على عادتها واشنطن وبمراوغتها المعهودة وبرغماتيتها الممنهجة غيرت خطابها التصعيدي ضد إيران و التي ربما فاجئت البعض بالتغيير الدراماتيكي التي قامت بها مؤخرا الدبلوماسية الامريكة واتقنتها بكل حرفية ومهنية عندما وجهت الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي صوب هدف معين وفي قضية شائكة كثيرا وهي الملف النووي الايراني وقامت بتجييش الجيوش عدةً وعدد وحركت الاساطيل الحربية والطائرات السفن العملاقة وبات كل العالم يسمع قرع طبول الحرب وبين مشكك ومتيقن ومتفائل ومتشائم انقسم العالم وأن كانت دول الخليج العربي وإسرائيل أكثر المتشوقين إلى لحظة اعلان الحرب حيث كانوا يواصلون الليل بالنهار أمام شاشات التلفاز بانتظار (العواجل ) وكيف تحترق طهران ويتلذذون بغبار دخانها الذي لا يبعد سواء أمتار قليلة حتى انهم اي “الامريكان” قاموا من خلال “مصانعهم المتوقفة “التي تحركت عجلتها كثيرا” بتزويد قادة الخليج والملوك والرؤساء وأصحاب الجلالة والفخامة بأجهزة وتقنية عالية من الكمامات المتطورة لئلا يصابون باختناقات او بالالتهابات الرئوية قد (تفسد عليهم الفرحة النصر ) من جراء الحرائق الكبيرة التي ستضرب المفاعل النووية او مذاخر التصنيع العسكري او ضرب ابار النفط كما حدث ابان حرب الخليج بعد غزو الكويت ” وكانوا بأشد الشوق كيف تبدأ الحرب جوا ام برا أم بحرا ومن يقراء البيان رقم (١) وكان هذا جزء من المفاجأة التي لم يكشفها ترامب لأصدقائه ولا لحلفائه ولكن سرعان ما تبدد كل شيء وتغيّر الخطاب الأمريكي وخفت حدة التوتر والتصعيد وتحول الخطاب السياسي المُتشنج إلى سياسة احتواء الأزمة والدعوة الى الحوار بعيدا عن إلة الحرب الطاحنة التي لا يُحببها الطرفان الأمريكي والإيراني على حد سواء. وبدأ الحديث يأخذ منحى آخر وتعكرت الأجواء كثيراً عند العرب التي تدفع باتجاة التصعيد وتراجع ترامب عن أفكاره بضرب إيران لا بل وحتى تغيير النظام وابدل ذلك بطلب تغيير المنهجية ودعا إلى حوار من خلال وسيط وفق مبدأ لأغالب ولامغلوب حيث كان يعول على التغيير من الداخل ،وقد تصور البعض ان في هذا الأمر خُدعه ولكن أجزم انها الحقيقة فلا امريكا تريد الحرب ولاايران تريد التّصادم مع واشنطن ولكنهما في حقيقة الامر تبادلا رسائل مشفرة ونحن اليوم عاجزون على فك شفرتها إلا القليل منها وربما قادم الايام ستكشف كل شي وعلينا ان نعرف حقيقة وهي ان مصلحة هاتين الدولتين الكبيرين تتطابق وتتوحد في مياة الخليج العربي كونها الملتقى ولا يريد اي طرف ان يخسر مكانة وفق نظرية( التخادم)طبعا هذا لا يعطي مبرر ان هاتين الدولتين على وئام مع اختلاف جذري وايديولوجي بحت بين مدرستين ومذهبين و وسياستّين واقتصاديّن وهذا أيضا لا يعطي تفوقاً كبير جدا لإيران على حساب واشنطن لا عسكرياً ولا اقتصادياً ولاسياسياً لان المقارنة اصلاً هي ضرباً من الخيال ! ولكن المصلحة تتطلب ان تبقى إيران قوية مقتدرة وتوصف بأنها الدولة التي لا تُقهر وأنها قادرة على المناورة والمراوغة وأنها كمن يدير ظهرة عن الأزمة ويتعامل معها وفق خطط مدروسة وبعناية فائقة ويجني الثمار وفق هذة المعطيات ان قوة إيران هي تلك الفزاعة التي من خلالها ينتعش الاقتصاد الامريكي وتزيد من حضور ترامب في موقع الرئاسة كونه يدفع بالعرب الى الارتماء أكثر في حضن واشنطن الدافئ ويجبرهم الذهاب الى بيت الطاعة عند العم (سام) الذي يُشعرهم ويُنعشهم بالأمل والبقاء أكثر فترة في سدة الحكم عندها سوف تدور عجلة المصانع الأمريكية وتكثر الزبائن ويتهافتوا على المنتوج الأمريكي دونما ان يقرواء ان المنتوج كان” اكس باير” عندها يكون الحديث مع طهران ذا جدوى!
ولربما سأل يعتبر أن هذا تخاذلا من الجانب الأمريكي فهم واهمون ولم يقروا جيدا بأن امريكا تدين بالولاء للسياسة البراغماتية ،وهي التي اوصلت المجتمع الأمريكي إلى هذه المكانة من القوة لأنه لاتهمه ـ النظريات والمثل ـ التي تخـدر الشعوب في العالم الثالث ، وإنما يهمه النتائج العملية ، والسلوك الناتج عن هذه الفلسفة هي التي جعلت امريكا اكبر قوة في العالم…