23 نوفمبر، 2024 5:28 ص
Search
Close this search box.

الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع) … تاريخ ٌ وكرامات !

الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع) … تاريخ ٌ وكرامات !

موسى الكاظم سابع أئمة الشيعة الإثنا عشرية ، كنيته أبو إبراهيم وأبو الحسن أبو الرضا ، ولقبه الكاظم ، العبد الصالح ، راهب بني هاشم ، باب الحوائج .
ولد بالأبواء بين مكة والمدينة يوم الأحد في 7 صفر سنة 128 هج ‍   .
أولاده :  الإمام علي الرضا 2- إبراهيم 3- هارون 4- عبد الله 5- جعفر 6- إسحاق 7- العباس 8- عبيد الله 9- الحسن 10- إسماعيل 11- الحسين 12ـ فاطمة المعصومة (ع) .
سبقه في الإمامة والده الإمام جعفر الصادق (ع)(83 ـ 148)هج،وتلاه فيها ولده الإمام علي الرضا (ع)(148ـ 203)هج..
 امتدت إمامته(35 عاماً)وكانت في أيام إمامته بقية ملك المنصور أبي جعفر ، ثم ملك ابنه المهدي عشر سنين وشهرا ، ثم ملك ابنه الهادي موسى بن محمد ، سنة وشهرا .ثم ملك هارون بن محمد الملقب بالرشيد ، واستشهد بعد مضي خمس عشرة سنة من ملكه مسموما في حبس السندي بن شاهك ، ودفن بمدينة السلام في المقبرة المعروفة بمقابر قريش
توفي في ليلة الجمعة أو نهارها (24 ـ  25) رجب سنة 183هـج أو 186هج ودفن في مقبرة قريش المعروفه اليوم بالكاظمية.
والرواية الأشهر هي : ولد في 7 صفر 128 للهجرة في الأبواء بين مكة والمدينة المنورة ، وتوفي مستشهداً  في 25رجب 183 للهجرة في سجن السندي ببغداد ، ودفن في مقبرة قريش الكاظمية حالياً ، عن عمر ناهز الـ 55 عاماً ، بإمامة تولاها عن وصية أبيه الإمام جعفر الصادق (ع)عن عمر(20 عاماً) امتدت لـ35 عاماً .
فهو:  موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
أمه هي: السيدة حميدة المغربية (البربرية) بنت صاعد البربري وتكنى لؤلؤة.

كان ( عليه السلام ) نموذج عصره ، وفريد دهره ، جليل القدر ، عظيم المنزلة ، مهيب الطلعة ، كثير التعبد ، يطوي ليله قائما ونهاره صائما ، عظيم الحلم ، شديد التجاوز ، حتى سمي لذلك كاظما ، لاقى من المحن ما تنهد لهولها الجبال فلم تحرك منه طرفا ، بل كان ( عليه السلام ) صابرا محتسبا كحال آبائه وأجداده (عليهم السلام ) . يعرف بأسماء عديدة منها : العبد الصالح ، والكاظم ، والصابر ، والأمين  .
وقد تولى منصب الإمامة بعد أبيه الصادق ( عليه السلام )عن عمر (20ـ22) عاماً تقريباً بإمامة امتدت لـ 35 عاماً تقريباً في وقت شهدت فيه الدولة العباسية استقرار أركانها وثبات بنيانها ، فتنكرت للشعار الذي كانت تنادي به من الدعوة لآل محمد – عليه وعليهم السلام – فالتفتت إلى الوارث الشرعي لشجرة النبوة مشهرة سيف العداء له ولشيعته تلافيا من تعاظم نفوذه أن يؤتي على أركان دولتهم وينقضها ، فشهد الإمام الكاظم ( عليه السلام ) طيلة سني حياته صنوف التضييق والمزاحمة ، إلا أن ذلك لم يمنعه ( عليه السلام ) من أن يؤدي رسالته في حماية الدين وقيادة الأمة ، فعرفه المسلمون آية من آيات العلم والشجاعة ، ومعينا لا ينضب من الحلم والكرم والسخاء ، ونموذجا عظيما لا يدانى في التعبد والزهد والخوف من الله تعالى .
حج هارون الرشيد فأتى قبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) زائرا ، وحوله قريش ومعه الإمام موسى بن جعفر(ع) ، فلما انتهى إلى القبر قال : السلام عليك يا رسول الله يا بن عمي – افتخارا على من حوله – فدنا موسى بن جعفر فقال : ” السلام عليك يا أبه ” فتغير وجه الرشيد وقال : هذا الفخر يا أبا الحسن حقا  !
يروى أنَّ هارون كان يقول لموسى بن جعفر : يا أبا الحسن خذ (فدك) حتى أردها عليك ، فيأبى ، حتى ألح عليه فقال : ” لا آخذها إلا بحدودها ” قال : وما حدودها ؟ قال : ” يا أمير المؤمنين إن حددتها لم تردها ” ، قال : بحق جدك إلا فعلت ، قال : ” أما الحد الأول فعدن ” فتغير وجه الرشيد وقال : هيه ، قال : ” والحد الثاني سمرقند ” فأربد وجهه ، قال : ” والحد الثالث إفريقية ” فاسود وجهه وقال : هيه ، قال : ” والرابع سيف البحر مما يلي الخزر وأرمينية ” ، قال الرشيد : فلم يبق لنا شئ ، فتحول في مجلسي ، قال موسى (عليه السلام)  : ” قد أعلمتك أني إن حددتها لم تردها ” ، فعند ذلك عزم على قتله، لأنه تأكد بأنَّ الإمام موسى بن جعفر(ع) يريد السلطة الشرعية على الخلافة الإسلامية لآل بيت رسول الله(ص) وليس لآل بني العباس (رض) .
