المليشيات ظاهرة ٌتنشأ وتنمو في أجواء الفوضى والانفلات الأمني ، وغياب القانون العادل ، واعتماد سياسة المحاصصة والتهميش والإقصاء ، والتفرد في إدارة البلاد ، وترويج وتعميق الأفكار والثقافات الطائفية ، أو العرقية ، أو غيرها …، ودفع المجتمع والزج به نحو خندق التعصب الأعمى للدين، أو الطائفة ، أو العرق ، أو الحزب ، أو الكتلة ، أو القبيلة ، مع تغييب أو قتل الحس والشعور الوطني ، وطمس الهوية الوطنية،
لقد كانت ولازالت المليشيات كابوسا يجثم على صدور العراقيين ، فهي خلايا تنشط وتنام وفقا لرغبات رؤسائها وقادتها ، وما تفرزه الصراعات والتخندقات السياسية وغيرها في العراق ، ومن ما ورائها من أجندات خارجية لعلَّ من أبرزها وأهمها هي إدخال العراق والإبقاء عليه في محرقة الاقتتال والتفرق والتمزق وصولا إلى تقسيمه وتقطيع أوصاله ، وبالتالي إفشال وإجهاض أي مشروع وطني ينادي به الشرفاء ، فمارست المليشيات دورا خطيراً وبارزا ًفي زيادة معاناة العراق ، وتسببت في نزول الويلات والمصائب على أبناء شعبه ، فعاثت بهم قتلاً وتهجيراً وتشريداً ، وسلباً ونهباً لممتلكاتهم ، وانتهاكاً لأعراضهم ومقدساتهم، فضلا عن زيادة وتعميق الاصطفاف الطائفي ، ولولا وجود الحاضن والداعم ( المعنوي والمادي) الديني ، أو السياسي ، أو العرقي أو القبلي لما قدِّر لهذه المليشيات الدموية أن تعيش لحظة على ارض الرافدين ،
إن إستراتيجية القضاء على هذه الآفة السرطانية ليست بالمستحيلة فيما لو توفرت الإرادة الحقيقية الوطنية ، وابتعد الساسة وملحقاتهم ودعاة التدين عن الخطابات المتطرفة ، وتخلوا عن ثقافة وسياسة الإقصاء والتهميش أو الإلغاء ، وساد العدل ، وتحققت المساواة ، وتبنى الجميع ، مشروعاً وطنياً حقيقياً صادقاً يُتًرجَم من خلال خطوات جادة وممارسات وأعمال على ارض الواقع ، كي يشعر المواطن العراقي المسيحي والمسلم ، السني والشيعي ،الكردي والعربي والتركماني ، وبقية أطياف وألوان ومكونات الشعب العراقي ، يشعر بان الحكومة والقيادات الدينية والسياسية تنظر إليهم جميعا بعين الأبوة والرحمة والحنان والعدل والمساواة “نظريا وتطبيقيا”،
هذه الإستراتيجية تعمل وفق ضابطة وشعار الولاء والعشق للعراق وشعبه فقط وفقط وفقط ، ولقد طرحها السيد الصرخي الحسني في مناسبات وخطابات عديدة واعتبرها هي الحل والخلاص من ما يمر بها العراق وشعبه من خراب ودمار وضياع ، بما فيها المليشيات التي تظهر على المشهد المأساوي بين الفين والآخر كما نسمعه ونشاهده اليوم من عودة المليشيات وعنفها ، ولو أن الجميع قد التفتوا وعملوا بالنداءات المتكررة التي انطلقت من ضمير المرجعية العراقية العربية ، والتي لطالما نادت وطالبت بالقضاء على ظاهرة المليشيات ، كما وحثت العراقيين إلى الابتعاد وعدم الإصغاء إلى الخطابات الطائفية التي تؤجج وتعمق الصراع والاقتتال الطائفي ، وان لا يركعوا لسياسة الاستخفاف التي تنتهجها معهم القيادات الدينية والسياسية وغيرها ، ولا ينخدعوا بالشعارات والمشاريع التي تسترت برداء الدين أو الطائفة أو العرق أو غيرها من انتماءات وميول ، لتحقيق مكاسب شخصية ضيقة تصب في خانة من رفع تلك الشعارات المزيفة ، حيث يقول السيد الصرخي الحسني في بيان رقم “20 “تحت عنوان (( أنا عراقي … أوالي العراق … أرض الأنبياء وشعب الأوصياء ))
:
“أقول … أعزائي أحبائي إذا بقيتم ساكتين وإذا بقي أولئك مستخفين بكم فإن المأساة والكارثة تبقى علينا جميعاً حيث الفساد الإداري والسلب والنهب للعراق وشعبه على كافة المستويات وحيث الولاء لغير العراق ولغير شعب العراق .
وحيث الصراعات المصلحية والنفعية المؤدية إلى الاستقطابات القومية والطائفية والتعصبية والحزبية وغيرها المغذية وبقوة للحرب الطائفية والشعوبية والإرهابية , المحلية والدولية , العشوائية والمخابراتية .”
،،،
إن الحلول التي وضعها السيد الصرخي تكمن في القضاء على كل المليشيات التي أضرت وفتكت بالعراق وشعبه دون التفريق في ذلك الأمر بين المليشيات الشيعية والسنية ، والإسلامية والعلمانية ، والعربية والكردية وغيرها ، ويكون القانون سائدا على الجميع دون استثناء كما قال وبين ذلك في بيان له تحت عنوان(( أمن العراق…وفرض النظام ))
:
“نعم لخطة أمنية تحمي العراق وتصونه من الأعداء وتحافظ على وحدته وتحقق أمنه وأمانه وتحاسب المقصر بعدل وإنصاف مهما كان توجهه وفكره ومعتقده ومذهبه …نعم لخطة أمنية تنزع وتنتزع وتنفي الميليشيات وسلاحها الذي أضرّ بالعراق وشعبه الجريح القتيل الشريد المظلوم ولا تفرق بين المليشيات الشيعية والسنية والإسلامية والعلمانية العربية والكردية وغيرها …نعم لخطة أمنية تعمل على تحقيق وسيادة النظام والقانون على جميع العراقيين السنة والشيعة, والعرب والكرد , والمسلمين والمسيحيين , والسياسيين وغيرهم , والداخلين في العملية السياسية وغيرهم ,…. وكلا وكلا وألف كلا للنفاق الاجتماعي والنفاق الديني والنفاق السياسي الذي أضرّ و يضرّ بالعراق و شعبه وأغرقه في بحور دماء الطائفية والحرب الأهلية المفتعلة من أجل المصالح الشخصية الضيقة والمكاسب السياسية المنحرفة ومصالح دول خارجية …”
http://www.al-hasany.com/index.php?pid=62
إلا أن غياب ، بل انعدام النوايا الصادقة ، وغلبة المصالح الشخصية والفئوية على مصالح الوطن والمواطن ، وضغط الأجندات الخارجية ، أصم الأسماع ، وأعمى القلوب ، وكبَّل الأيادي عن العمل بهذا المشروع الوطني الصادق ، فكلٌ يجر النار إلى قرصه ، والخاسر الوحيد هو العراق وشعبه الذي وللأسف الشديد نقول هو جزء من المعادلة الخاسرة لأنه لُدغ ولازال يُلدغ ويُلدغ ….، لأنه هو الماسك بعجلة التغيير لو أراد ، وهو من يُحدد المصير ، فالشعوب أقوى من الطغاة لو امتلكت الوعي والعزيمة والإرادة والإصرار ، لكننا أصبحنا نحن من يصنع الطغاة والمليشيات ، التي عادت من جديد لتقتل وتفتك وبصورة أبشع من ذي قبل، وباتت وكأنها ضرورة ملحة لكل طائفةٍ أو عرقٍ ، أو حزبٍ ، أو حتى قبيلةٍ ، أو عشيرةٍ ، فأصبح كل حزبٍ ومليشيا …، بما لديهم فرحون ، والى سفك الدماء يلوحون ، بل يسفكون ، وللأعراض والمساجد ينتهكون ، في ظل التجاذبات والأستقطابات الطائفية الداخلية أو الإقليمية ، والتناحرات السياسية ،
وصار الحديث عنها والتشدق بها بطريقة فاقدة للحياء غاب عنها أي شعور وانتماء وطني ، فهي لقلقةٌ نتنة ، وانشودةٌ عاهرة ، تُعزًف على أوتار شرايين الأبرياء ، وأوردة الأطفال ، بلحن الأنين ، وصوت الثكلى ، وبكاء اليتيم ، يرقص على أشجانه المليشياوي ومن يقف ورائه ويدعمه …..