا انتظر في السيارة، لكن رجع بلاسحور، قال لايوجد سحور الا لمن حجز مسبقا! قلت حجز بالسحور!
المهم ذهبنا لمطعم آخر وثالث والجواب واحد، يأسنا وذهبنا الى بيت جبار بدون السحور، استقبلني الاطفال وزوجة جبار بالدموع والفرح الغامر.
جبار طيلة الطريق يشتم بالحكومة والسياسيين والفساد والفشل، وأنا مشغول بالتسبيح تارة وبالادعية اخرى، بعد ان تسحرنا وطلع الفجر انا نمت وجبار ذهب لدائرته، بعد اقل الساعة عاد جبار الى البيت، وتمدد جنبي ونام.
بعد ان صلينا الظهر، قلت له جبار من الناصرية لبغداد؛ انت تسولف وانا اسمع والان حان دوري للحديث بدون ان تقاطعني، رد جبار ” خويه انت الجبير وكل الحجي ألك”.
قلت جبار بأي سنة جئت لبغداد، رد” غير من تعينت” ماذا كنت تملك؟ رد جبار” غير انت دبرتلي الكروه ومصرف قبل الراتب”، جيد والان ماذا تملك بعد عشر سنوات في الوظيفة، الحمد لله كما تشاهد بيت وسيارة” زيرو” ولدي مبلغ جيد افكر ” اوديك بيه للحج”، لا” سالم انا مامحتاج”، هل تعرف ياجبار ان ظهري وايدي تلفتا من التحميل والعوز والفقر، حتى كبرتكم واولادي؟
تعرف ياجبار عندما سجنت ايام الانتفاضة الناس تصدقت عليكم؟ جبار تدري الكهرباء والماء الصافي؛ كانتا حلم في الجنوب والوسط ياجبار سجل عني وتذكر كلماتي هذا كي لا تجادلني، انا غير راض عن ٩٠% من ساسة العراق اليوم وممارساتهم..
– العراق منذ ١٩٢٠ لم يمر بتجربة حكم ناجحة مطلقا كي نقارن التجربة الحالية معه، وهاك تجارب الحكم من ١٩٢٠ الى اليوم الشكوى والتظاهر ومحاربة ومعادات الطبقة السياسية؛ انا اوعز ذلك الى التركيبة الاجتماعية للشعب العراقي، فطبيعة الشخصية العراقية متمرده لايمكن قيادتها بسهولة، اضافة لرفضها ان يحكمها احد ابناء جلدتها او بيئتها، بدليل ماذكرت لك من فشل كل تجارب الحكم في العراق.
– يوم السابع او التاسع من نيسان انهار النظام البعثي؛ يوم ١٠ نيسان ٢٠٠٣ بدأ الشتم والسب لمن تصدى من معارضي البعث، وبدات عبارات التجريح والتسقيط ” اجو على ظهر الدبابة الامريكية، عملاء ايران، يتسكعون في شوارع الشرق والغرب…”، حتى تم تصويرهم كشياطين في رسالة مخملية قادها البعث والطائفيين والمحتل.
– جبار الطبقة السياسية الحالية واجهت هجمة ثلاثية من جهات ذات خبرة في الاعلام وادارته، درست الشخصية العراقية وتعرف كيف تشكل العقل الجمعي وهي” البعث والاحتلال والدول الخليجية والعربية الطائفية”، تتذكر الحزيرة والعربية ومعمر القذافي والاسد وملك الاردن وتصريحاتهم الطائفية المغلفة برفض الاحتلال.
– داخليا مكونات الطيف العراقي. السنة يخافون ان تعصب كل جرائم صدام بحق الشيعة والكرد برؤوسهم، الاكراد الذي نظموا امورهم قبل بغداد بعشر سنوات كانت فرصتهم لاستغلال الا دولة بعد السقوط مباشر في التمدد والاستحواذ تمهيدا لاعلان دولتهم الحلم، الشيعة مندفعين بمظلومية قرون من الزمن يريدون دولة يحكمونها على طريقة صدام ويستحوذون على كل شيء فيها..
