قبل ايام قليلة ، كنتُ في ضيافة مسؤول رفيع ، بناء على دعوة منه لمناقشة موضوع اعلامي ، فطال النقاش ، وتشعب ، وتفرع ليصل الى موضوعة العاصمة بغداد ، ذات التاريخ المتجذر في مخيلة العالم ، وتجاذبنا الآراء بشان واقعها الذي لا يسر ، من حيث خلوها من عالم الحداثة في الخارطة المعمارية المتميزة ، فالمولات التي غزت بغداد والمحافظات ، وبعض المطاعم و الفنادق والمقاهي قرب نهر دجلة ، والمجمعات السكنية والـ ( سوبر ماركات ) التي زاد عددها ، وتوالدت بشكل مريع ، لا تشكل معلما لعاصمة عريقة مثل بغداد ، فهي اماكن عادية ، يمكن للمرء ان يجدها في اية مدينة ثانوية في العالم .. وتوقفنا انا ومحدثي ، امام سؤال محدد : لماذا لم تمتلك بغداد ( شاخص ) معماري ، متميز ، يرمز اليها حين يراه الزائر للعاصمة ؟
ودون ان نتحدث عن الامنيات لبغداد التميز في الاحلام ، برز امامنا المنجز المهم للمعمارية العالمية ، عراقية المولد ” زها حديد ” .. وهو الهرم المعماري الفخم ، بل الابهى وهو مبنى (البنك المركزي العراقي ) الجديد ، الذي يعد من اهم منجزات ” زها حديد ” .. وكاد هذا المنجز ان يطويه النسيان ، رغم انه موجود على الورق منذ العام 2012 بسبب رؤى سوداء ، انطلقت من هنا وهناك ، لكن ادارة البنك الحالية ، ليس انطلاقا من ايمانها بهذا المشروع الذي يخص البنك ، من خلال المنظور المهني ، والتخصصي كونه ” بيت المال العراقي ” الابرز ، إنما استقراءها المستقبلي لأهمية المبنى للعاصمة ، كونه يعد رمزا معماريا عراقيا ، متفردا ، وحين يكتمل بناؤه ، سيصبح مزارا لضيوف العراق ، واتوقع ايضا ، انه سيكون هدفا لزيارات طلبة المدارس والكليات ، لأنه يمثل العلاقة الوثيقة بمجالات التخطيط العمراني، والتأثيث المدني والتصميم الداخلي ، وقد درست الراحلة ” زها حديد ” كل متطلبات وظيفة البنك المركزي ، كونها تدرك من خلال تجاربها المعمارية الشهيرة بأن المطلوب من المعماري في مرحلة التصميم، التلاعب الخلاق بالموارد والتقنيات المتوفرة، لتحليل المعطيات المتضاربة، من أجل وضع تصور كامل ومفصل للمشروع يعكس الاعتبارات الوظيفية والفنية والجمالية ويربط المشروع بالطبيعة والتقاليد ، وإيجاد صيغة مناسبة من التصميم تترجم احتياجات موظفي البنك ، وطبيعة مهامهم .
نقلتُ لمضيفي ، ما كنت اسمعه من اصدقائي في البنك المركزي العراقي ، وفرحهم بالمبنى الجديد ، ليس لكونه مبنى خاصاً بهم ، بل كما قلت انه معلم عراقي كبير في معانيه ..لاسيما ان المهندسة الشهيرة عالمياً ” زها حديد ” قامت بتصميمه ليضاهي المباني العالمية ، ونقلتُ ما قاله المهندس صالح ماهود سلمان، مدير عام الدائرة الادارية في البنك المركزي العراقي، حول ردة فعل “زها حديد ” حول مشروع مبنى البنك ، وتأكيده على ان ردة الفعل ، كانت إيجابية جداً ومتحمسة، لأن تصميم بناية البنك المركزي، كان أول مشروع تقوم بتصميمه داخل العراق..
والبناية تعتبر اعلى برج في العراق ، وهي بـ 38 طابقا ، وترتفع الى 180 مترا في سماء بغداد ، وتطل على نهر دجلة قرب فندق بابل ، وتضم خزائن للعملة والذهب، ومكاتب، وقاعات للمؤتمرات وأخرى للاجتماعات، ومتحف ومساحة مخصصة للاحتفالات ومواقف سيارات ومساحات خضراء، ونصب تذكاري للمعمارية زها حديد تكريماً لها.
شكرا ، لمن عاكسوا تيار الجهل ، واصروا على تنفيذ هذه المفخرة العراقية التي سيشير اليها التاريخ بأنقى صفحات التقدير ..