حكي أن الرشيد سأله يوما : كيف قلتم : نحن ذرية رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأنتم بنو علي ، وإنما ينسب الرجل إلى جده لأبيه دون جده لأمه ؟ فقال الكاظم ( عليه السلام ) : ” أعوذ بالله من الشيطان الرجيم  بسم الله الرحمن الرحيم . . . وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ . . .  وليس لعيسى أب إنما ألحق بذرية الأنبياء من قبل أمه ، وكذلك ألحقنا بذرية النبي من قبل أمنا فاطمة الزهراء ، وزيادة أخرى يا أمير المؤمنين : قال الله عز وجل : فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ . . . ولم يدع ( صلى الله عليه وآله ) عند مباهلة النصارى غير علي وفاطمة والحسن والحسين وهما الأبناء! “
وقد اتفقت كلمة المؤرخين على أن هارون الرشيد قام باعتقال الإمام الكاظم ( عليه السلام ) وإيداعه السجن لسنين طويلة مع تأكيده على سجانيه بالتشديد والتضييق عليه .
قال ابن كثير : فلما طال سجن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) كتب إلى الرشيد : ” أما بعد يا أمير المؤمنين إنه لم ينقض عني يوم من البلاء إلا انقضى عنك يوم من الرخاء ، حتى يفضي بنا ذلك إلى يوم يخسر فيه المبطلون ”  .
قال أبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين: عندما اعتقلَ الرشيدُ الإمامَ الكاظم ( عليه السلام ) أمر بإرساله إلى البصرة ليسجن عند عيسى بن جعفر المنصور ، وكان على البصرة حينئذ ، فحبس عنده سنة ، ثم كتب إلى الرشيد : أن خذه مني وسلمه إلى من شئت ، وإلا خليت سبيله ، فقد اجتهدت أن آخذ عليه حجة فما أقدر على ذلك ، حتى أني لأتسمع عليه إذا دعا لعله يدعو عَليَّ أو عليك ، فما أسمعه يدعو إلا لنفسه ، يسأل الله الرحمة والمغفرة . فوجه الرشيد من تسلمه ، وحبسه عند الفضل بن الربيع في بغداد ، فبقي عنده مدة طويلة ، ثم كتب إليه ليسلمه إلى الفضل بن يحيى ، فتسلمه منه ، وطلب منه أن يعمد إلى قتل الإمام كما طلب من عيسى بن جعفر فلم يفعل ، بل عمد إلى إكرام الإمام ( عليه السلام ) والاحتفاء به ، ولما بلغ الرشيد ذلك أمر به أن يجلد مائة سوط ، ثم أخذ الإمام منه وسلمه إلى السندي بن شاهك لعنه الله ، ولم يزل ذلك الأمر بالإمام ( عليه السلام ) ، ينقل من سجن إلى سجن حتى انتهى به الأمر إلى سجن السندي بن شاهك  ، وكان فاجرا فاسقا ، لا يتورع عن أي شئ تملقا ومداهنة للسلطان ، فغالى في سجن الإمام ( عليه السلام ) وزاد في تقييده حتى جاء أمر الرشيد بدس السم للكاظم ( عليه السلام ) ، فأسرع السندي إلى إنفاذ هذا الأمر العظيم ، فكانت نهاية حياة الإمام الطاهرة على يده الفاجرة، واستشهد الإمام ( عليه السلام ) بعد طول سجن ومعاناة في يوم 25 رجب من العام 183 هج‍أو 186 هج عن عمر ناهز الـ 55 أو 58 عاما.
ولما كان الرشيد يخشى ردة فعل المسلمين عند انتشار خبر استشهاد الإمام ( عليه السلام ) ، لذا عمد إلى حيلة ماكرة للتنصل من تبعة هذا الأمر الجلل ، فقد ذكر أبو الفرج الأصفهاني وغيره: أن الإمام الكاظم لما توفي مسموما أدخل عليه الفقهاء ووجوه أهل بغداد ، وفيهم الهيثم بن عدي وغيره ليشهدوا على أنه مات حتف أنفه دون فعل من الرشيد وجلاوزته ، ولما شهدوا على ذلك أخرج بجثمانه الطاهر ووضع على الجسر ببغداد ونودي بوفاته .
