لاستعادة ديناميكية العلاقات .. بعد دعوة “ماكرون” بفتح حوار إستراتيجي ..هل يقبل “بوتين” ذلك ؟

لاستعادة ديناميكية العلاقات .. بعد دعوة “ماكرون” بفتح حوار إستراتيجي ..هل يقبل “بوتين” ذلك ؟

خاص : كتبت – نشوى الحفني :

في خطوة فرنسية جديدة من الانفتاح الأوروبي وإعادة فرض الذات على الساحة الدولية، أكد الرئيس الفرنسي، “إيمانويل ماكرون”، أنه يتعين على “أوروبا” إجراء حوار مع “روسيا” واستعادة ديناميكيات العلاقات، مشيرًا إلى أنه يخطط لإجراء حديث واسع مع نظيره الروسي، “فلاديمير بوتين”، في الأسابيع المقبلة.

وقال “ماكرون”، خلال مقابلة مع قناة (أر. تي. أس) السويسرية، أمس، أنه: “يتعين على أوروبا، التي أؤمن بها وبتعددية أقطابها والتي أؤيدها، أن تبني قواعد جديدة من الثقة والأمن مع روسيا ويجب ألا تتفق مع (الناتو) فقط. إنها بحاجة إلى بناء، (العلاقات). بين أوروبا وروسيا”.

وأشار “ماركون” إلى أنه على الرغم من عدم وجود تقدم واضح باتفاقات “مينسك” بشأن الأزمة الأوكرانية، لا يمكن الحديث عن إجراء إصلاح في “مجموعة الدول الثماني”، والتي أصبحت “مجموعة السبع الكبار” في عام 2014، مؤكدًا أنه على الرغم من ذلك، يتعين على أوروبا “إجراء حوار إستراتيجي مع روسيا” و”استعادة زخم العلاقات”.

وأضاف “ماكرون”: “لذلك سأجري مرة أخرى، في الأسابيع المقبلة، كرئيس لفرنسا ورئيسًا لمجموعة السبع، محادثة طويلة ومكثفة مع فلاديمير بوتين، لاستعادته (ديناميكية مجموعة الدول الثماني)”.

فيما لم يفصح “ماكرون” عن أي تفاصيل بهذا الصدد، وعلى العلم أن قمة “مجموعة الـ 20″؛ ستعقد في مدينة “أوساكا” اليابانية، في 28 – 29 حزيران/يونيو الحالي.

تصويت بإخراج روسيا من “8G“..

يُذكر أن “الولايات المتحدة الأميركية”، وست دول أعضاء، صوتت، في آذار/مارس عام 2014، على إخراج “روسيا”، من مجموعة الدول العظمى الثماني، وذلك ردًا على قيام “موسكو” بضم شبه جزيرة “القرم”. وتضم المجموعة حاليًا كلًا من: “ألمانيا والولايات المتحدة وكندا واليابان وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا”.

لحماية أوروبا أمنيًا واقتصاديًا..

حول دعوة “ماكرون” للحوار مع “روسيا”، يقول الخبير في شؤون الشرق أوسطية والأوروبية، “أنطوان شاربنتيي”: “أعتقد أن الحوار الإستراتيجي الذي يدعو إليه ماكرون مع روسيا، سيكون في الدرجة الأولى كيفية حماية أوروبا أمنيًا واقتصاديًا في ظل الصراع القائم بين القوى العظمى، وخاصة بين روسيا والولايات المتحدة، والذي تعاني منه أوروبا كثيرًا ، يعني الحوار الإستراتيجي يمكن أن يكون مع روسيا حول تموضعها في عدة ملفات؛ وخصوصًا التي فيها نزاع مع الولايات المتحدة الأميركية، ويكون بهذا الحال لعب ماكرون دور ساعي البريد، أو الذي يحاول التوفيق بالحد الأدنى بين روسيا وأميركا لحماية مصالحه ومصالح أوروبا المهددة، فأوروبا اليوم تسعى للتوفيق في عدة ملفات في آن واحد بين القوى المتصارعة لأن مصيرها على المحك، لكن نرى أن هناك حدود لا تستطيع أوروبا ولا يستطبع ماكرون تخطيها لمرعاة حليفه الأميركي؛ واليوم ما يظهر من مناورات لماكرون وحديثه عن الحوار الإستراتيجي مع روسيا هو يعبر فعلاً عن حالة ضياع أوروبية وصراع مع الذات”.