– التيار الانتهازي والشعاراتي؛ الظاهرة الفوضوية المستحدثة في العراق فقط، التي صنعت اطار حوى البعثي ووكيل الامن والاستخبارات والمخابرات والطائفي الذي ادعى التشيع ومجرمي ابو غريب الذي اخرجهم في عفو عام ٢٠٠٢، هذه التيار الذي مهد له متمرجع؛ طيلة عشر سنوات من تسقيط للمرجعيات الدينية ومخاطبة عواطف الجهال لا عقولهم، وملا الحوزة من سقط المتاع من الذكور؛ بعثية وزناة وملاط بهم ووضع العمة على رؤوسهم مع السقوط مباشرة؛ تجمع هؤلاء العتاة في مساجد اغلبها مغتصب وبدعم صدامي في حينه، واستحوذوا على كل موجودات الدولة العراقية السابقة بعد السقوط، وسط تفرج قوات الاحتلال وتغاضيها، ثم اعلنت عن تشكيل حكومة بمفردها! ثم خاضت مواجهة مع المحتل بلا غطاء شرعي ولا سياسي بعنوان” مقاومة المحتل” رغم تعاملها السري معه، حينما كانت تحقق لهم اهدافهم بالفوضى وتحجيم دور القوى الوطنية التي تحمل مشروع وطني، يناهض المشروع الامريكي الخليجي القاضي بالإبقاء على نظام صدام بدونه، حتى دخلت العملية السياسية لتسرق وتنهب ويثرى اتباعها بعنوان الاصلاح، تتذكر يا جبار في كل حكومة تشترك فيها هذه الكتلة فتحصل على المناصب والمواقع ثم تتحول الى المعارضة وشتم وسب الساسة، حتى وصل بها الحال تشكيل كتلة برلمانية، تطلق يدها في الفوضى وتخريب المفاوضات لتحصل على المناصب بعدها يعلن القائد براءته من هذه الكتلة حتى تقترب الانتخابات يشكل كتلة جديدة يدعمها وهكذا، وما المواجهات التي تحصل بين الفينة والاخرى بين قياداتها الا دليل واضح على فسادها واجرامها واستغفالها للناس..
– نحن يا جبار كشعب كم مرة غيرنا خياراتنا في الانتخابات وكم مرة طعنا والتزمنا بتوجيهات المرجعية! كم عراقي يعرف فاسد ويعيد انتخابه من جديد تحت مبرر التحزب او نكاية بمرشح او جهة سياسية منافسة!
– تلقف الاشاعات والدعايات من مواقع التواصل ومن السنة الفاسدين انفسهم والبناء عليها دون تدقيق او توثيق كما يأمرنا ديننا حتى تحول كثير من المخلصين في نظرنا شياطين ووالى اكثرنا الكذاب والسارق والعميل!
١٠٠٠ مليار دولار المبلغ الذي تمت سرقته من العراق! نصدق ونهوس للرقم دونما اي تمحيص وتدقيق، العراق صدر من عام ٢٠٠٣ الى الان بمعدل ٢ مليون برميل يوميا ٣٦٠×١٦عام= ٥٧٦٠ يوم
٥٧٦٠×٢م/ب/ي=١١٥٢٠ م/ب مقدار النفط الذي صدر
سعر البرميل كمعدل ٤٠$
١١٥٢٠×٤٠=٤٦٠٨٠٠ ملياردولار هذا يشكل99% من الميزانية العراقية من ٢٠٠٤ الى اليوم، يصرف الى حصة اقليم كردستان، الرواتب، تعويضات الكويت وضحايا النظام البائد” شهداء، سجناء، نزاعات ملكية…”، التزامات العراق العربية والدولية مع المنظمات، ديون النظام البائد، ما تم انجازه من مشاريع في بغداد والمحافظات…”
الرقم يا جبار قمت بحسابه وفق سعر البيع المعلن دون تكاليف الاستخراج والتصدير، لاحظ ان كل النفط المصدر لم يصل الى نصف المبلغ المسروق حسب اعلام الثلاثي ومواقع التواصل وترديد الامعات خلفهم!
– يا جبار نحن ننتقد ونشتم ونقارن مع دول اخرى، بناء على ما نسمع لا ما نرى..
الغرب: المواطن الغربي يعمل يوميا “١٢-١٦”ساعة كي يعيش، وانت ذهبت لدائرتك نصف ساعة ورجعت للبيت! وتقارن نفسك معهم وتريد ان تعيش مثلهم!
الغرب بلدان مستقرة منذ عشرات السنين بعد ان مرت بأتعس من ظروفنا الحالية مرات ومرات، الغرب ناس تخلت عن كثير من العقائد والعقد التي نعيشها” قومية، مذهبية، رمزيات…” فلا يمكن ان ينشأ على ارضهم مقتدى!! ولا ابو بكر البغدادي ولا طارق الهاشمي ولا عدنان الدليمي ولا يمكن للدولار الخليجي ان يشتري ولاء احد منهم وان حصل فالسلطة هناك” تشك خشمة وخشم عشيرته” فالديمقراطية لديهم تعني سلطة القانون..