ذكروا: أنّ الرشيد قبضه عليه السلام لمّا ورد إلى المدينة قاصداً للحجّ، وقيّده واستدعى قبّتين جعله في إحداهما على بغل وجعل القبّة الأخرى على بغل آخر، وخرج البغلان من داره مع كلّ واحد منهما خيل، فافترقت الخيل فمضى بعضها مع إحدى القبّتين على طريق البصرة، وبعضها مع الأخرى على طريق الكوفة، وكان عليه السلام في القبة التي تسير على طريق البصرة ـ وإنّما فعل ذلك الرشيد ليعمي على الناس الخبر ـ وأمر أن يُسلّم إلى عيسى بن جعفر بن المنصور فحبسه عنده سنة، ثمّ كتب إليه الرشيد في دمه فاستعفى عيسى منه، فوجّه الرشيد من تسلّمه منه، وصيّر به إلى بغداد، وسلّم إلى الفضل بن الربيع وبقي عنده مدّة طويلة، ثمّ أراده الرشيد على شيء من أمره فأبى فأمر بتسليمه إلى الفضل بن يحيى، فجعله في بعض دوره ووضع عليه الرصد، فكان عليه السلام مشغولاً بالعبادة، يحيي الليل كلّه صلاة وقراءة للقرآن، ويصوم النهار في أكثر الأَيّام، ولا يصرف وجهه عن المحراب، فوسّع عليه الفضل بن يحيى وأكرمه. بلغ ذلك الرشيد وهو بالرقّة فكتب إليه يأمره بقتله، فتوقّف عن ذلك، فاغتاظ الرشيد لذلك وتغّير عليه وأمر به فأدخل على العبّاس بن محمد وجرّد وضرب مائة سوط، وأمر بتسليم موسى بن جعفر عليهما السلام إلى السندي ابن شاهك. وبلغ يحيى بن خالد الخبر، فركب إلى الرشيد وقال له: أنا أكفل بما تريد، ثمّ خرج إلى بغداد ودعا بالسندي وأمره فيه بأمره، فامتثل له وسمّه في طعام قدّمه إليه ويقال: إنّه جعله في رطب أكل منه فأحسّ بالسّم، ولبث بعده موعوكاً ثلاثة أيّام، ومات عليه السلام في اليوم الثالث. ولما استشهد صلوات الله عليه أدخل السنديّ عليه الفقهاء ووجوه الناس من أهل بغداد وفيهم الهيثم بن عديّ، فنظروا إليه لا أثر به من جراح ولا خنق، ثمّ وضعه على الجسر ببغداد، وأمر يحيى بن خالد فنودي: هذا موسى بن جعفر الذي تزعم الرافضة أنّه لا يموت قد مات فانظروا إليه، فجعل الناس يتفرّسون في وجهه وهو ميّت، ثمّ حمل فدفن في مقابر قريش، وكانت هذه المقبرة لبني هاشم والأَشراف من الناس قديماً ، وقيل: إن سليمان بن أبي جعفر المنصور أخذه من أيديهم وتولّى غسله وتكفينه، وكفّنه بكفن فيه حبرة استعملت له بألفي وخمسمائة دينار، مكتوب عليها القرآن كلّه، ومشى في جنازته حافياً مشقوق الجيب إلى مقابر قريش فدفنه هناك.
لقد حثَّ الإمام الكاظم (ع) في حياته أتباعه إلى أخذ دورهم السياسي ، في كل الظروف ، من خلال الانتماء السياسي ،فقد ركّز(عليه السلام) على بعد الانتماء لخطّ أهل البيت(عليهم السلام) ولا سيّما الانتماء السياسي لهم ، وتحرك الإمامُ على مستوى تجويز اندساس بعض أتباعه في جهاز السلطة الحاكمة، وأبرز مثال لذلك توظيف علي بن يقطين ووصوله الى مركز الوزارة; وذلك لتحقيق عدّة أهداف في هذه المرحلة السياسية الحرجة وهي كما يلي :
الهدف الأول : الإحاطة بالوضع السياسي بالاقتراب من أعلى موقع سياسي، من أجل الإحاطة بالمعلومات السياسية وغيرها التي تصدر من البلاط الحاكم أمر ضروري جدّاً ، وذلك ليتخذ التدابير والحيطة اللازمة لئلاّ يتعرّض الوجود الشيعي للإبادة أو الانهيار. والشاهد على ذلك:أنه لمّا عزم موسى الهادي على قتل الإمام موسى(عليه السلام) بعد ثورة الحسين ـ بطل فخ ـ وتدخل أبو يوسف القاضي في تغيير رأي الهادي عندما قال له بأن موسى الكاظم (عليه السلام) لم يكن مذهبه الخروج ولا مذهب أحد من ولده حيث استطاع أبو يوسف أن يقنع الخليفة،هنا كتب علي بن يقطين الى أبي الحسن موسى بن جعفر(عليه السلام) بصورة الأمر،من أجل أن يكون الإمام على علم بنشاطاته ، وسنرى في المرحلة التالية الدور الفاعل الذي لعبه علي بن يقطين في خلافة الرشيد لمصالح الإمام الكاظم(عليه السلام)والشيعة الموالين له.
