قال تعالى :” مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ ۖ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِين ” .
ﻻ أجد حرجا بالإنتقاص من أسطوانة المارد والقمقم المشروخة والإستهزاء بها ذاك أنها من وجهة نظري أحط عبارة تناقلها المثقفون والكتاب وبعض الساسة والمصلحين طوال عقود وترديدهم كالببغاوات عبارة “متى ما خرج المارد من القمقم فويل للغرب ” إذ ليس بالمارد الخارج من إناء معدني أو خزفي ضيق الرأس تحبس مردة الجن داخله بزعمهم تتقدم وتنتصر اﻷمم ، وإنما بتحرير العقل الجمعي من اﻷساطير والخرافات ، وﻻ غرو أن يخرج المارد من القمقم ضاحكا ” هاهاها ” على العقول الساذجة التي تصدقه وتؤمن بقدراته الخارقة لتغيير واقع أسهم أبناؤه على مستوى الشعوب والقادة بإنهياره كليا !
سخف العبارة يكمن في إن فكرة ” القمقم والمارد ” فكرة شعوبية إقتبسها الإستشراق وهللت لها هوليوود وآخر تهليلة تمخضت عن فيلم ” علاء الدين ” الذي يتصدر شباك التذاكر حاليا بإيرادات فلكية وصلت حتى كتابة السطور الى 650 مليون دولار ، حيث يؤدي الممثل ويل سميث ، دور – الجني – في الفيلم ، والفكرة كلها قائمة على أساس رجال ﻻ إرادة وﻻعزيمة وﻻذكاء لهم و ليس بوسعهم فعل أي شيء غير الخرافات والاستعانة برجال من الجن ، أو برجال من المارينز ، السي اي ايه ، الموساد ، بلاك ووتر ، MI6 ، S V R لتحقيق مآربهم والمحافظة على ملكهم ..فزادوهم رهقا”.
وهذا ما يحدث واقعا فترى – الروزخون – حين يريد الثناء على شخصية تأريخية ما فأنه يلف ويدور ويلجأ الى قصص ﻻيصدقها العقل بهدف إبهار الجموع فتخلص من طرحه البائس الى نتيجة مفادها ،أن ” ليس للرجل الممدوح ميزة تستحق الذكر بهدف الإبهار والدليل لجوء المادح الى اﻷساطير للثناء عليه من دون التطرق الى قصة واقعية واحدة قابلة للتصديق والإعجاب فضلا عن التقليد خلال العرض ” وهنا مكمن الخطر الداهم ، فهذا المادح اللعين يطعن بالممدوح بزعم مدحه والثناء عليه فيما هو يذمه واقعا وهذه واحدة من أحابيل الشعوبية الحاقدة !
انت وعندما تقول ،توماس اديسون، مخترع المصباح الكهربائي الذي ينير حياتنا فهذا يكفي لمدحه ..الكسندر فيلمنك ، مكتشف البنسلين الذي يعالج أمراضنا فهذا كفيل بالثناء عليه ..هوارد ايكن ، مخترع الحاسوب الذي غير حياتنا يكفي للفخر ..اﻻ أنك عندما تلجأ الى المارد والقمقم والبساط السحري وافتح ياسمسم لمدح أعلامنا اﻷعلام ، فهذا خطاب العاجزين للثناء على الغابرين ليس إلا ، وبناء عليه فأنا أفهم جليا لماذا لم تكن معجزات النبي اﻷكرم صلى الله عليه وسلم معجزات حسية مع وقوع الحسيات منها وإنما منهجية ، فكرية ، عقدية ،تربوية ، أخلاقية ذاك أن المعجزات الحسية تذهب مع من عايشها ورآها عين اليقين فحسب وهي غير قابلة للابهار بمرور الزمن بخلاف المنهجية المتجددة والمبهرة في كل زمان ومكان تتلمس ذلك مع كل إحصائية جديدة صادرة عن منظمة الصحة العالمية عن ما تسببه الخمور والمسكرات والمخدرات التي حرمها الاسلام من مآس ﻻتحصى بالبشرية ..مع كل دراسة علمية رصينة لمركز بحثي عالمي بشأن اﻷمراض واﻷوبئة القاتلة التي يسببها الإنحلال الجنسي الذي حرمه الشارع الحكيم ..