لا اريد ان ادخل في حسابات السياسيين واتهم فلانا وعلانا واحملهم مسؤولية ما جرى. ولا انوي استخدام النكبة السوداء والكوارث التي لحقتها للاصطفاف في جنب مجموعة مقابل مجموعة اخرى. انما اريد ان افكر كعراقي منتمي لهذا الوطن بكل جغرافيته وتاريخه ومجتمعه على تنوعه وتناقضه. اريد ان افكر بتاريخ وطني المعاصر لاني شاهد عيان عاش المرحلة بكل ما فيها واؤرخ لهذه الحادثة العظيمة بتداعياتها واعتبر منها حتى لا تعاد الكرة ثانية وربما ثالثة ورابعة.
تعالوا نحن كشعب عراقي عاش في تلك الايام المظلمة لنراجع انفسنا ونسألها بعض الاسئلة ونجيب عليها ليس هنا لكن في دواخلنا لنصحح طريقة تفكيرنا ونهج عقولنا الذي تسير فيه. لان الاجابة في العلن لن تنفعنا كثيرا بل ربما تضللنا لانها تتأثر بحسابات كثيرة يفرزها المحيط ولا يخرجها المنطق السليم ولذلك تضيع الحقيقة في هذه الاجوبة العلنية التي هي بالعادة اشبه بالمبارزة منها بطريقة تفكير حقيقي.
سقوط الموصل لم يكن حادثا مفاجئا بنفسه انما ما رافقه من احداث هو كان المفاجئ ولذا لنسأل اليوم السؤال الاول: لماذا عندما كانت المؤشرات كلها تشير الى سقوط محتمل للموصل وانها في طريق الخروج من سيطرة الدولة والحكومة العراقية، لم يتصد احد لوقف هذا السقوط؟
هنا لا اسأل عن الحكومة واجهزتها فهذا حديث له مقال خاص، بل اسأل انفسنا نحن كافراد عراقيين ماذا كان موقفنا الحقيقي من هذا السقوط المحتمل؟ هل كنا نعتبره كارثة وان تقسيم الوطن فاجعة وسوف يكون مستهل لضياع تاريخه وجغرافيته ام كنا ننتظر هذا السقوط باحر من الجمر ونهلل له؟ لا يقول احد الان انّا لم نكن منقسمين بل كنا كذلك، ولولا هذا الانقسام لما سقطت الموصل بهذه السهولة. من كان يعتبره كارثة فهذا بالتأكيد محب لتاريخ بلده وحريص ونرجو ان نكون جميعا بوعيه وحرصه وحسب ما عشناه فقد كان القليل كذلك. ولكن ان يكون الفرح والاستبشار لهذا السقوط هو الصفة الغالبة والسائدة عند فريق ما فهذا امر يستلزم من صاحبه مراجعة علاقته بوطنه على الاقل في تلك الفترة. وان يكون موقف فريق اخر وهو يسمع الاخبار ويترقب السقوط ليطلق تعليقا متشفيا قائلا: حيل بيهم خلي نخلص منهم فهذا ايضا عليه مراجعة نفسه في علاقته مع وطنه العراق.
كلا الفئتين عليها ان تراجع نفسها كثيرا لان هذين الموقف من كليهما بالنسبة للمراقب المحايد الخارجي يعبر عن انتماء خاص لهذه المجموعتين لشئ اخر لا يمت للعراق المتنوع باي صلة ابدا مهما كان الادعاء بذلك.
العراق وطوال تاريخه الممتد لالاف السنين كان متنوعا ولم يكن ذا لون واحد ابدا وظل يضم فسيفساء في كل شئ، فمن رحب بالانفصال عن الوطن فرحا بهزيمة الحكومة ذات اللون الخاص او تشفيا بآخرين لانهم من لون اخر يثبت عمليا وبالفعل انه لا يقبل بالتنوع بل يريد للونه الخاص ان يطغى وحسب رغم كل الادعاءات الزائفة.
هل هاتان المجموعتان راجعتا موقفيهما وتفكيرهما بعد كل ما جرى وحصل ام انهما لا يزالان يفكران بنفس الطريقة؟ اذا كانت الاجابة بنعم وفعى جرت مراجعة وتخطئة لهذين الموقفين فنعم ما فعلا. واصبح بامكاننا ان نقول اننا بتنا في مأمن من اي نكبة جديدة كهذه. اما اذا لم يتراجعا عن نهجهما السلبي في التفكير فان هذا الوطن سوف تنتظره مستقبلا نكبات اشد وامر لان المرض عندما يهجم اول مرة يمكن معالجته والشفاء منه اما عندما يعاود الكرة بعد المعافاة الظاهرة فانه يكون اكثر خطر واشد ايلاما واكثر وجعا وبالنهاية رغم كل شئ يصبح قاتلا رغم كل عقاقير العطارين التي ما عالجت سقيما.
في حلقة اخرى سوف نسأل انفسنا سؤال اخر عسى ان نكون انتبهنا من صدمة الجواب عن السؤال الاول ولعلها تدفعنا للعزم على تصحيح علاقتنا بوطننا وارشدتنا الى استخدام ذكائنا ومواهبنا في انتاج الخير لهذا الوطن والساكنين فيه.