الهدف الثاني: قضاء حوائج المؤمنين بخطّ أهل البيت والذين يعيشون في ظل دولة ظالمة تطاردهم وتريد القضاء على وجودهم، يشكّل هدفاً مهمّاً يصب في رافد بقاء واستمرار وجود هذه الجماعة الصالحة، وقد طلب علي بن يقطين من الإمام الكاظم(عليه السلام) الإذن له  بالتخلي عن منصبه أكثر من مرة، وقد نهاه الإمام (عليه السلام) قائلا له :«يا علي إنّ لله تعالى أولياء مع أولياء الظلمة ليدفع بهم عن أوليائه وأنت منهم يا علي»وقال له في مرة أخرى : «لا تفعل فإن لنا بك إنسا، ولإخوانك بك عزّاً وعسى الله أن يجبر بك كسيراً أو يكسر بك المخالفين عن أوليائه، يا علي كفارة أعمالكم الإحسان الى إخوانكم .. اضمن لي واحدة أضمن لك ثلاثاً، اضمن لي أن لا تلقى أحداً من أوليائنا إلاّ قضيت حاجته وأكرمته أضمن لك أن لا يظلك سقف سجن أبداً ولا ينالك حد السيف أبداً ولا يدخل الفقر بيتك أبداً…»، وعن علي بن طاهر الصوري: قال : ولّي علينا بعض كتاب يحيى بن خالد وكان عليَّ بقايا يطالبني بها وخفت من إلزامي إيّاها خروجاً عن نعمتي، وقيل لي: انه ينتحل هذا المذهب، فخفت أن أمضي إليه فلا يكون كذلك، فأقع فيما لا أُحبّ.فاجتمع رأيي على أني هربت الى الله تعالى، وحججت ولقيت مولاي الصابر ـ يعني موسى بن جعفر(عليه السلام) ـ فشكوت حالي إليه فاصحبني مكتوباً نسخته :«بسم الله الرحمن الرحيم اعلم أنّ لله تحت عرشه ظلا لا يسكنه إلاّ من أسدى الى أخيه معروفاً، أو نفّس عنه كربة، أو أدخل على قلبه سروراً، وهذا أخوك ، والسلام»، ومن مصاديق قضاء حوائج الأخوان المؤمنين : جباية الأموال جهراً وإرجاعها إليهم سراً .عن علي بن يقطين قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام) ما تقول في أعمال هؤلاء ؟قال: «إن كنت لابدّ فاتق الله في أموال الشيعة».قال الراوي: فأخبرني علي انه كان يجبيها من الشيعة علانية ويردّها عليهم في السرّ.
الهدف الثالث : التأثير في السياسة العامّة(عليه السلام)استخدم الإمام آليات متقنة ومحكمة في نشاطه ألاستخباري وتأمين الاتّصال السري مع علي بن يقطين أو غيره من الشيعة المندسين في مراكز النظام الحاكم، ولعل الهدف من هذا الاختراق ومسك مواقع متقدمة من السلطة إمّا للتأثير في السياسة العامة للسلطة أو لإنجاز أعمال سياسيّة أو فقهيّة لصالح الاُمّة من خلال قربه لهذه المواقع.يحدّثنا إسماعيل بن سلام عن آليات هذا الارتباط وما يتضمّنه من نشاط في النصّ التالي:قال إسماعيل بن سلام وابن حميد : بعث إلينا علي بن يقطين فقال: اشتريا راحلتين، وتجنّبا الطريق. ودفع إلينا أموالا وكتباً حتى توصلا ما معكما من المال والكتب الى أبي الحسن موسى(عليه السلام) ولا يعلم بكما أحد، قال: فأتينا الكوفة واشترينا راحلتين وتزوّدنا زاداً، وخرجنا نتجنّب الطريق حتى إذا صرنا ببطن الرّمة شدّدنا راحلتنا، ووضعنا لها العلف، وقعدنا نأكل فبينا نحن كذلك، إذ راكب قد أقبل ومعه شاكري، فلما قرب منّا فإذا هو أبو الحسن موسى(عليه السلام) فقمنا إليه وسلمنا عليه ودفعنا إليه الكتب وما كان معنا فأخرج من كمّه كتباً فناولنا إيّاها فقال:هذه جوابات كتبكم
كما أنَّ التثقيف السياسي و النشاط السياسي الذي يقوم به أصحاب الإمام(عليه السلام) في هذه المرحلة، ولما يمتاز به من صعوبات كان يحتاج الى لون خاص من الوعي ودقة في الملاحظة وعمق في الإيمان، ممّا دفع بالإمام(عليه السلام) الى أن يرعى ويشجع الخواص ويعمق في نفوسهم روح التديّن ويمنحهم سقفاً خاصاً من المستوى الإيماني ويدفعهم الى أفق سياسي يتحرّكون به ضد الخصوم بشكل سليم ويوفّر لهم قوة تمنحهم قدرة المواصلة وسموّ النفس.وفي هذا المجال نلاحظ شحّذ الإمام(عليه السلام) الهمم التي آمنت بالحق موضحاً أنّ الأمر لا يتعلق بكثرة الأنصار أو قلتها.فعن سماعة بن مهران قال: قال لي العبد الصالح(عليه السلام): «يا سماعة ُ أمنوا على فرشهم، وأخافوني، أما والله لقد كانت الدنيا وما فيها إلاّ واحد يعبد الله، ولو كان معه غيره لأضافه الله عزّ وجلّ إليه حيث يقول: (إنّ إبراهيم كان أمّة قانتاً لله حنيفاً ولم يكن من المشركين) فصبر بذلك ما شاء الله. ثم إن الله آنسه بإسماعيل وإسحاق، فصاروا ثلاثة.أما والله إن المؤمن لقليل، وإنّ أهل الباطل لكثير أتدري لم ذلك ؟ فقلت: لا أدري جعلت فداك. فقال: صيّروا أنساً للمؤمنين يبثّون إليهم ما في صدورهم، فيستريحون الى ذلك ويسكنون إليه».