مع كل إنهيار إقتصادي بسبب القروض الربوية التي حرمها الدين الحنيف يكبل بها البنك الدولي ضحاياه من الحكومات والشعوب والدول على سواء …وقس على ذلك كل متجدد وجماع الفكرة قوله تعالى : ( وما منعنا ان نرسل بالايات الا ان كذب بها الاولون) وبالتالي فلا نريد ماردا يخرج من القمقم ضاحكا ليغير حياتنا نحو اﻷفضل بقدر حاجتنا الى عقل جمعي واع يغادر – الميثولوجيات – ليصنع أمجاده بنفسه بغير الإستعانة بمردة وﻻ مصابيح وﻻبسط ولا عصي سحرية كثيرا ما تذرع بفقدانها ساسة – الكراث والفجل – لتبرير فشلهم فتسمع الى بعضهم حين تدلهم الخطوب من حولهم يرددون خلال المؤتمرات الصحفية ” ليس معنا عصا سحرية لتغيير الواقع ” ومن قال لكم أن العصي السحرية غيرت واقعا عبر التأريخ ؟ من أخبركم أن الناس المتعبة بحاجة الى تلكم العصي التي ﻻتملكونها ؟ إنهم بحاجة الى برامجكم الفاعلة ، نزاهتكم ، كفاءتكم ، خبراتكم ، إخلاصكم، وطنيتكم ، ﻻ الى سحركم وطلاسمكم وعصيكم ياكهنة فرعون وشخصيات أفلام الكارتون !
اليوم يواجه العراق ظاهرة تتنامى بقوة يقودها ما يسمى بـ” الروحانيين ” وهي تسمية يراد منها تحسين صورة – المشعوذين والدجالين – تشبه اطلاق – المشروبات الروحية – على الخمور بأنواعها ، ومن أشهر الدجالين ﻻعب كرة القدم المعروف باللغة العربية – ابو علي الشيباني – ومعلمه الذي لم يفصح عن اسمه ، وكذلك حجي ثقب ” الروحاني احمد الوائلي ” الذي يناصب الشيباني العداء ويبيع عبوات العسل الصغيرة بـ 100الف $ كونها الشافية المعافية التي تشبه – جكليتة أحدهم التي تشفي الواحدة منها قبيلة بأكملها على حد غثائه – ، اضافة الى المدعو سنما الذي يقدم نفسه على أنه خبير أبراج وباراسيكولوجي ومتخصص في العلاج بالطاقة والفنغ شوي – وهي فلسفة صينية قديمة تعنمد على الطاقة والتناغم معها – والأحجار الكريمة والتنويم الأيحائي – المغناطيسي – علاوة على عشرات المنجمين وقراء اﻷبراج والحظ والطالع ، وخطورة هؤﻻء تكمن في انهم يقدمون برامج متلفزة وتستضيفهم القنوات ولهم صفحات فاعلة يضحكون بها على عقول السذج للحصول أموالهم .اما الطامة اﻷدهى واﻷمر فهي تعامل المشرع العراقي كونه لايعترف بالسحر واقعا مع هؤلاء وفق المادة 456 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 كنوع من الاحتيال وعقوبته الحبس ، والحبس لهؤلاء إزاء ثرائهم الفاحش من السحت الحرام وعلاقاتهم الواسعة وأذرعهم الاخطبوطية تعني اطلاق السراح الفوري أو تقليص المدة لحسن السيرة والسلوك !!
الدجالون والمشعوذون في العراق مازالوا على خطى أسلافهم يلجأون الى ما يسمى بـ” طقطقة الحرمل ” بعد خلطه بالملح وحرقه قبيل الغروب بزعم طرد الحسد والعين وهي عادة اغريقية وثنية ، إذ إن الحرمل يحتوي على مواد كيمائية تساعد عند حرقها على زيادة إفراز مادة الدوبامين في الدماغ ما يؤدي الى الشعور بالراحة ولهذا فهو يستخدم في علاج مرضى الباركنسون وتسكين الالام وعلاج الصرع والصداع ، اضافة الى أن الحرمل يطرد الهوام والحشرات المؤذية ولعل هذا من أسباب إرتباطه بالروحانيات وطرد اﻷرواح الشريرة على وفق تصورهم القاصر !
