بالعقل عُرف الله تعالى وبالعقل نستطيع ان نقيم المشهد العراقي بكل بساطة ونقترح الحلول التي تلائم المرحلة، هذا المشهد الذي سيطر الفساد على كل مفاصله، واتضحت ملامحه وضوح الشمس في رابعة النهار فالفساد -بحسب لجنة المالية في البرلمان العراقي- كبّد العراق خسارة قيمتها اكثر من ثلاثُمئة وستون مليار دولار، وهذا ما أكدته منظمة الشفافية الدولية في إدراجها العراق ضمن أسوأ ست دول في العالم فساداً، وليست الكارثة في الفساد فقط بل الطامة الكبرى في أهل الفساد فهم عبارة عن دول داخل دولة اسمها العراق ومتصدرون للمشهد السياسي والأمني والأقتصادي في البلد، وبينهم قيادات سياسية بارزة، لها أتباع وأجنحة مسلحة، والبعض مدعوم من دول خارجية، ما يجعل الملف بمثابة “حقل ألغام” يتجنب الجميع الخوض فيه، وبذلك ووفق المنطق لايمكن استئصال الفاسدين بكل حال من الأحوال فكيف يمكن لموظف بسيط في هيأة النزاهة محاسبة رئيس حزب يمتلك من الإمكانيات المادية والإعلامية والعسكرية ما لاتمتلكه دول، وبالنتيجة فإن مهمة القضاء على الفساد في العراق هي مستحيلة وفق كل المعطيات والتقديرات وانطلاقا من هذا الوضع المعقد والشائك، اعتقد لاسبيل لمن يُريد القضاء على الفساد سوى التفاوض مع الفاسدين كحل اضطراري وتشكيل لجنة مختصة بذلك ولتكن مثلا بأسم ” هيأة التفاوض مع التائبين” يتم من خلالها التفاهم مع الفاسدين ليعيدوا بعض الأموال المسروقة في مقابل إعفائهم من المسؤولية عنها والتعهد بعدم ملاحقتهم قانونيا، أو أن تجري جدولة الأموال المسروقة في صيغة ديون يحدد موعد لإعادتها، وكما يقول المثل الشعبي العراقي “منهوب النص .. ما منهوب” وبعد استعادة هذه المبالغ الطائلة ينبغي تبنّي إجراءات غير تقليدية مُحكمة وتكييف التجربة العالمية في مكافحة الفساد، والاستفادة من التكنولوجيا واستخدام الاتصالات بطريقة إستراتيجية، والاستعانة بشركات عالمية معروفة لبناء البلد من خلال التعاقد معها وبأشرف الأمم المتحدة وتخضع هذه الشركات لحماية من قبل جهاز مكافحة الإرهاب الذي يثق فيه وفي قياداته اغلب العراقيين، إضافة لاتخاذ سلسلة إجراءات اخرى كتلك التي اتخذتها جورجيا عام 2003 حين اجتاح الفساد جهاز الشرطة حيث قامت السلطات هناك بفصل 18 ألف رجل أمن سابق ورفع رواتب عناصر الشرطة من 70 دولار إلى 700 دولار، حتى وصل لتغيير زيّهم، إذ ارتبطت ملابس الشرطة القديمة بزمن الفساد، بالإضافة لتصميم مبانٍ زجاجية لمقار الشرطة لترسيخ مبدأ الشفافية وطمأنة الناس بعدم ابتزازهم. ايضا لاننسى ضرورة خلق رأي عام يرفض الفساد دينياً وأخلاقياً هذا العامل الهام الذي يتحقق بعقد ندواتٍ دينيّة وتوعويّة مكثفة في الدوائر الحكومية، والمدارس، والجامعات،ومنظمات المجتمع المدني، والقنوات المرئية والمسموعة تحث المواطنين والمسؤولين للتخلص من الفساد الإداريّ، ودعمها بالقصص والعبر من الأقوام الفاسدة السابقة وما حلّ بها بسبب الفساد.