كما سعى الإمام(عليه السلام) لتربية شيعته على أساس تقوية أواصر الأخوة والمحبة الإيمانية، بحيث تصبح الجماعة الصالحة قوة اجتماعية متماسكة لا يمكن زعزعتها أو تضعيفها لقوة الترابط العقائدي والروحي فيما بينها.لنقرأ النص التالي معاً:سأل الإمام موسى (عليه السلام) يوماً أحد أصحابه قائلا له: «يا عاصم كيف أنتم في التواصل ؟ فقال: على أفضل ما كان عليه أحد، فقال (عليه السلام) : أيأتي أحدكم عند الضيقة منزل أخيه فلا يجده ، فيأمر بإخراج كيسه فيخرج فيفضّ ختمه فيأخذ من ذلك حاجته، فلا ينكر عليه؟! قال: لا، قال: لستم على ما أحب من التواصل والضيقة والفقر».
من كرامات الإمام الكاظم (ع) : يتميّز الأئمّة ( عليهم السلام ) بارتباطٍ خاصٍّ بالله تعالى وعالَم الغيب بسبَبِ مقامِ العصمة والإمامة ، ولَهُم – مثل الأنبياء – معاجزٌ وكرامَاتٌ تؤيِّد ارتباطهم بالله تعالى ، وكونَهم أئمّة .
وللإمام الكاظم ( عليه السلام ) معاجزٌ وكراماتٌ كثيرةٌ ، سجَّلَتْها كتبُ التاريخ ، ونذكر هنا بعضاً منها :
الكرامة الأولى :
قال الإمام الرضا ( عليه السلام ) : ( قال أبي موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) لعلي بن أبي حمزة مبتدئاً : تلقى رجلاً من أهل المغرب يسألك عنّي ، فقل له : هو الإمام الذي قال لنا به أبو عبد الله الصادق ( عليه السلام ) ، فإذا سألك عن الحلال والحرام فأجبه ، قال : فما علامته ؟
قال ( عليه السلام ) : رجل جسيم طويل اسمه يعقوب بن يزيد ، وهو رائد قومه ، وإن أراد الدخول إليّ فأحضره عندي ) ، قال علي بن أبي حمزة : فو الله إنّي لفي الطواف ، إذ أقبل رجل طويل جسيم فقال لي : أريد أن أسألك عن صاحبك ، قلت : عن أي الأصحاب ؟
قال : عن موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) ، قلت : فما اسمك ؟ قال : يعقوب بن يزيد ، قلت : من أين أنت ؟ قال : من المغرب ، قلت : من أين عرفتني ؟ قال : أتاني آت في منامي فقال لي : الق علي بن أبي حمزة فسله عن جميع ما تحتاج إليه ، فسألت عنك فدللت عليك .
قلت : اقعد في هذا الموضع حتّى أفرغ من طوافي وأعود إليك فطفت ثمّ أتيته فكلّمته ، فرأيت رجلاً عاقلاً فهماً ، فالتمس منّي الوصول إلى موسى بن جعفر ( عليهما السلام (فأوصلته إليه .
فلمّا رآه قال : يا يعقوب بن يزيد قدمت أمس ، ووقع بينك وبين أخيك خصومة في موضع كذا حتّى تشاتمتما ، وليس هذا من ديني ولا من دين آبائي ، فلا نأمر بهذا أحداً من شيعتنا ، فاتق الله فإنّكما ستفترقان عن قريب بموت ، فأمّا أخوك فيموت في سفرته هذه قبل أن يصل إلى أهله ، وتندم أنت على ما كان منك إليه ، فإنّكما تقاطعتما وتدابرتما فقطع الله عليكما أعماركما.
فقال الرجل : يا ابن رسول الله ، فأنا متى يكون أجلي ؟ قال : قد كان حضر أجلك فوصلت عمّتك بما وصلتها في منزل كذا وكذا فنسأ الله تعالى في أجلك عشرين حجّة  ، قال علي بن أبي حمزة : فلقيت الرجل من قابل بمكّة ، فأخبرني أن أخاه توفّي ودفنه في الطريق قبل أن يصير إلى أهله .
الكرامة الثانية :
إنّ المفضّل بن عمر قال : لمّا مضى الصادق ( عليه السلام ) كانت وصيته في الإمامة إلى موسى الكاظم ( عليه السلام ) ، فادعى أخوه عبد الله الإمامة ، وكان أكبر ولد جعفر ( عليه السلام ) في وقته ذلك وهو المعروف بالأفطح .
فأمر موسى ( عليه السلام ) بجمع حطب كثير في وسط داره فأرسل إلى أخيه عبد الله يسأله أن يصير إليه ، فلمّا صار عنده ومع موسى ( عليه السلام ) جماعة من وجوه الإمامية ، فلمّا جلس إليه أخوه عبد الله ، أمر موسى ( عليه السلام ) أن تضرم النار في ذلك الحطب فأضرمت ، ولا يعلم الناس السبب فيه حتّى صار الحطب كلّه جمراً .
ثمّ قام ( عليه السلام ) وجلس بثيابه في وسط النار ، وأقبل يحدّث القوم ساعة ، ثمّ قام فنفض ثوبه ورجع إلى المجلس ، فقال لأخيه عبد الله : إن كنت تزعم أنّك الإمام بعد أبيك فاجلس في ذلك المجلس  ، قالوا : فرأينا عبد الله قد تغيّر لونه ، فقام يجر رداءه حتّى خرج من دار موسى ( عليه السلام (
الكرامة الثالثة :
قال الإمام الرضا ( عليه السلام ) : قال أبي موسى ( عليه السلام ) للحسين بن أبي العلا : اشتر لي جارية نوبية ، فقال الحسين : أعرف والله جارية نوبية نفيسة ، أحسن ما رأيت من النوبة ، فلولا خصلة لكانت من شأنك ، قال ( عليه السلام ) : وما تلك الخصلة ؟ قال : لا تعرف كلامك ، وأنت لا تعرف كلامها ، فتبسم ( عليه السلام ) ، ثمّ قال : اذهب حتّى تشتريها ، فلمّا دخلت بها إليه ، قال لها بلغتها : ما اسمك ؟ قالت : مؤنسة .