أما عن حدوة الحصان التي ينصح الدجالون بتعليقها أعلى أبواب المنازل فهذه عادة وثنية إغريقية ورومانية تزعم قدرتها على طرد الشياطين ، وأول من نقلها الى المسيحية حداد اصبح فيما بعد اسقف كانتبري عام 959 بعد إدعائه بأن شيطانا أتاه متلبسا بصورة آدمي فعاقبه بالحدوة ، كما إن للحدوة ارتباط بالمجازر التي إرتكبها الاسبان بحق المسلمين في الاندلس حين وجهوا غير المسلمين بتعليق حدوة الحصان التي تشبه الهلال لتمييز غير المسلمين عنهم بهدف قتلهم فأصبح لدى الناس إعتقاد جازم بأن من يعلق الحدوة يدفع عن نفسه واهله الموت المحقق والشر المحدق !
ويوصي المشعوذون ايضا بإستخدام خرزة العين الزرقاء لدفع الحسد وهذه بدورها عادة وثنية فرعونية تمثل عين ما يسمى بالاله ” حورس” عندهم لطرد الارواح الشريرة ، وهي عادة وثنية عند الفينيقيين أيضا وتمثل ما يسمى بإله القمر ،اما سبب زرقتها فيعود الى لون السماء ، أو الى لون عيون الرومان الذين استعمروا شعوبا شرقية واذلوها فكانت تلك الشعوب ترى في لون اعينهم الزرقاء رمزا للشر ، كما ان للون الازرق عند القدماء رمزية قادرة على كبح جماح الشر على وفق أباطيلهم !
وينصح المشعوذون بتعليق ما يعرف بـ” أم سبع عيون ” لطرد الشرور وهذه أسطورة أخرى تتحدث عن عجوز شمطاء من الجن تدعى ” أم الصبيان ” حبسها نبي الله سليمان – حاشاه – وأخذ منها 7 عهود نيابة عن الجن تقضي بعدم التعرض للبشر في حال تم تعليقها في منازلهم ، الطريف في اﻷمر أنك لو وصلت بين الثقوب السبعة في هذه التميمة التي حرمها الاسلام بخطوط مستقيمة لظهرت لك – نجمة داوود – التي تطرز العلم الاسرائيلي !!
أكاذيب السحرة لم تقف عند ما ذكرنا سالفا بل تعدته الى أكذوبتين هما اﻷكثر رواجا بين المغفلين ، اﻷولى ” عظم الهدهد ” والثانية ” عرج السواحل ” أو مايعرف محليا بـ” عرج سويحلي ” ولطالما سمعت مثقفين وحين يصدمون بمدير عام شجاع وﻻيخشى رؤساءه وﻻ مرؤوسيه ، أو أنه محط إعجاب النساء لقوة شخصيته وربما لوسامته بأنه يحمل – خرزة أو عرج السواحل أو عظم هدهد – وما يحيط هاتين التعويذتين من اكاذيب يفوق الوصف ويخالف الشرع ويناقض العقل ، ويستخف بالمنطق ، فبين مدع يبث هراءه على يوتيوب يزعم أن ذيل الهدهد نافع لفك عقدة النساء ، الى زاعم بأن جناح الهدهد عاقد للسان الرجال ، الى ممخرق بأن عظم الهدهد جالب للمحبة ، الى متوهم بأن عرج السواحل يستخرج من القنفذ الشوكي البري أو القنفذ الشوكي البحري في حين انه يستخرج من “خلفية انثى القنفذ المدرع التي تعيش في الصحراء بعد حملها اﻷول داخل الحفرة التي تضع فيها ” ويزعم الممخرقون ان له قوة لجلب الحبيب لما يمتلكه من قوة كهرو مغناطيسية قادرة على تحطيم الزجاج ليصل سعر الاصلي منه الى مليون دولار والمزيف الى بضع مئات والحديث يصدق على ما يعرف بـ “دم الغزال” المصنع من شقائق النعمان ذات التأثير المخدر والتي تورط بعضهم بزراعتها في الجزرات الوسطية وسط بغداد !!
