في كل بلدان العالم يعتبر البرلمان صمام الأمان عند المواطن يذود عنه وعن مصالحه عبر من يمثولون هذا المواطن في أروقة ذلك البرلمان، والأمثال لاتعد ولا تحصى طبعاً، إلا أن البرلمان العراقي متهم منذ تأسيسه حتى اللحظة بعدم تبني صيغة تدفع عن المواطن وقضاياه ما يتعرض له من عنف، تمارسه السلطات الحكومية متمثلة بإجراءات القمع والتعسف ضد المواطنين منذ عهد الاحتلال وصولاً الى مجزرة الحويجة، وما تلاها وما سبقها من قضايا جرمية تحت ذريعة الحفاظ على الأمن وهيبة الدولة والقوات المسلحة ومكافحة الارهاب.
البرلمان مطالب اليوم أكثر من اي وقت مضى بتفعيل المواد الدستورية التي جاءت بحفظ كرامة المواطن وصون حياته، والحفاظ على مصلحته ومصلحة الوطن في أن واحد ، دون تجاوز على حقوقه الدستورية التي كفلها الدستور الذي وقعت عليه جميع الكتل المشاركة بالحكومة ، ومن بينها كتلة رئيس الوزراء ( دولة القانون) إلا ان الحاصل أن أول من يخرق هذه البنود هي تلك الكتلة التي يقودها كما أسلفنا رئيس الوزراء ومن يعمل معه ولديه، وبأوامر تصدر عن مكتبه وقيادة جيشه وأمنه ، دون أن يكون للبرلمان وممثليه صوت يعلوا على مثل تلك الخروقات.
إن مبدأ المحاسبة وليس صيغ الإستجواب هي التي تردع من يتجاوز تلك الحدود وصولاً الى استخدام العنف عبر أجهزة الدولة الأمنية ضد المواطن، وهذه غير موجودة ولا ذكر لها في صيغ العمل البرلماني العراقي، والاستجواب الذي يلوح به البرلمان غير مفعل ، وغير مجدي، بسبب التعامل الفوقي الذي يمارسه السيد رئيس الوزراء مع القرارات البرلمانية التي تنص على حضوره لجلسة الاستجواب والتي بادر الى رفضها ولأكثر من مرة معطلاً حركة العمل في البرلمان بقصد طبعاً، ثم الإيعاز الى من بتبعيته بعدم الإكتراث لما يصدر عن البرلمان وأمرهم بعدم الحضور لمثل تلك الجلسات ، ما دفع وبقصد لإضاعة الكثير من حقوق المواطنين ، وطمس الحقائق وتظليلها من خلال الترويج لقصص مغايرة بأستخدام الإعلام وعديد الأشخاص المُظللين الذين يدافعون عن ممارسات الحكومة ورئيسها وتجاوزاتهم للدستور ولحقوق الشعب ، مما كرس منهجاً فرضه أولئك على جلسات ذلك البرلمان الضعيف، وغير القادر على مناقشة قضايا المواطن وأمن الوطن، ليتجاوزها الى قضايا أخرى هامشية لاتغني ولاتسمن ، وسط تصاعد دوي الإنفجارات التي يذهب ضحيتها اللاف من المواطنين دون وجه حق، وبخرق واضح للأجهزة الأمنية المخترقة اصلاً عبر حلقات من المليشيات التي يدعمها السيد المالكي ولم يعد ذلك خافياً على أحد.
العنف الحكومي بات واضحاً ايضاً كممارسات يومية للقوات الأمنية في كل أرجاء العراق ، وبالأخص المناطق الساخنة شمال وغرب بغداد، وكما هو واضح في مناطق معينة وعديدة من بغداد نفسها،حتى في المناطق التي ينتمي سكانها للمذهب الذي عليه رئيس الوزراء لكنهم يختلفون معه في التقليد ربما ولايتبعون منهجه وسياسته، أو يخالفونه الرأي، هناك مظاهر إستفحال للقوة كصيغة تخويف تمارس ضد سكان بغداد الأصليين بقصد تهجيرهم وإبعادهم عن مناطقهم لحساب فئات معينة ينتج عنها تغييراً ديمغرافياً على خارطة بغداد التي عاشت وأهلها مئات السنين متحابين متعايشين لايعرفون الفرق بين هذا وذاك ، حتى جاءت تلك الفاجعة ورسمت ملامح شكلها القبيح على تفاصيل اليوم البغدادي دون عن إرادة أهلها، ما نمى من الشعور الطائفي والأثني في الشارع عبر تصرفات القوات الأمنية التي تمارس العنف الحكومي أو ( إرهاب الدولة) على المواطن ، ليعلوا الخطاب الطائفي ويتقهقر النهج المعتدل الذي يتقبل الأخر ويتعايش معه .