قال : أنت لعمري مؤنسة ، قد كان لك اسم غير هذا ، وقد كان اسمك قبل هذا حبيبة ، قالت : صدقت ، ثمّ قال : يا ابن أبي العلا إنّها ستلد لي غلاماً لا يكون في ولدي أسخا ولا أشجع ولا أعبد منه ، قلت : فما تسميه حتّى أعرفه ؟ قال : اسمه إبراهيم  .
فقال علي بن أبي حمزة : كنت مع موسى ( عليه السلام ) بمنى إذ أتى رسوله ، فقال : ألحق بي بالثعلبية ، فلحقت به ومعه عياله وعمران خادمه ، فقال : أيما أحب إليك المقام هاهنا أو تلحق بمكّة ، قلت : أحبهما إليّ ما أحببت ، قال ( عليه السلام ) : ( مكّة خير لك ) ، ثمّ سبقني إلى داره بمكّة ، وأتيته وقد صلّى المغرب ، فدخلت عليه ، فقال : ( اخلع نعليك إنّك بالوادي المقدس طوى ) ، فخلعت نعلي وجلست معه ، فأتيت بخوان فيه خبيص فأكلت أنا وهو .
ثم رفع الخوان وكنت أحدّثه ، ثمّ غشيني النعاس ، فقال لي : ( قم فنم حتّى أقوم أنا لصلاة الليل ، فحملني النوم إلى أن فرغ من صلاة الليل ، ثمّ جاءني فنبّهني ، فقال : قم فتوضّأ ، وصل صلاة الليل ، وخفّف  ، فلمّا فرغت من الصلاة صلينا الفجر ، ثمّ قال لي : ( يا علي أنّ أم ولدي ضربها الطلق ، فحملتها إلى الثعلبية مخافة أن يسمع الناس صوتها ، فولدت هناك الغلام الذي ذكرت لك كرمه وسخاءه وشجاعته ، قال علي : فو الله لقد أدركت الغلام ، فكان كما وصف .
الكرامة الرابعة:
قال ابن أبي حمزة : كنا عند أبي الحسن موسى ( عليه السلام ) ، إذ دخل عليه ثلاثون غلاماً مملوكاً من الحبشة قد اشتروا له ، فتكلّم غلام منهم ، وكان جميلاً بكلام ، فأجابه ( عليه السلام ) بلغته فتعجّب الغلام ، وتعجّبوا جميعاً ، وظنّوا أنّه لا يفهم كلامهم .
فقال له ( عليه السلام  : ( إنّي أدفع إليك مالاً ، فادفع إلى كل واحد منهم ثلاثين درهماً، فخرجوا وبعضهم يقول لبعض : إنّه أفصح منّا بلغتنا ، وهذه نعمة من الله علينا ، قال علي بن أبي حمزة : فلمّا خرجوا ، قلت : يا ابن رسول الله ، رأيتك تكلّم هؤلاء الحبشيين بلغاتهم ؟
قال : ( نعم ) ، وأمرت ذلك الغلام من بينهم بشيء دونهم ؟ قال : نعم ، أمرته أن يستوصي بأصحابه خيراً ، وأن يعطي كل واحد منهم في كل شهر ثلاثين درهماً ، لأنّه لمّا تكلّم كان أعلمهم ، فإنّه من أبناء ملوكهم ، فجعلته عليهم ، وأوصيته بما يحتاجون إليه ، وهو مع ذلك غلام صدق  .
ثمّ قال : لعلّك عجبت من كلامي إيّاهم بالحبشية ؟  قلت : إي والله قال : فلا تعجب ، فما خفي عليك من أمري أعجب وأعجب من كلامي إيّاهم ، وما الذي سمعته منّي إلاّ كطائر أخذ بمنقاره من البحر قطرة ، افترى هذا الذي يأخذه بمنقاره ينقص من البحر ؟ والإمام بمنزلة البحر لا ينفد ما عنده ، وعجائبه أكثر من عجائب البحر.
الكرامة الخامسة :
قال عيسى المدائني : خرجت سنة إلى مكّة فأقمت بها ، ثمّ قلت : أقيم بالمدينة مثل ما أقمت بمكّة ، فهو أعظم لثوابي ، فقدمت المدينة ، فنزلت طرف المصلّى إلى جنب دار أبي ذر ، فجعلت أختلف إلى سيّدي ، فأصابنا مطر شديد بالمدينة ، فأتيت أبا الحسن ( عليه السلام ) مسلّماً عليه يوماً ، وإن السماء تهطل ، فلمّا دخلت ابتدأني ، فقال لي : وعليك سلام الله يا عيسى ، ارجع فقد أنهدم بيتك على متاعك  .
