تحدثنا في المقالة السابقة عن مظاهرات المنطقة الغربية من العراق وما أنتهت إليه من سيطرة ( القاعدة) والجماعات المتطرفة الأخرى ، وأشرنا الى الموقف المحرج الذي وضعت فيه العشائر وزعمائها الأصلاء .وتطرقنا الى خشيتهم من تردي الوضع الأمني ألى حد الصراع العسكري مع الجيش العراقي المتواجد في المحافظات الغربية. وذكرنا في المقالة ذاتها بأن الحكومة الاتحادية ظلت تلعب دور المتفرج بعد أن تعذر ضرب المتظاهرين الذين رفعوا شعارات أسقاط الحكومة الاتحادية ثم شعارات الاقليم ( السني ) وأخيراً التهديد بالحرب الأهلية ضد الجيش والدولة الأتحادية .
وهنا ، أحاول قدر الأمكان ،أن أتعمق في شرح الملابسات التي ربما لا يعرفها الكثير من العراقيين ومن بينها: أن المالكي (رئيس الوزراء) كان يرد على منتقديه في التحالف الوطني بأن يتركوا قضية المظاهرات له ، وتعهد لهم بأنه سيتولى أمرها بما ينهيها سلمياً أو بالتهديد بالحرب إن دعت الحاجة . وبالطبع هذا لم يقنع أحداً من (شركائه)في التحالف الوطني ، بل أن بعض اطرافه (التيار الصدري والمجلس الاعلى) كانوا شديدي الاعتراض على سياسة المالكي التي تبنى نظرية ( اتركوها لي وللزمن) ! كان المعترضون من التحالف لايرون في الزمن عاملاً لاقناع المتظاهرين بفك اعتصاماتهم في ساحات (العز والكرامة) كما يسمونها. بل يعتقدون بأنه – الزمن – سيفاقم الازمة ،ودليلهم على ذلك أن مطالب المتظاهرين قد تصاعدت كلما انقضى اسبوع ، وها هي الأن قد وصلت الى الخط الاحمر ، وهو التهديد بأعلان الحرب على بغداد .
وحسب ماوصلني من معلومات ،فأن المالكي ومساعدية ،لايرون في الاعتصامات ، حتى وأن امتدت لسنة نهاية العالم . أما اعلان الأقليم (السني) فلم يؤخذ بجدية من قبل قيادة حزب الدعوة. وعلى فرض اقيم الأقليم ، كما قال لي مقرب من حزب المالكي ، فماذا سيحصل ؟ لأشي وسيموت في أيامه الأولى لأسباب منها : أن أهل الموصل وقادتهم السياسيون يرون في أنفسهم من يصلح لقيادة الأقليم ، وهذا حال أهل صلاح الدين ، بينما يرى أهل الانبار أنهم الأحق بقيادته باعتبارهم أول من تحدى الحكومة المركزية بمظاهراته واعتصماته ومصادماته مع الجيش العراقي في أكثر من واقعة . ويعتبر أهل الانبار أنفسهم بأنه لولاهم لما أستطاع أحد أن يهتف بسقوط الحكومة ، وحسب توقعات مستشاري المالكي لما ستؤول اليه الأمور ، فأنهم واثقون من أن صراعاً عسكرياً سيندلع فور أعلان أقامة الأقليم ( السني) بين المحافظات الثلاث.
وقال لي سياسي مطلع بأن التهديد بالحرب الأهلية والزحف إلى بغداد لانتزاع السلطة منها وأعادتها إلى (السنة) ،كما يشيع زعماء المظاهرات انما هو خرافة لا يصدقها عقل . وأكد لي هذا السياسي بأن مساعدي المالكي لايرون في التهديد بالحرب الأهلية إلا حرباً نفسية وليس أكثر من ذلك . لأن عقلاء الانبار وصلاح الدين وحتى زعماء عشائر نينوى لايرون مصلحة لأهل المناطق الغربية في أقامة الأقليم ولا في اعلان الحرب على بغداد . وهم يعملون على أقناع مواطنيهم بمغادرة مثل هذه المزايدات .