إنتهاء عالم القطب الواحد..

عن جدول حسابات “فرنسا” الجديد ومدى إمكانية خروجها عن الهيمنة الأميركية، قال “شربنتيي”: “أنه في ظل تسلط الولايات على أوروبا ووضع هذه الأخيرة في وضع حساس يهدد مصيرها ومستقبلها، ومع الأخذ بعين الاعتبار التهديدات التي تواجهها دول أوروبا داخليًا، أعتقد أن الأوروبيون بشكل عام والفرنسيون سلّموا بأن عالم القطب الواحد قد إنتهى وأن لروسيا دورًا جديدًا في أوروبا والعالم؛ وأن من مصلحتهم التقرب من روسيا، وحتى الرأي العام الفرنسي بدأ يميل نحو تحسين العلاقات مع روسيا وبدأ يتسائل لماذا الرئيس ماكرون مازال يرفض عودة روسيا إلى مجموعة السبعة الكبار بسبب مشكلة أوكرانيا، ولكن الأمر يتطلب اليوم من أوروبا موقف تاريخي وصارم، وإذا ما إتخذت هذا الموقف قد يمضي بها إلى الإتجاه نحو الشرق، وإذا حصل هذا الموقف فهناك السؤال  يطرح نفسه، ما هي التكلفة لهذا الموقف ؟”.

تحسين العلاقات يقع على عاتق أوروبا وليس روسيا !

بالنسبة للمصالح “الروسية-الأوروبية” المشتركة التي استدعت هذا التصريح من “ماكرون”؛ قال “شربنتيي” أن: “هناك مصالح مشتركة بين أوروبا وروسيا؛ والمجهود مطلوب من الأوروبيين فعله وليس من روسيا، وماكرون قال أنه يتمايز مع روسيا، ولكن المصالح مشتركة ويعملون على عدة من الملفات، ولكن كما قلت في بداية الحديث؛ أعتقد بالدرجة الأولى أنها اقتصادية وأمنية، وهناك أيضًا مصالح مشتركة بين روسيا والأوربيين، وخاصة ملف إعادة إعمار سوريا؛ وكذلك الأمر الملف الإيراني، ولو أن دور روسيا ليس واضحًا فيه كثيرًا، وفرنسا وأوروبا هم من بحاجة روسيا وليس العكس، وعندما يقول ماكرون أنه لا يجب ترك روسيا الذهاب نحو الصين فهو ينضم إلى حرب ترامب ضد روسيا والصين، ويعرف أنه لا يملك الإمكانيات للضغط على روسيا لمنعها من الذهاب نحو الصين، لكن هذه المصالح لها سقف محدود يفرضه الأميركي على الفرنسي والأوربيين، ومن هذا المنطلق على الأوروبيين فعل المجهود اللازم لتمنية هذه المصالح المشتركة مع روسيا؛ وخصوصًا أنه تاريخيًا وجغرافيًا لهم نقاط إلتقاء مع روسيا أكثر من الولايات المتحدة وحلفاءها، ولذا أرى أن المجهود المطلوب لتحسين العلاقات يقع على عاتق أوروبا وليس على روسيا”.

زيارات متبادلة في العامين الأخيرين..

يُذكر أنه كان الرئيس الفرنسي، “إيمانويل ماكرون”، قد التقى مع الرئيس الروسي، “فلاديمير بوتين”، خلال تموز/يوليو من العام الماضي، في “موسكو”، وخلال زيارته لـ”روسيا” لحضور نهائي “كأس العالم”؛ الذي ضم المنتخب الفرنسي مع المنتخب الكرواتي.

وبالإضافة إلى ذلك، كان الرئيسان قد أجريا محادثات خلال زيارة “ماكرون” إلى “سان بطرسبورغ”، في أواخر أيار/مايو 2018، للمشاركة في “منتدى بطرسبورغ الدولي الاقتصادي”.