دول الخليج: هذه محميات غربية وحكامهما موظفين يستلمون رواتبهم ومستحقاتهم من الغرب وحراس على الثروات التي في الارض والعائدة للغرب ليس أكثر فلا دين ولا عروبة ولا موقف الا ما يقرر في الغرب هل يرضى الشعب العراقي بقيادات تتصرف بهذا الشكل وهو يردد بقناعة وفهم او بدونهما” هيهات منا الذلة”، ورغم ذلك تجد الفقر موجود في هذه الدول ولك ان تزور السعودية في موسم الحج لتجد الفقراء يملئون الطرقات والبلدية” تركض وراهم” وهذا حال البحرين والكويت ..
الدول العربية الاخرى مواطنيها بين من هاجر من الجوع والعوز وبين من باع حتى شرفه مقابل ذلك وبين دول تحولت الى ساحة حرب لا تصلح للحياة كليبيا ولك ان تزور دول مثل مصر ولبنان والمغرب وتونس، لترى النعيم الذي يعيشه العراقي مقابل حالهم..
يا جبار الشعب العراقي اليوم ابتلى بفقدان البصيرة والمقارنات والغفلة امام الشعارات التي تفقد صدقيتها عندما تطرحها على الواقع.
الشعب العراقي يخوي بخبث رفعوا سقف طموحاته، حتى صوروا له بأن الجنة قادمة مع الخلاص من صدام وحزبه، الغاية؛ الترحيب بالاحتلال واحراج الطبقة السياسية القادمة؛ خاصة الاسلاميين الذي يريدون اسقاطهم في عين جمهورهم، فهم ( المحتل والخليجي والبعثي) يدركون جيدا مقدار التحديات في اعادة بناء العراق بالأصل، فكيف وقد حركوا معاولهم لتهدم أي ايجابية تحققت او يمكن تحقيقها..
يا جبار اغلب الشعب العراقي اليوم يعيش في بحبوحة، لكن لا يرضى الا بالرفاهية الكاملة وهو حق لكن في ضل الواقع صعب التحقيق، وزحام المطاعم البارحة في وقت السحور دليل امان ورفاهية اقتصادية وراحة بال..
يا اخي الشعب العراقي اليوم متفرج على الفوضى وبعضه داعم لها فأغلبنا يريد دولة على ان يتحكم بها ويريد قانون على ان يكون هو فوقه، يتحدث عن النزاهة وهو لا يساند ولا يؤيد النزيه ولا يصوت له بدافع التحزب او العشيرة او المنطقة او مقابل ثمن او وعد بوظيفة او منصب!
الشعب العراقي اليوم للأسف؛ اغلبيته تحولت الى امعات تردد ما تسمع وتحكم على ما تسمع وتوالي على ما تسمع تشتم وتنتقد بناء على ما تسمع، نادر ان تجد عراقي يدقق ويمحص ويلتزم بان بين الحق والباطل اصابع اربع بين ان تسمع او ترى!
العراقي اليوم من حيث لا يعلم عادى اعداء صدام ووالى انصاره، بلا وعي ولا ادراك ولا تدقيق..
يا جبار الوطن ليس كلمة نرددها كما الشرف ليش شعار نرفعه وهو كالنزاهة والكفاءة ليس قول نسمعه، هذه المفردات تحتاج مصداق للتطبيق على ارض الواقع..
فالوطن يعني؛ ان تحب ابناءه بمختلف توجهاتهم، وان تحرص على ارضه واهله؛ وان تلتزم بقوانينه كاملة، وتعترض على من لا يلائم منها لكن الالتزام بها اولا.
وهكذا باقي المفردات لا قيمة لها اذا ما كان لها وجود على ارض الواقع..
النظام السياسي في العراق مع بعض الملاحظات على بعض التفاصيل، نموذج للحكم الرشيد على ان يتحمل الكل مسؤوليته، ولا يبقى كل واحد يرميها على الاخر، وكل امة تلعن من سبقها.
متى ما تحمل كل فرد مسؤوليته واستخدم عقله للتفكير واذنه للسماع، حينها تحل مشاكلنا، عدا هذا كل ما يطرح ويقال محاولات لا تنجح..
وسلمت ياأخي العزيز…
رد جبار وروح ابوي كل كلامك صحيح بس احنا مخدرين بالحجي وما نشوف الصح..