فانصرفت راجعاً ، وإذا البيت قد انهار ، واستعملت عملة فاستخرجوا متاعي كلّه ، ولا افتقدته غير سطل كان لي ، فلمّا أتيته الغد مسلّماً عليه قال : هل فقدت من متاعك شيئاً ؟ فندعو الله لك بالخلف  ، قلت : ما فقدت شيئاً ما خلا سطلاً كان لي أتوضّأ منه فقدته ، فأطرق ملياً .
ثمّ رفع رأسه إليّ فقال لي : قد ظننت أنّك قد أنسيت السطل ، فسل جارية رب الدار عنه ، وقل لها : أنت رفعت السطل في الخلاء فرديه ، فإنّها ستردّه عليك  ، فلمّا انصرفت أتيت جارية رب الدار فقلت : إنّي نسيت السطل في الخلاء فرديه عليّ أتوضأ منه ، فردت عليّ سطلي .
الكرامة السادسة :
قال إسحاق بن عمّار : لمّا حبس هارون أبا الحسن موسى ( عليه السلام ) ، دخل عليه أبو يوسف ومحمّد بن الحسن صاحبا أبي حنيفة ، فقال أحدهما للآخر : نحن على أحد أمرين : إمّا أن نساويه وإمّا أن نشاكله ، فجلسا بين يديه ، فجاء رجل كان موكّلاً به من قبل السندي بن شاهك ، فقال : إنّ نوبتي قد انقضت ، وأنا على الانصراف ، فإنّ كانت لك حاجة أمرتني حتّى آتيك بها في الوقت ، الذي تلحقني النوبة .
فقال له : ( ما لي حاجة ) ، فلمّا أن خرج قال ( عليه السلام ) لأبي يوسف ومحمّد بن الحسن : ما أعجب هذا ، يسألني أن أكلّفه حاجة من حوائجي ليرجع ، وهو ميت في هذه الليلة  ، قال : فغمز أبو يوسف محمّد بن الحسن للقيام ، فقاما فقال أحدهما للآخر : إنا جئنا لنسأله عن الفرض والسنّة ، وهو الآن جاء بشيء آخر ، كأنّه من علم الغيب .
ثمّ بعثا برجل مع الرجل ، فقالا : اذهب حتّى تلزمه وتنتظر ما يكون من أمره في هذه الليلة ، وتأتينا بخبره من الغد ، فمضى الرجل ، فنام في مسجد عند باب داره ، فلمّا أصبح سمع الواعية ، ورأى الناس يدخلون داره ، فقال : ما هذا ؟ قالوا : قد مات فلان في هذه الليلة فجأة من غير علّة .
فانصرف الرجل إلى أبي يوسف ومحمّد ، وأخبرهما الخبر ، فأتيا أبا الحسن ( عليه السلام ) ، فقالا : قد علمنا أنّك قد أدركت العلم في الحلال والحرام ، فمن أين أدركت أمر هذا الرجل الموكّل بك ، أنّه يموت في هذه الليلة ؟ قال : من الباب الذي أخبر بعلمه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) علي بن أبي طالب ( عليه السلام )، فلمّا أورد عليهما هذا ، بقيا لا يحيران جواباً .
الكرامة السابعة :
قال إسماعيل بن سالم : بعث إليّ علي بن يقطين وإسماعيل بن أحمد فقالا لي : خذ هذه الدنانير وائت الكوفة ، فالق فلاناً فاستصحبه ، واشتريا راحلتين وامضيا بالكتب ، وما معكما من الأموال حتّى تأتيا المدينة ، وادفعا ما معكما من كتب ومال إلى موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) ، ففعلنا حتّى إذا كنا ببطن الرمة ، وقد اشترينا علفاً ووضعناه بين الراحلتين ، وجلسنا نأكل ، فبينا نحن كذلك إذ طلع علينا موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) على بغلة له ، وخلفه شاكري ، فلمّا رأيناه وثبنا إليه ، فسلّمنا عليه .
فقال : ( هاتيا ما معكما ) ، فأخرجناه ودفعناه إليه ، وأخرجنا الكتب فناولنا إيّاه ، فأخرج كتباً من كمّه ، فقال لنا : ( هذه جوابات كتبكم ، فانصرفا في حفظ الله  .
قلنا : فقد فنى زادنا ، وقد قربنا من المدينة ، ولو أذنت لنا فزرنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وتزوّدنا زاداً ، فقال : أبقي معكما من زادكما شيء ؟ قلنا : نعم .
قال : ائتوني به  ، فأخرجناه إليه ، فقلّبه بيده ، وقال : ( هذه بلغتكم إلى الكوفة ، امضيا في حفظ الله ) ، فرجعنا وكفانا الزاد إلى الكوفة .
الكرامة الثامنة :
قال هشام بن سالم : كنت أنا ومحمّد بن النعمان صاحب الطاق بالمدينة بعد وفاة جعفر ( عليه السلام ) ، وقد اجتمع الناس على عبد الله ابنه ، فدخلنا عليه ، وقلنا : الزكاة في كم تجب ؟ قال : في مائتي درهم خمسة دراهم ، فقلنا : ففي مائة ، قال : درهمان ونصف .
فخرجنا ضلالاً ، فقعدنا باكين في موضع ، نقول : إلى من نرجع ؟ إلى المرجئة ؟ إلى المعتزلة ؟ إلى الزيدية ؟ فنحن كذلك ، إذ رأيت شيخاً لا أعرفه يومئ إليّ ، فخفت أن يكون عيناً من عيون أبي جعفر المنصور ، فإنّه أمر بضرب رقاب من يجتمع على موسى ( عليه السلام ) ، وقتله إن اجتمعوا عليه .
