اعتمد العراق بعد عام ٢٠٠٣ على سياسة جديدة ، اعتمدتها السياسية الامريكية في هذا البلد بعد احتلاله ، اذ ألقت هذه السياسية بضلالها على المشهد السياسي عموماً ، والاقتصادي خصوصاً ، حيث أمسى العراق بلداً فقيراً متراجعاً في شتى المجالات ، إبتداءً من الملف الامني والذي لم تستطع المليارات التي صرفت ، ولا الحشود البشرية والمعدات العسكرية من حفظ أمنه وسيادته ، من خطر التدخل الأجنبي ، وأمست محافظاته الثلاث التي سقطت بيد الاٍرهاب الداعشي مرتعاً ودولة لهم ، وأضحى ساحة حرب للاطراف الإقليمية المتصارعة ، وأصبح الارهابي من مختلف الجنسيات يصول ويجول بحرية في ارض العراق وماءه ، ومن خلال لغة الأرقام التي اعتمدها متخصصون في السياسة التجارية والإصلاح الاقتصادي ، يمكن قراءة المشهد الاقتصادي من زاوية هذه الأرقام .
ان اخطر الخطوات التي قام بها الحاكم المدني في العراق ” بقول بريمر ” بعد عام ٢٠٠٣ ، هي حل المؤسسة العسكرية والأمنية ، الامر الذي جعل البلاد مرتعاً للقوات الأجنبية ، وساحة حرباً مفتوحة للقتلة والارهابيين والمرتزقة ومن جميع الجنسيات ، وكان بالإمكان اعتماد مبدأ تشذيب المؤسسة العسكرية من البعثية والفاسدين ، وإعادة بناءها بما يحقق الأمن السريع للبلاد . تهميش القطاع الخاص ، والاعتماد على الاستيرادات من الخارج ، حيث بلغت الاستيرادات من السلع الاستهلاكية حوالي 410 مليار دولار حتى عام ٢٠١٥ ، اذ لم تكن لهذه السلع اي أهمية إنتاجية للبلاد ، الامر الذي أدى الى تراجع القطاع الخاص وضياعه .
اعتمدت الحكومة العراقية عام ٢٠١٥ سياسة ” التقشف ” ، وعلى الرغم من هذه السياسية ، بلغ حجم الاستيراد العراقي حوالي 44 مليار دولار ، بينما كانت واردات العراق النفطية لا تتجاوز 39 مليار دولار ، اي بعجز بلغ 5 مليار دولار ، وهذا سببه السياسية المالية الفاشلة والفاسدة والتي كانت متبعة في معالجة المشاكل الاقتصادية ، وعدم وجود رؤية واضحة في معالجة العجز في الميزانية السنوية للدولة ، واتخاذ إجراءات تقشفية ملموسة في معالجة هذا العجز . الانخفاض الخطير واللافت لرصيد العراق من العملات الصعبة في مزاد البنك المركزي العراقي ، حيث انخفض من 88 مليار دولار الى 49 مليار ، الامر الذي جعل الذي جعل البلاد مهددة بإعلان افلاسها .
ما كان سبباً في تراجع الاقتصاد العراقي ، هو فتح باب الاستيراد على مصراعيه ، والغاء التعريفة الجمركية ، والإبقاء على ٥٪ ( هذا ان وجدت في ظل الفساد ، وسيطرة الاحزاب السلطوية ) ، الامر الذي جعل السوق العراقي يعيش حالة الركود ، وأصبحت المعامل والمصانع الإنتاجية الكبيرة مخازن للسلع المستوردة من الخارج . سعى الأميركان الى انشاء طبقة تجارية ، لا علاقة لها بالوضع الاقتصادي او التجاري ، عبر صفقات مشبوهة مع الجيش الامريكي ، والتي تحولت فيما بعد الى أدوات فاسدة ، وأصبحت فايروسات تهدد الكيان الاقتصادي ، عبر اعتمادها مبدأ ” الربح السريع ” ، بعض النظر عن الاثار السلبية المترتبة على هذه السياسة .
تهريب الأموال العراقية الى الخارج ، حيث بلغت الأموال المودعة في البنوك الاردنية لوحدها حوالي 15 مليار دينار أردني ، اي بما يعادل حوالي 21 مليار دولار ، ناهيك عن الأموال المجمدة والمودعة في اغلب البنوك والمصارف العربية والأجنبية .
السياسية الاقتصادية والفساد الاداري في موسسات الدولة كافة ، كان سبباً مباشراً في انهيار الاقتصادي ، وتراجع الدينار العراقي امام العملات الصغيرة الاخرى ، وغيرها من سياسات واجراءات كانت سبباً من أسباب التراجع الاقتصادي في البلاد ، اذ هناك تراجع واضح في المجال الصحي ، وتوفير السكن للمواطنين ، والتضخم الكبير واللافت في العاصمة بغداد ، والتضخم في موسسات الدولة من حيث إعداد الموظفين اذ بلغ أعدادهم اكثر من 4 ملايين موظف ، في حين كان عدد موظفي الدولة لايتجاوز 400 الف موظف ، كما عدم وجود قاعدة بيانات موحدة يمكن اعتمادها ، والرجوع لها ، واعتماد مبدأ الاجتهاد في عمل الوزارات ومؤسسات الدولة ، سبباً في ترهل المؤسسات وأصابتها بالشيخوخة ، ناهيك عن عدم وجود الموازنة الاستثمارية في موازنات العراق الحالية ، الامر الذي يجعل العراق يعتمد على حركته الاقتصادية على النفط فقط ، والذي هو الاخر غير ثابت على الزمن الطويل ، وتعطيل المشاريع والتي بلغت اكثر من 9000 آلاف مشروع معطل ، بقيمة فعلية تقدر بحوالي 206 مليار دولار ، وخسارة العراق فقط في احتلال الاٍرهاب الداعشي للموصل اكثر من 28 مليار دولار .
عدم تبني السياسات الاقتصادية الواضحة ، والفساد المستشري ، وسيطرة الاحزاب النافذة على مفاصل الدولة الاقتصادية ، والجهل الاقتصادي لدى التجار العراقيين ، ويبقى السؤال متى سيكون للسياسة والسياسيين دورا في دعم الاقتصاد العراقي وكيف سيحدث التغيير والتحديث في عقلية الساسة العراقيين لكي يجعلوا من الاقتصاد هدفا لهم ولسياساتهم ، وكيف يمكن للاقتصاد أن يدخل في صناعة قراراتهم ، وان يكون الاقتصاد جزءا من ثقافتهم ، عبر تطوير القطاع العام وتنميته وتحقيق الازدهار والرفاهية للجميع ، وان كان هذا يبدو أمر بعيد المنال وليس له على أجندة السياسيين مكان لا من قريب ولا من بعيد!