ومن جهة الحزب الحاكم في بغداد ، يذهب بعض مساعدي ومستشاري المالكي إلى القول بأنه لاضير حتى في أنفصال المحافظات الثلاث.فهي عبء ثقيل – حسب قولهم – على وسط وجنوبي العراق وعشرات المليارات التي تدفع لسكان المحافظات الثلاث تأتي من نفط البصرة وميسان وذي قار . وأهلها أحق بها ، خصوصاً أذا أعلنت تلك المحافظات انفصالها عن العراق بالقوة وليس حسب الدستور، وبدلاً على أنفاقها في (الغربية) فهي ستتجه الى (الجنوبية) لاعمارها .
وذكر لي أحد السياسيين في التحالف الوطني ، بأنه علم بأن هناك رأي يطرحه الكثير من سياسي دولة القانون هو أن الأمن سيكون مسيطراً عليه في ( أقليم الوسط والجنوب ) بعد غلق الحدود مع الأقليم (السني) . وهذا مكسب كبير، كما يرى قادة الحزب الحاكم بأستثناء المالكي الذي عرف عنه معارضة تقسيم العراق . ولكن المالكي ، حسب اعتقاد هذا السياسي سيقبل بالأمر الواقع ، في حال إقيم الأقليم خلافاً للدستور. وكل ماعرف من المالكي – حسب محدثي السياسي – هو أنه لا يستطيع أن يتحمل وزر أقامة الأقليم ،اما إن أقيم خلاف للدستور النافذ ، فهو لن يقاتل من أجل اعادته إلى دولة العراق الاتحادية .
وسألت محدثي السياسي المقرب من ائتلاف دولة القانون : ماتبقى من العراق سوف يكون محاصراً بعد أغلاق حدوده مع سوريه والاردن وتركيا والسعودية ثم أن المتطرفين في المنطقة الغربية يهددون بقطع مياه الفرات عن أهل الوسط والجنوب .. فأجاب : لايهم ، لتغلق الحدود فالعراق له امتداد على الخليج وحدوده مع الكويت ستظل مفتوحه وكذلك مع ايران . اما التهديد بقطع مياه الفرات فتلك خرافة ؟ ماذا سيفعلون بالمياه ؟ هل يشربونها كلها ؟!
هذه الآراء حتى وأن كانت تبدو سطحية إلا أن كثيرين من حاشية المالكي يتداولونها . وأظن أن قليلاً منهم مقتنع بها . وحتى المالكي نفسه لا أظنه يوافق مستشاريه على رأيهم هذا . لكنه في حال اقيم الاقليم فأنه سيحجب حصة المحافظات الثلاث في الميزانية الاتحادية .
يضاف الى ذلك ،أن الكتل السياسية الشيعية ، في معظمها ، تقف بضراوة ضد أي أجراء سياسي أو عسكري يتخذه المالكي بأتجاه اعلان الحرب على المعتصمين ، وقد سمعت أكثر من مره أن المالكي يستقوي بموقف الصدريين والمجلسيين والمرجعية على المتشددين في حزبه . وأكاد اجزم بأنه سيصبر على الاعتداءات والتي يتعرض لها الجيش العراقي وحتى التي يتعرض إليها المدنيون لأنه يدرك بأن الحرب لن يخرج منها رابحاً .وصير المالكي هذا وراءه هدف غير معلن ، وهو ايصال أهل المنطقة الغربية الى قناعة بأن مايفعله المتطرفون ليس فيه مصلحة لا لأهل ( الغربية ) ولا للعراق . ويأمل بأن يتخلى أهل الانبار وعشائرها بوقت قصير عن هولاء ( الغرباء ) الذين يعملون على تمزيق وحدة العراق .
وتأسيساً على ذلك .. أعتقد بأن العشائر في المنطقة الغربية ستتحرك قبل أن تحكم ( القاعدة ) و (جبهة النصرة ) قبضتهما على المحافظات الثلاث . وقد بدأت بوادر هذا التوجه تلوح في الافق بعد اعلان زعماء العشائر الأخير بأنهم سيزيلون خيام المعتصمين ، خلال أيام قليلة . وحتى لو أن هولاء الزعماء قد اجلوا قرارهم بازالة خيام المعتصمين الى وقت أخر فأنهم جادون – كما تشير المعلومات – لفرض سيطرتهم وطرد ( الغرباء ) بالتفاهم وأن تعذر ذلك فلابد من أستعمال القوة .. ( انتهئ ) .