وتُجدر الإشارة في هذا السياق، إلى تطور العلاقات “الروسية-الفرنسية”، في الآونة الأخيرة، حيث أعلن الرئيس الروسي، “فلاديمير بوتين”، في أيار/مايو 2018، أن العلاقات “الروسية-الفرنسية” تتطور على الرغم من الصعوبات التي تمر بها، مشيرًا إلى تزايد حجم التبادل التجاري بين البلدين، حيث ارتفع بنسبة 25% تقريبًا بحلول نهاية العام الماضي.

وسبق وأن عمل “بوتين” زيارة، غير رسمية، بدعوة من “ماكرون”، خلال آيار/مايو 2017، توقع حينها الخبراء أنها ستعيد للعلاقات الدبلوماسية بين “باريس” و”موسكو” بعضًا من توهجها الذي فقدته طوال السنوات الماضية.

وجرى هذا اللقاء بين “بوتين” و”ماكرون” بمناسبة الذكرى الـ 300 لزيارة الإمبراطور الروسي، “بطرس الأكبر”، إلى “فرنسا” وإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

300 عام من العلاقات..

ولإن اعتبرت زيارة القيصر الروسي، “بطرس الأكبر”، إلى “فرنسا”، العام 1717، نقطة الإنطلاقة الفعلية للعلاقات بين الجانبين، إلا أن عراقتها لم يشفع تعرّضها لمطبات دبلوماسية على خلفية اختلاف وجهات نظر حول عدد من القضايا الإقليمية بوجه خاص.

ويلخص مسار هذه العلاقات ما بين مدّ وجزر؛ 5 أرقام وحقائق هي :

1 – مبادلات تجارية بقيمة 11 مليار يورو..

حتى أواخر 2014؛ كانت “روسيا” تمثّل السوق الرابعة لـ”فرنسا”، خارج “الاتحاد الأوروبي” و”سويسرا”، وخلف كل من “الولايات المتحدة الأميركية” و”الصين” و”اليابان”.

لكن مع اتهام “موسكو” بدعم الإنفصاليين في شرق “أوكرانيا” ونشر جنود لها في البلد الأخير، فرضت “الولايات المتحدة” و”الاتحاد الأوروبي” عقوبات اقتصادية ضد “موسكو”، كان لا بد وأن تؤثر سلبًا على الاقتصاد الروسي، ويتراجع ترتيبه، بالنسبة للمنتجات الفرنسية، إلى المركز العاشر نهاية 2015.

وعمومًا، قدرت المبادلات التجارية بين “فرنسا” و”روسيا”، في 2015، بنحو 11 مليار يورو، وفق الأرقام الرسمية، مسجلة بذلك تراجعًا بـ 35% مقارنة بـ 2014، مدفوعة بانخفاض صادرات “باريس” نحو “موسكو” بـ 33.2%، (4.51 مليار يورو نهاية 2015).

تراجع يأتي أيضًا كنتيجة بديهية لتقلص الواردات الفرنسية من المنتجات الروسية بـ 36.5%.

2 ـ روسيا الوجهة الـ 7 عالميًا لصادرات فرنسا..

نهاية 2015؛ احتلت “فرنسا” المركز الـ 7 عالميًا في قائمة مزوّدي “روسيا”، بحصة سوق تقدّر بـ 3.2% من الواردات الروسية، متقدمة بذلك بدرجة في الترتيب، عقب إطاحتها بـ”أوكرانيا”، وفق بيانات الجمارك الروسية.

في المقابل استوردت “فرنسا”، العام نفسه، 1.7% من إحتياجاتها من “روسيا”، لتكون بذلك في المركز 17 عالميًا في قائمة زبائن البلد الأخير.

غير أن حجم الصادرات الفرنسية لـ”روسيا”، المرتبط بشكل وثيق بتوقيع العقود الضخمة وببيع طائرات (إيرباص)، بدأ بالتآكل إنطلاقًا من 2014، وهو العام الذي فرضت فيه البلدان الغربية عقوبات اقتصادية ضد “موسكو”، وحظرت فيه الأخيرة ـ في المقابل ـ بعض المنتجات الأوروبية.

