خاص: حاورته- سماح عادل
“كاظم نوير” فنان تشكيلي عراقي، من مواليد الديوانية عام 1967.. يعمل عميد كلية الفنون الجميلة في جامعة القادسية، أكمل دراسته في كلية الفنون الجميلة في بابل وكانت وقتها تتبع للجامعة المستنصرية في بغداد، ثم وبعد تخرجه من الكلية سيق للخدمة العسكرية ثم تسرح من الجيش بعد إكماله حوالي الثلاث سنوات، ثم أسس محترفا مع “فاضل عباس” و”إياد الشيباني” ثم قبل في كلية الفنون الجميلة في جامعة بغداد، وعند تخرجه منها عمل تدريسيا في كلية الفنون الجميلة في جامعة بابل ثم أكمل الدكتوراه فيها وكتب أطروحته في “الذاتي في الرسم الحديث”، وبعدها أشرف على العديد من رسائل الماجستير وأطاريح الدكتوراه، وناقش العشرات منها في جامعة بابل وبغداد..
وهو يكتب عن النقد التشكيلي في الصحف والمجلات منذ أواسط التسعينات، وأقام العديد من المعارض التشكيلية داخل العراق وخارجه، وكتبت عن تجربته العشرات من المقالات النقدية ورسائل الماجستير الدكتوراه والبحوث، وكرست مجلة الطليعة الأدبية ومسارات في العراق ملفا مطولا عن تجربته، ونشر عن تجربته كتابا للناقد “مازن المعموري” بعنوان (كاظم نوير الغصن الذهبي في الرسم العراقي الحديث).
إلى الحوار:
(كتابات) كيف بدأ شغفك بالرسم، وكيف طورته؟
- ما أتذكره أنه منذ طفولتي كنت مهتما بالرسم وشغوفا به، فكان درس الرسم الدرس الذي يستهويني كثيرا، وكنت قد شاركت في معارض الرسم منذ السنة الأولى في دراستي في الابتدائية، واستمر الشغف والعمل على هوايتي في الرسم إلى يومنا هذا.. وتطورت قدراتي بالممارسة ومتابعة أعمال الفنانين والطلبة الرسامين الذين سبقوني في هذا المجال ومراكز الشباب إلى أن دخلت إلى أكاديمية الفنون الجميلة، بعد اختبار كنت أفضل الممتحنين للدخول فيها، وبعدها تطورت أعمالي بشكل سريع وتوالت المعارض الشخصية والجماعية في أيام الدراسة وكنت الأول بين أقراني.
(كتابات) هل تلقيت الدعم من الأسرة والمجتمع ساهم في صقل موهبتك؟
- لم تكن الأسرة تمانع أن أمارس هوايتي، وكانت تحترم هذا التوجه وهذا الاهتمام، وكانت تدعم هذا التوجه بشكل قوي وتدعمني بما يمكن أن تستطيع. أما بالنسبة للمجتمع فقد كان المجتمع متسامحا وما زال ويحترم التوجه الفني والثقافي، والدعم الذي قدمه هو دعم معنوي.
(كتابات) كيف كانت بداياتك وهل تأثرت بأحد؟
- بداياتي الحقيقية كانت في أكاديمية الفنون الجميلة، كان التوجه الأساس هو التوجه نحو الدراسة الأكاديمية لكن اطلاعي وتوجهاتي كانت أقرب للانطباعية الجديدة والوحوشية والتعبيرية، مع تجارب حرة لمختلف التقنيات والأساليب بغرض اكتشاف إمكانياتها الجمالية والفنية وهي سمة ما زلت أشعر أنها موجودة بقوة عندي.
(كتابات) ما هي المواد التي تحب استخدامها في الرسم؟
- كثير من المواد والخامات استخدمها في أعمالي، وعملية استنطاق جماليات الخامات جزء من عملي التجريبي المستمر، كانت البدايات بالمواد التقليدية مثل الألوان المائية وألوان الزيت والاكريليك وفيما بعد إلى استخدم مواد مختلفة، مثل الرمل والإسمنت والواتربروف ونفايات البيئة والكولاج وألوان الكرافيتي وغيرها.
