تبنى العراق في السنوات الاخيرة الماضية منهج الوسطية في التعامل مع الاحداث الجارية على صعيد المنطقة ، وأكد نأيه عن سياسة المحاور حتى لا تكون أراضيه ساحة للقتال الدولي والاقليمي ، الذي يعود ومن دون ادنى شك بالويل والثبور على ابناء هذا البلد اذا ما نشبت اية حرب لا قدر الله.
ومع ذلك الموقف “الوسطي” الذي كان معلناً منذ سنوات للعراق، الا انه لم يتوانى على ان يصدح صوته في المحافل التي تعقد دولياً او اقليمياً، في الدفاع عن الشعوب والرفض القاطع لان تتحول اراضيه منطلقاً لضرب دول المنطقة، او استخدام اراضيه كمعسكر للصراع والحروب، وهذا ما لمسناه من خلال موقف العراق في القمم العربية واجتماعات الجامعة العربية، ولعل اخرها كلمة رئيس الجمهورية برهم صالح في مؤتمر القمة العربية الطارئة الذي جرى في السعودية، والذي لاقى استحسان الجميع عندما اشار الى ان “المنطقة بحاجةٍ الى استقرار ٍ مبني على منظومةٍ للأمن المشترك ، يعتمدُ احترامَ السيادة و عدمَ التدخلِ في الشؤون الداخلية، و نبذَ العنف و التطرف، فامننا مشتركٌ و متلازمٌ على صعيد المنطقة“.
تلك المواقف التي صدرت عن رئيس الجمهورية الذي يمثل العراق، كان لها صدى واسع على الصعيد الدولي، اذ برز ذلك الموقف على خلاف المواقف العربية الاخرى التي كانت متصلبة وتدفع باتجاه التصعيد في المنطقة ، واشعال نار الحروب التي اكتوى منها العراق كثيراً على مدى عقود.
ومن الجديد في تلك المواقف انها صدرت عن رئاسة الجمهورية التي كانت مغيبة في الحكومات السابقة منذ عام 2005 ، والتي جوبهت بانتقادات لاذعة من قبل عامة الشعب الذي يرى في رئاسة الجمهورية بانها في “واد” والبلد في واد اخر ، وتبين ذلك واضحاً من خلال مواقع التواصل الاجتماعي التي كانت تغص بالانتقادات اللاذعة للرئاسة.
نحن لاننكر بان ذلك المنصب “الرمزي” في النظام الديمقراطي ذات صلاحيات محدودة كان قد منحها الدستور العراقي بموجب المادة (71) ولا نريد ان تتجاوز تلك الصلاحيات حدودها المرسومة وتصل الى حد التداخل مع صلاحيات رئيس مجلس الوزراء ، لكن نريدها بهذه القوة وبهذا الحجم ، لان الرئاسة تمثل العراق باطيافه ومكوناته في اللقاءات والمؤتمرات والقمم، كما انها تمثل قوة العراق ومواقفه الراعية لمصلحة المنطقة ، و تعيده الى واجهة الريادة والقيادة مجدداً، التي فقدها بفعل الازمات والحروب والدمار الذي لحقه بعد التغيير.
لعل تسنم “برهم صالح” لذلك المنصب قد اضاف نوعاً القوة له، لما يتمتع به “صالح” من مقبولية لدى جميع مكونات العراق ، وهو امر ايجابي يعيد ثقة المواطن بالحكومة، التي فقدت طيلة السنوات الماضية بفعل السياسات الخاطئة التي مورست من قبل من تسنم تلك المناصب وكان دوره شبحياً وبعيداً كل البعد عن البلاد.