فقلت للأحول : تنح لا تهلك ، فإنّي خائف على نفسي ، وتبعت الشيخ حتّى أخرجني إلى باب موسى ( عليه السلام ) ، وأدخلني عليه ، فلمّا رآني موسى ( عليه السلام ) قال لي ابتداء منه : إليّ إليّ لا إلى المرجئة ، ولا إلى المعتزلة ، ولا إلى الزيدية  ، فقلت : مضى أبوك ؟ قال : ( نعم ) ، قلت : فمن لنا بعده ؟ قال : إن شاء الله أن يهديك هداك  ، فقلت في نفسي : لم أحسن المسألة فقلت : وعليك إمام ؟
قال : ( لا ) ، فدخلني هيبة له ، قلت : أسألك كما سألت أباك ، قال :  سل تخبر ولا تذع ، فإن أذعت فهو الذبح  ، فسألته فإذا هو بحر لا ينزف ، قلت : شيعة أبوك ضلال فأدعوهم إليك ، قال : من آنست منه الرشد ، فلقيت أبا جعفر الأحول وزرارة وأبا بصير ، وندخل عليه إلاّ طائفة عمار الساباطي ، وبقي عبد الله لا يدخل عليه إلاّ القليل .
الكرامة التاسعة :
قال أبو بصير : قلت لأبي الحسن موسى ( عليه السلام ) : بما يعرف الإمام ؟ قال : بخصال : أمّا أوّلهن ، فإنّه خص بشيء قد تقدّم فيه من أبيه ، وإشارته إليه ليكون حجّة ، ويسأل فيجيب ، وإذا سكت عنه ابتدأ بما في غد ، ويكلّم الناس بكل لسان ) ، ثمّ قال : أعطيك علامة قبل أن تقوم   .
فلم ألبث أن دخل عليه خراساني فكلّمه بالعربية ، فأجابه أبو الحسن ( عليه السلام ) بالفارسية ، فقال الخراساني : ما منعني أن أكلّمك بلساني إلاّ ظننت أنّك لا تحسنها ، فقال ( عليه السلام ) :  سبحان الله ، إذا كنت لا أحسن أجيبك فما فضلي عليك ؟ فبما أستحق به الإمامة  ، ثمّ قال :  إنّ الإمام لا يخفى عليه كلام أحد من الناس ولا منطق الطير ، ولا كلام شيء فيه روح  .
الكرامة العاشرة :
إنّ علي بن يقطين كتب إلى الإمام موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) ، اختلف في المسح على الرجلين ، فإنّ رأيت أن تكتب ما يكون عملي عليه فعلت ، فكتب أبو الحسن ( عليه السلام ) : ( الذي آمرك به ، أن تتمضمض ثلاثاً ، وتستنشق ثلاثاً ، وتغسل وجهك ثلاثاً ، وتخلّل شعر لحيتك ، وتغسل يديك ثلاثاً ، وتمسح رأسك كلّه ، وتمسح ظاهر أذنيك وباطنهما ، وتغسل رجليك ثلاثاً ، ولا تخالف ذلك إلى غيره ) .
فامتثل أمره ، وعمل عليه ، فقال الرشيد يوماً : أحب أن استبرئ أمر علي بن يقطين ، فإنّهم يقولون : إنّه رافضي ، والرافضة يخففون في الوضوء ، فطلبه فناطه بشيء من الشغل في الدار حتّى دخل وقت الصلاة ، فوقف الرشيد من وراء حائط الحجرة ، بحيث يرى علي بن يقطين ولا يراه هو ، وقد بعث إليه بالماء للوضوء ، فتوضّأ كما أمره موسى ( عليه السلام) .
فقام الرشيد وقال : كذب من زعم أنّك رافضي ، فورد على علي بن يقطين بعد ذلك كتاب موسى بن جعفر(ع): من الآن توضّأ كما أمر الله ، اغسل وجهك مرّة فريضة ، وأخرى إسباغاً ، واغسل يديك من المرفقين كذلك ، وامسح مقدّم رأسك وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك ، فقد زال ما يخاف عليك .

السلام عليك يا سيدي ومولاي يا موسى بن جعفر الكاظم ورحمة الله وبركاته .

***
المصادر :
مناقب آل أبي طالب:
الإرشاد:
حياة الإمام موسى بن جعفر :
بحار الأنوار :
 مهج الدعوات :
عوالم العلوم والمعارف والأحوال :
اختيار معرفة الرجال:
خبر الضمان في اختيار معرفة الرجال:
الكافي :
مكارم الأخلاق:
أعلام الهداية ـ الفهرس التفصيلي لكتاب الإمام موسي بن جعفر الكاظم عليه السلام
شبكة الكفيل العالمية
شبكة محبي وأنصار الإمام المهدي (عج)
ــــــــــــــــــــ
(*) ـ رئيس مهندسين أقدم في وزارة النقل العراقية  ــ باحث وأديب
     ـ عضو الإتحاد العام للأدباء والكتّاب العراقيين
     ـ عضو إتحاد الصحفيين العراقيين
    ـ عضو نقابة المهندسين العراقيين

أحدث المقالات

أحدث المقالات