(كتابات) هل تدرس الفن التشكيلي، وكيف هو تأثيرك على تلاميذك؟
- أنا تدريسي في كلية الفنون الجميلة منذ (24) سنة، والآن أنا عميد كلية الفنون الجميلة في جامعة القادسية، ولدي العشرات من الطلبة الذين غرست فيهم حب الفن والمثابرة والتجريب والتحرر وفهم الفنون المعاصرة والمغامرة وقوة الشخصية في العمل الفني، وبالتأكيد يكون التأثير حسب إمكانية الطالب وشغفه للفن وطموحه الشخصي.
(كتابات) حدثنا عن المعارض التي شاركت فيها ورد فعل الجمهور على أعمالك؟
- شاركت في عشرات المعارض الجماعية والشخصية داخل وخارج العراق، وبالتأكيد أحاول أن أقدم فيها الجديد والمختلف وكان تأثيرها كبيرا على الجمهور والنقاد، وهذا يعتمد أساسا على ثقافة وخبرة المتلقي فما أقدمه من تجارب ورؤى تختلف باختلاف المادة والموضوع التي أحاول أن تكون قريبة من همومي وأفكاري كوني فردا من المجتمع الذي أعيش به بأحداثه المختلفة، وفي النهاية يكون رد الفعل للفنانين والنقاد مهم بالنسبة لي، وكوني متابع للحركة التشكيلية المحلية والعالمية أعرف بالضبط ماذا أقدم وكيف أقدم ولمن أقدم.. قدمت تجارب مهمة تناولها النقاد والباحثين باهتمام ولذلك كتب عن تجربتي العشرات من النقاد والباحثين في الفن من داخل العراق وخارجه ومنهم في مصر.
(كتابات) حرصت أن يكون لك أسلوبك المتميز… كيف استطعت ذلك؟
- الأسلوب هو طريقة في التفكير والرؤية والعيش، هو الإنسان كما هو، هو الذات الإنسانية كما يمكن أن تشعر وتحس وتتفاعل مع ما حولها، من ذلك فالأسلوب تحصيل حاصل للثقافة والمعتقد والتجارب والخبرات التي يحصل عليها الفنان، بناء على ذلك فالفهم الخاص للفن والجمال ودوره وقوة رنين خطابه في الآخر هو ما يدفع الذات الإنسانية أن تجد أسلوبها الخاص، عند ذلك لا يكون الأسلوب هو الهم الأساس عند الفنان، لأنه سيتشكل مع نمو التجربة الفنية، وهذا ما كان، فتجربتي الفنية التي امتدت لعقود تشكل أسلوبا خاصا بها، لأني أفهم الفن بطريقتي ورؤيتي للحياة، أو كما اعتقد للفن أن يكون. من ذلك تأثر أسلوبي بدراساتي الأولى للفن، ومن حواراتي الثقافية واطلاعاتي على التجربة الفنية العالمية والإنسانية.
ومعها اختلف الأسلوب في كل مرحلة مررت بها، من التجربة الأكاديمية الأولى وتلمس الطريق، وفهم التقنيات والمعالجات للفنانين، وطرائق معالجة الموضوعات، إلى مرحلة أحاول أن انفض غبار التجارب الأخرى من جلباب الدراسة والتأثر والعمل بحرية على وفق فهمي للأمور والحياة الخاصة للعمل الفني، فالعمل الفني هو لحظة التقاء نقية بين النفس أو الروح والمادة، ومنها تفترض هذه الحياة اشتراطات مختلفة ومن دون أدنى معوقات للعب الحر والتنويع المفاهيمي والبنائي للشكل وطرائق تأثيره على الذات.
لا يتشكل الأسلوب إلا بخصوصية عالية وفهم لتلك الخصوصية، من هنا كانت التجارب المتتابعة ملاحقة لتلك الخصوصية ومسك خيوطها وطاقاتها، فالعمل والمثابرة والحوار ينتجان الميسم الطويل لأعمال مقترحة تتحرك بحركة الزمان، فالفنان نتاج زماني متحول من خلال المادة وبها، واعتقد إنني فهمت هذه الاستراتيجية منذ البدايات الأولى في دراستي الأكاديمية.
(كتابات) بدأ الفن التشكيلي في العراق قويا.. هل تأثر بالأحداث السياسية المتلاحقة.. وهل يستطيع فرض حضوره في الوقت الحالي؟
- نعم، بدأ الفن التشكيلي العراقي قويا وما زال, كوننا نتحدث عن حركة تشكيلية وثقافية امتدت لآلاف السنوات، ولذلك؛ الفن العراقي والثقافة العراقية بشكل عام استوعبت ما يقدم عالميا على الرغم من الفارق التقني أو العلمي، لكن هذا لا يمنع من وجود شخصية بحساسية عالية للفن والحضارة، وقبل هذا للحس الإنساني الذي نجده عند الفنان العراقي، ولذلك قدم الفنان العراقي أفكاره ورؤاه بحساسية عالية وقدم تجربته إلى العالم، وكثير من تجاربه وصلت إلى العالمية على الرغم من المعوقات التي تدخل فيها جوانب سياسية وثقافية واقتصادية التي وقفت حاجزا لبعض التجارب، لكن في النهاية نستطيع أن نتحسس الاندفاع العاطفي والفني فيما يقدم.. وما قدم؛ تناول فيه الفنان العراقي كثير من الأحداث التي مر بها الإنسان والمجتمع العراقي وحتى القضايا التي تأثر بها ومنها نضال الشعوب في التحرر والقضايا الإنسانية التي يمر بها الإنسان بشكل عام.
وقضية فرض حضوره هو أمر حتمي تاريخيا وتستطيعين متابعة الدراسات والأنشطة الفنية التي يقدمها الفنانين العراقيين في مختلف بقاع العالم، إذ لم تنقطع هذه التجارب على الرغم من الحروب والأحداث الدراماتيكية الكبيرة التي مر بها العراق وكثير من الممارسات لبعض الدول كانت بالضد من تطلعات الفنان العراقي الذي يحمل معه تاريخه الفني والحضاري الكبير الذي يفخر به ويدعم تجاربه وأهليته بما يقدمه حضاريا في الوقت الحالي.
(كتابات) هل تشعر أنك نلت ما تستحقه من التقدير لموهبتك وإنجازك الفني؟
- لست وحدي، أشعر بالغبن مقابل ما قدمته وما استحقه، أغلب الفنانين العراقيين يشعرون بهذا الشعور، فالفنان العراقي قدم كثير من التجارب التي تستحق التقدير والاهتمام، لكن ظروف البلد الذي نعيش به والحروب المتوالية التي مر بها أضاعت كثير من التجارب، فالدولة العراقية انشغلت بتلك الحروب وما زالت.
تصوري بلد فيه كل هذه الإمكانيات وعشرات كليات ومعاهد الفنون الجميلة ومئات التجارب الفنية، كيف تستطيع الدولة الاهتمام بها، وكيف يقدم الفنان تجربته أمام كل هذه الفوضى؟.. هذه الأمور تحتاج إلى استراتيجية وإمكانيات كبيرة لاحتوائها.. أقول في النهاية كتبت عن تجربتي العشرات من الكتب والدراسات داخل وخارج العراق ونلت عشرات الجوائز من داخل العراق وخارجه وما زلت استطيع أن أقدم الكثير في مجال الفن والثقافة، ويكفي الفنان رضاه عن تجربته في النهاية، لكن الفن يحتاج إلى تنظيم مؤسساتي في النهاية ينظم التجارب ويقدمها للآخرين داخل وخارج البلد، وأن يبني ذاكرة لها عبر المتاحف المختلفة وفي كل المجالات، وهذا ما أجده يحتاج إلى عمل كبير لاحتواء تلك التجارب. نحتاج إلى مؤسسات حكومية ومجتمعية لبناء تلك الذاكرة وتقديمها بشكل حضاري يليق بتجارب الفن العراقي الكبير ومحاولة ربطه بإرثه الحضاري العظيم، تلك التجارب التي لا تقف عند بعض التجارب أو لبعض السنوات.
(كتابات) هل واجهتك صعوبات.. وما هو جديدك؟
- كل الفنانين يواجهون مصاعب كبيرة، مصاعب تتعلق بظروفه المادية، ومصاعب الحياة، ومصاعب تتعلق بتقديم تجربته للآخرين. كيف يقدم الفنان تجربته ولا يجد الدعم المادي أو الإعلامي مثلا؟ كيف يستطيع المواصلة في تجربته والمجتمع مشغول بلملمة جروحه وهمومه جراء الحروب والمشكلات التي تخلق بحجج مختلفة.
العراق مثله مثل بقية الدول العربية يواجه مشكلات كبيرة، مشكلات تتعلق بوجوده ومصيره، وهي ليست مشكلات داخلية بالأساس، بل مشكلات تتعلق بالصراعات الدولية والاستراتيجيات الدولية التي تتعلق بتحطيم الدول وسحق الإنسان وطمس وجوده.. هذه المشكلات تؤثر على الفنان مثلما تؤثر على بقية أفراد المجتمع، والمثقف والفنان أكثر تأثرا بتلك الأحداث. الفنان يحتاج إلى حرية في تقديم أعماله، يحتاج إلى صياغة وجوده وكرامته، يحتاج إلى أن يعيش بشكل إنساني يتناسب مع دوره الحضاري في بناء الفرد والمجتمع.
أما بالنسبة إلى جديدي فهناك تجارب أنجزتها حول الحروب الأخيرة التي مر بها العراق، فضلا عن مجموعة من الأعمال التي أنتجت بتقنيات مختلفة ومحاولة توظيف التكنولوجيا وطرائق الإنتاج الفنية المعاصرة من مثل الفيديو آرت والانستليشن والفوتوغراف، فضلا عن شغفي بالسطح التصويري التقليدي الذي يوفر لدي فرصة إنتاج انفعالاتي ومذكراتي اليومية التي أفضل العمل عليها. أيضا لدي مشروع سيعرض في لندن وأمريكا أوظف فيه العلاقة بين الآثار والفن التشكيلي المعاصر، واشتغلت فيه على أثار نيبور بوصفها العاصمة الدينية للعراق القديم، وهذا الموضوع يحتاج إلى جهد كبير كونه واسع في مدياته ومختلف عن تجاربي القديمة.
(كتابات) كيف نفهم العلاقة بين الفن والمجتمع المعاصر من خلال رؤيتك الفنية؟
- العلاقة بين الفنون المعاصرة والمجتمع علاقة إشكالية، فالفن في تحولاته المستمرة وصل إلى حد الانغماس في بعض النتاجات الفنية والى حد القطيعة في بعضها الآخر، فهو يستخدم رؤية متطرفة تعتمد على ذات الفنان المتعالية وربما النرجسية، فيقدم نتاجاته بعيدا عن مبدأ القبول والرفض، وتتبنى المؤسسات بأذرعها الإعلامية المحترفة إيجاد مسوغات القبول الشعبية، فكل شيء يمكن أن يصنع حتى الفنانين والحركات الفنية، وعلامات الانصياع والثقة بالإعلام الجماهيري تبني مفاهيم الرأي العام الشعبي.
فالمجتمع الاستهلاكي بطابعه الاستهلاكي ولهاثه في سبيل المتعة العابرة والجديد أصبح سلة تستوعب مغامرات الفنانين ولعبهم وابتكاراتهم، والسوق الاقتصادية المرتبطة بالفنون سمحت لكثير من التجارب بالمرور، وان تكون جزء من الحركات والتجارب الفنية المعاصرة. وعلى العموم يرتبط الفن إجمالا بالرغبة الفطرية بالوقوف أمام المدهش والغريب والمفرط في التميز والإتقان، وإبراز مواقف متعوية جديدة، وهذا ما استنطقه الفن المعاصر في تجارب غاية في الدهشة والتفرد.
كثير منها خرج من المفهوم المتعارف لمفهوم الفن الجميل، ومفهوم الإتقان، إلى مفاهيم ارتبطت بالقبيح والمتوحش واللامنطقي واللاعقلي والنشوز والهامشي وإلى ما إلى ذلك، فالإنسان المعاصر- خاصة الغربي- مستعد للوقوف أمام كل هذه الصراعات والأفكار حتى لو خرجت من مفاهيم الجمال والانتظام والانسجام والمتعة الواقفة على الاستحسان والسرور والهدوء والتأمل..
إننا أمام مرحلة جديدة في النتاج والتلقي، ومن ذلك فالتحولات متسارعة ومحمومة في إنتاج الفن، وعندها وقف كثير من الفنانين والمتلقين وخاصة في بلداننا أمام هذا الموج الكاسح لتاريخ الفن والجمال الإنساني. فأصبحت أغلب الفنون المعاصرة تنتج للنخبة من النقاد والمتلقين، مع تزايد الشك فيما يقدم والذي لم يستطع الصمود أمام الأعمال الفنية المعاصرة التي تنتج في دول العالم المختلفة، لكن ما هو مؤثر وعالمي يبقى في حدود العواصم العالمية الكونية التي تحمل سلاح النفوذ السياسي والإعلامي والاقتصادي.