عن باقي الجرائم الاخلاقية والمفاسد الاجتماعية والمخالفات الدينية التي يرتكبها السحرة من كتابة الايات القرآنية بالنجاسة ، واستخدام الاقفال ورفات الحيوانات وعظام الموتى ، واستعمال ملابس الضحايا الداخلية وخصلات من شعرهم لكتابة الطلاسم ودفنها في المقابر ، كتابتها على النجاسة بمعنى ممارسة الرذيلة مع طالبي السحر واغلبهن من النساء، الضحك على عقول السذج ببيعهم الاحجار الكريمة – ومعظمها مزيفة – وادعاء قدرات خارقة لكل حجر ولون وزعم الكشف عن المفقودين والغائبين وجلب الاحبة أو تفريقهم لن اتحدث خشية الاطالة، اﻻ انني سأسوق حكم الشرع في السحرة والمنجمين والدجاجلة :
قال تعالى في حرمة السحر وبشاعته “وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ ۚ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ۚ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ” .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ” ، وقوله صلى الله عليه وسلم ” ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له؛ ومن أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ﷺ” ، وقوله صلى الله عليه وسلم ” من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد”
اما عن المنجمين وزيفهم فحسبي ان أسوق ما قاله نائب رئيس الجمعية الكونية السورية، موسى ديب الخوري” لا تزال النجامة ترتكز على المبدأ البطليموسي القديم الذي يجعل من الأرض مركزا للكون وهذا واحد من أفدح مشاكلها، ولا يزال المنجمون يعتمدون على هذه الاسس الخاطئة علميا في فهم العالم وقراءة الطالع″ فضلا عن تغير مواقع الابراج باستمرار كل 2148 سنة لتعود الى مواقعها كل 25778 وبناء عليه فلابد لوسائل الاعلام المرئية والمقروءة والمسموعة الكف عن نشر هذه الزاوية الاحتيالية وان كان لابد فلينشروا تحذيرا اقترحته جامعة ستانفورد الأمريكية اشبه ما يكون بالتحذير الذي أصدرته منظمة الصحة العالمية على علب السجائر،ينص على ، ان ” الأبراج هي للتسلية فقط وللمتعة وأنها محض كلام لا يستند الى اية حقائق علمية” وأخطر ما في انتشار السحر والنتنجيم هو أن الحركات الهدامة كلها تتخذ من التنجيم وقراءة الطالع والسيمياء – علم العلامات والرموز – منطلقا لها لتضليل الشباب وخداعهم بدأ بالويكا، والرائيلية، وطائفة اوم، وما يسمى بعبدة الشيطان، وبوابة السماء، وهاركريشنا، والبابية والبهائية والقاديانية وغيرهم وقد حكم فقهاؤنا على السحرة بالزندقة ، وبناء عليه فلابد من منع ظهور السحرة والمنجمين على الفضائيات منعا باتا ، منع طباعة وتسويق الكتب المعنية بالسحر والشعوذة ومصادرتها ، ملاحقة السحرة والمشعوذين واغلاق مكاتبهم ومقارهم ومصادرة ادواتهم وموادهم، اصدار قوانين جديدة صارمة تغلظ فيها العقوبات على السحرة والمنجمين للحد من انتشارهم وجرائمهم ، اطلاق حملات توعية على مختلف الصعد للتحذير من الدجل والشعوذة ومن الجرائم والاثام التي ترتكب على يد من يدعون ممارستها واﻻ فأن راسبوتين الدجال او احد تلامذته صاعد لامحالة الى سدة الحكم كما حدث في روسيا القبصرية من ذي قبل حيث كان أحد اسباب اندلاع الثورة الروسية الكبرى عام 1917 بعيد اغتياله على ايدي النبلاء قبلها بعام واحد 1916بما وصف حينها بـ ” انهاء قوى الظلام حول العرش” وﻻعجب في ذلك فلطالما سمعنا بمرشحين وسياسيين يرتادون مكاتب الدجاجلة لمساعدتهم بالفوز أو اطلاعهم على حظوظهم في الترشح والظفر بالمناصب التي يحلمون بها ليل نهار، و كل ما ذكرته متعلق بالسحر الاسود ، أما عن ألعاب خفة اليد التي تستخدم للترفيه في المسارح بما يحلو لبعضهم تسميتها بالسحر البارد فهذا شأن آخر . اودعناكم اغاتي