تراجع شمل جميع القطاعات التي تعتمد عليها “باريس” في صادراتها نحو “روسيا”، من ذلك معدات النقل، (-45%)، والصناعات الغذائية، (ـ39%)، إلى جانب بيع المعدات الكهربائية والإلكترونية والكمبيوتر، (ـ38%)، والنبيذ وغيره من المشروبات الكحولية.

ومع أن بعض هذه المنتجات غير معني بالحظر، الذي تفرضه “موسكو” على المنتجات الأوروبية، إلا أن إنهيار “الروبل” الروسي وتراجع القدرة الشرائية للروس، أثر بشكل ملحوظ على إقبالهم على تلك المنتجات.

3 – 950 مليون يورو كلفة سفينتيْ “ميسترال”..

في 2012؛ وقعت “فرنسا” و”روسيا” اتفاقًا يقضي بتوريد حاملتي مروحيات من طراز (ميسترال) إلى “موسكو”، وكان من المفترض أن تسلم “باريس” أولاهما، في تشرين ثان/نوفمبر 2014، غير أن “قصر الإليزيه” أعلن تأجيل التسليم بسبب ما وصفه بدور “الكرملين” في النزاع الأوكراني.

قرار إتخذه، آنذاك، “فرانسوا أولاند”، ويجزم خبراء بأنه أضر كثيرًا بسمعة “فرنسا” في ما يتعلق بعدم تنفيذ إلتزاماتها لأسباب سياسية بحتة، علاوة على الخسارة المالية التي تكبدتها “باريس” جراء ذلك.

وتقدر الخسارة بنحو 950 مليون يورو، تتضمن إعادة الأموال التي أنفقتها “روسيا” على تدريب طواقمها وإنشاء البنية التحتية لمرسى السفينتين، وتعويضها أيضًا عن صنعها لمروحيات من طراز (كاـ52) خصّيصًا لـ (ميسترال)، وغيرها.

في المقابل؛ طالبت “روسيا” بفاتورة أكبر بكثير، يمكن أن تناهز الـ 1.5 إلى 2 مليار يورو، بحسب الإعلام الفرنسي.

4 – 5463 مغترب فرنسي بروسيا في 2016..

الجالية الفرنسية في “روسيا”؛ تأثرت بدورها بالفتور المخيم على العلاقات بين الجانبين.

ووفق “الخارجية الفرنسية”، بلغ عدد الفرنسيين بـ”روسيا”، في 2016، نحو 5 آلاف و463، أي بانخفاض قدره 5%، مقارنة بـ 2015.

تراجع يستبطن مفارقة في وقت يشهد فيه عدد الفرنسيين حول العالم ارتفاعًا بـ 4%.

قبل ذلك، وتحديدًا في 2013، كانت “روسيا” تعد نحو 6 آلاف و93 فرنسيًا، غير أن الأزمة الأوكرانية غلفت العلاقات بين “باريس” و”موسكو” بطبقة سميكة من الجليد.

في المقابل؛ يصعب تحديد عدد الروس بـ”فرنسا”، بسبب غياب الإحصائيات وعدم تسجيل عدد كبير منهم بالقنصلية، ما يجعل الأرقام المتداولة في هذا الصدد مجرد تقديرات غير دقيقة، تتراوح بين 200 ألف إلى 300 ألف روسي، وفق صحيفة (لوفيغارو) الفرنسية، نقلًا عن “إلينا غاكونينا”، مؤسسة صحيفة، (لوبسيرفاتور)، الروسية، في تصريح لها يعود لعام 2014.

5 – كاتدرائية أرثوذوكسية بمساحة 4200 متر مربع..

“كاتدرائية أرثوذوكسية” روسية افتتحت في 2016، وتطل على نهر “السين”، وهي مشيدة من الحجر الأبيض الضخم والزجاج وتعلوها قباب مذهبة ضخمة، ما يجعلها مرئية من برج “إيفل”.

وكلف هذا المزار الروسي الأبرز والأكبر في العاصمة الفرنسية، “موسكو”، نحو 170 مليون يورو، بعنوان كلفة قببه المذهبة الـ 5، إضافة إلى مساحة تقدر بـ 4 آلاف و200 متر مربع أشترتها الحكومة الروسية لتشييد الكاتدرائية.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة