الدراما الواقعية شكلاً من الأشكالِ الفنية يتمُ من خلالها محاكات الواقع بأسلوبٍ فني،يتم تبوبيبه ضمن إطار مناسب للبحثِ من خلال ذلك عَنْ حلولٍ لذلك الكم الهائل من الأزمات والمشاكل الاجتماعية التي تعصف بالمجتمع، وهذا النوع من الفنون يعتمد بالدرجة الأساس على درجات عالية من الوعي الثقافي والمعرفي والعلمي والتي تدخل ضمن أختصاص هذا المجال،محاطاً بالخبرة الفنية التي تساعد كثيراً في رسم ملامح الشكل النهائي للعمل، وأذا ما تتبلورة كل هذه الأمور مجتمعةً وبجهدٍ متكامل أمامَ كادرٍ فني يضع خطته واستراتيجيته المؤلف ( السينارست ) ويقوم بتنفيذه قائد العمل (المخرج) ويُدعمْ كل ذلك بالأدوات الفنية المتاحة والمختارة والتي يسعى على توفيرها قِطاع الإنتاج لهذا العمل وصولاً الى النتيجة النهائية والتي يتم من خلالها تقييم وتحديد مستوى الجودة والردائة عبر التفاعل وأستحابة المتلقي المتذوق لمفردات العمل.
حرصت خلال شهر رمضان على متابعة المسلسل العراقي (الفندق) كنموذج للعمل الدرامي المحلي والذي يدخل ضمن أطار المسلسلات الدرامية الذي تَمَّ عرضه خلال شهرِ رمضان ومن على شاشة قناة الشرقية، وكما يطلق عليه البعض بمصطلح (الدراما الرمضانية)، جاءت الرغبة هنا لمتابعة هذا العمل حباً وشوقاً لِما هو جديد في المجال المحلي وخصوصاً أن هذا العمل قد تم الإعلان عنه مسبقاً وبشكل مركز كونه استطاع أن يجمع الكثير من الأسماء اللامعة والتي لها باعاً طويلاً في مجال الدراما العراقية ولها تاريخ مشرف على مستوى الكتابة والتمثيل والإخراج،وما أن انتهى المسلسل بحلقته الخامسة والعشرون وفي مشهده الأخير الذي جمع بين الفنانين القديرين محمود ابو العباس (كريم) وعزيز خيون حتى انتابني شعور بعد ذلك بأن ستار المسرح سوف يُسْدَل ليؤذن للمشاهد بأن العرض المسرحي قد شارفَ على النهاية وحان وقت التصفيق، ليسجل هنا أمام المتابعين إخفاقاً واضحاً في عدم قدرته على إختيار الشكل المناسب الذي من شأنه تَحديد هوية العمل، وفي النهاية يعطي الفرصة الى كادره من استخدام الأدوات المناسبة لهذا لأنتاج هذا المشروع عملياً، وبالتالي يُؤهله ذلك الى تحقيق نسبة تفاعل أكبر وصولاً للهدف الحقيقي المرامْ، وصورة العمل مسرحياً لم تتمخضض القناعة بها فقط من المشهد الأخير ولكنها تجمعت من خلال مجموعة مؤشرات أخرى أفصحت عنها مشاهد العمل تباعاً، والتي توصل المتلقي المتذوق على إنَّ هذا العمل كان الأجدر به أن يوظف كعمل مسرحي لعدة فصول إذا ما أردنا وضعه في إطارهِ المناسب الذي يتناغم مع المحتوى والطرح السردي للأحداث،ومن ناحية أخرى ودعماً لهذه القناعة التي نجدها قد أرغمت بعض الشخصيات على التعمد في أدائنا المسرحي، حيثُ بَدَتْ لنا الاخيرة وهي متجاهلةً لعدسة الكامرة التلفزيونية لمرات عديدة من خلال شعورها بمواجهة الجمهور بشكلٍ مباشر كما هو الحال على خشبة المسرح، وهذه الغفلة لم تاتي من فراغ لكي تسحب الشكل العام للعمل الى زوايا وحركات باتت لا تستوعبها كامرة التلفزيون الأمر الذي تسبب في ضعفاً فنياً في عملية نقل الرسالة بسلاسة الى المتلقي بغية تحقيق الهدف.
وهناك أمراً آخر يدعم هذا التقييم أيضاً هو شحة وقصر المشاهد الخارجية أن وجدت والتي بالنهاية سجلت انطباعاً لدى المتلقي عن حجم ذلك الخوف والتردد لعدسة الكامرة من النزول الى الشارع لنقل الأحداث بشكلها الطبيعي أو حتى المعدْهَ مسبقاً بغية توسيم أجواء العمل بشيءٍ من الواقعية الذي هو جزءاً منها سواء كانت تلك الواقعية الحقيقية أو أفتراضية،وعلى العكس من ذلك هنا وجدناها ( عدسة الكامرة) تتأرجح كثرية السقف وهي معلقة مفضلةً البقاء أسيرةً لجدران الفندق الصماء والتي طيلة الأحداث لم تفصح لنا سوى عن تاريخ المكان ( منتدى المسرح)، وبالتالي اجتمعت هذه الأمور حتى قادَت العمل وأغرقه في الكثير من المشاهد المكررة والتي لَمْ تحمل للمتلقي أي نوع من أنواع الصراع والذي هو يعد عنصراً مهماً في أي عمل درامي وأن وجد فكان الإحساس به هامشياً وغير معمقْ،والذي ولَدَ نوع من أنواع التمدد المفتعل والمحسوس في العمل الغرض منه كان توسيع الرقعة الزمنية وعدد حلقات والساعات التلفزيونية للمسلسل والتي أثرت سلباً وبشكلٍ مباشر على إيقاع العمل الذي باتَ مسارهُ بطيئاً جداً ومتلكىء وهذا ما لاحضناه في الكثير مِنَ الأحداث التي شابها جواً محسوساً من الرتابة التي أثمرت بالنهاية الملل.
عودةً الى المعالجة الدرامية للنص الذي دارت حوله الأحداث والذي كان الصراع فيها ضعيفاً جداً،حيث بَدَتْ أكثر المشاهد في شكلها العام خبرية تروي لنا أحداثاً (حكاية) كما هو الحال في شريط الأخبار اليومية الامر الذي سبب غياباً ملحوضاً لعنصر التشويق،لنكون هنا قد نقلنا المشاهد من الاجواء الذي يفترض انها تحمل تفاعلات درامية ألى أجواء شريط ألاخبار الذي يروي لنا مختلف القصص والأحداث اليومية والتي يتنفس بها واقع مجتمعنا.
والمحطة الأخيرة كانت في الحلول التي وضعها المؤلف والتي أنطوت تحت مظلة التشجيع على فكرة الهروب من الواقع الذي هو يمثل الحل الأمثل للانطلاق والبداية خارج الوطن الذي هو كان مجرد فندق بالنسبة لتلك العينات المختارة أو تلك التي تشبهها في السلوك،ليتم بذلك تغييب تام لتحقيق مبدأ الثواب والعقاب التي تدعو اليها جميع المجتمعات للحد من توسيع سقف الجريمة .