العنف الحكومي طاعون ينخر بجسد المجتمع العراقي ، والبرلمان أضعف من أن يضع حداً لمثل هذا السلوك والممارسات، حتى باتت منهجاً يتكرر وبشكل يومي عبر المداهمات والإعتقالات التي تمارسها السلطات الحكومية وبامر من رئيس الوزراء ( هناك فديو واضح وصريح ، يطالب فيه رئيس الوزراء عبر حوار مع مفرزة أمنية بضرورة إجراء المداهمات العشوائية وبشكل مستمر وحسب الخطة لكي لايرتاح أحد) والكلام للسيد نوري المالكي بأحدى زياراته الليلية لمفرزة أمنية ببغداد، إذا هناك منهج وخطة للعنف الحكومي وضعت وطبقت بأمر رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، وهو حين يطلب بتطبيقها حتى لايرتاح أحد، معناه أن السيد رئيس الوزراء لم يأتي لكي يرتاح الشعب ويطمئن على نفسه وأمواله،بل العكس صحيح ، وفق خطة عسكرة الشارع والتي أثبتت فشلها على مدى السنين المنصرمة ولازال السيد القائد العام يصر على إستمرارها، والتي اعتمد فيها مؤخراً تغيير القيادات العسكرية والأمنية بين هذا وذاك وبحركات أشبه ماتكون بحركات قطع الشطرنج للاعب لايفقه اصول اللعبة ومخططاتها، أمنياً على الأقل إن لم نظلم الرجل.
العنف الحكومي ضد الشعب لايخدم قضية ولايقدم حلاً، سيما وأن هناك شرائح عدة تدين هذه التصرفات والممارسات الحكومية وتطالب بتجاوزها والغاء العمل بها، وهي شريحة ليست بالقليلة أو الهامشية، بل هي مكون أساسي من مكونات الشعب العراقي يعول عليها في صنع مستقبل البلاد إن تم ادارة العمل بصورة سليمة، الأمن لايحققه العسكر ابداً، فأولئك يملكون استراتيجيات محددة تعتمد الدفاع والهجوم والمناورة بين هذه المفاهيم لاغيرها، بينما يحتاج الأمن الى أفق واسع يدار به وتحسبات واحتياطات استباقية تعتمد منهج المعلومات ودراسة عقلية الخصم ومن ثم بناء الخطة الأمنية على غرار مخرجات تلك الدراسات، إضافة الى فهم نفسية الشعب وميلوه ورغباته، وهذه كلها ليس لها وجود لدى القيادات التي يعتمدها السيد المالكي لإدارة الملف الأمني ، مايسبب إرباكاً مستديماً للشارع يخلق أنواعاً من الخروقات يدفع ثمنها المواطن البسيط من دمه وماله، وسط غياب آليات المحاسبة في البرلمان وتمييع الأمور حتى بات هذا البرلمان مغيباً ولايخدم عمله الشارع بل أضحى عبئاً عليه يستنفذ من ميزانية البلاد الجزء الأعظم بين مرتبات وأمتيازات ما أنزل الله بها من سلطان.
العنف الحكومي بات مظهراً من مظاهر حكومة السيد المالكي ، كما أضحى البرلمان هئية لاحول لها ولاقوة تجاه ماتمارسه السلطة من عنف ضد المواطن راح ضحيتها العديد وغيب العديد ، وتضررت مصالح العديد جراء عدم ممارسة البرلمان لسطاته المعتادة والتعمد بتغييب دوره كمحاسب للحكومة كما هي الأعراف البرلمانية لدى الدول، التي لاأظن العراق اليوم بعد الفواجع التي مرت عليه يعد من بينها إن أحصيناها.السؤال الواقع اليوم: من المسؤول عن العنف الحكومي بغياب الدور البرلماني.