23 ديسمبر، 2024 6:42 م

أرثي نفسي لا أرثيك – إلى أحمد النواس

أرثي نفسي لا أرثيك – إلى أحمد النواس

لم أكن أدري أن الوقفة التي جمعتني بك في شارع المتنبي يوم الجمعة الماضي ستكون الأخيرة! ومع أن قميصك الأبيض لفت انتباهي، لكن لم يدر بخلدي أبدا أن الأبيض هذا سيكون “الأبيض الأخير”!

أخبرتني آنذاك أنك على عجلة من أمرك وتريد الذهاب الى السليمانية بعد أن قدمت من كربلاء، إلا أنك لم تقل لي إن عودتك إلى كربلاء هي العودة الأخيرة.. ألم تدعوني باصرار غريب إلى أن أزورك وأسرتي كي نجول في كردستان التي تقيم فيها.. كان بيننا موعد يا أحمد..

ما دهاها سيارتك؛ ألم تعرف أنها تحمل فارسا يندر مثيله؟ ما خطبه الشارع الذي لم يكن مستقيما مثلك؟ ما باله “الغدر” الأحمق لم يؤخر وقوعه؟ أي حماقة ارتكب؟!

من يتلقى “إيميلاتك” في مشروعنا الجديد؟.. “إيميلاتك” المؤمّنة عند صديقنا قاسم السنجري، والمحفوظة نصوصها ومرفقاتها في حاسوبي.. من يدفعها للنشر؟ “العالم” أغلقت نعم.. لكن لماذا أغلق “عالمك” ولا تزال الصحافة الحرة حلمنا الذي نريد أن نواصل تحقيقه معا؟

من ينقد الفاشلين ممن يديرون أو يسهمون بإدارة البلاد بعدك يا أحمد؟ من ينقدهم بشجاعة؟ بأدب جم.. بأخلاق عالية.. بتحليل منطقي.. بحجج تؤشر الخلل وتدعو لاصلاحه؟ من يقول لهم إن عليهم أن يعدلوا من مساراتهم المعوجة التي أضاعوا البلاد في تفرعاتها؟ من يعلمهم أن البلاد بلادنا وأن عملية ادارتها مسؤولية نحاسبهم على أي تقصير فيها؟ من يجسد صورة الناقد الذي يريد أن يبني لا يهدم.. ينبه لا يهاجم.. أولوياته إنسانية – وطنية، لا نفعية – جهوية؟!

هل تعرف أي خسارة تكبدناها بفقدانك يا أحمد؟.. تعرف أليس كذلك؟ ومع أنك تعرف أقول: كنت “عمودا” في المشروع السابق.. وكان القرار أن تكون كذلك في المشروع اللاحق.. لكن “الغدر” سبقنا إليك.. فيا له من فقدان..

المشاريع الحقيقية تحتاجك.. مشاريع التقويم والتصحيح لا يضطلع بها غير أنموذجك النادر صدقني.. أنموذجك الصادق.. أنموذجك الهادئ.. أنموذجك الذكي.. المراقب والمشخص.. الشجاع والفارس..

رحيلك طعننا يا أحمد – نحن “المحدودون ذوو الأحلام الواسعة”.. كم تمنيت أن يكون كابوسا من كوابيسي التي لا تحتمل.. غير أني لطمت وجهي فالتطم بجدار الواقع الصلف.. الواقع الذي لا يستحي وهو يحمل نبأ وفاتك.. كم كانت ثقيلة على يدي المفردة الأخيرة..

 أحمدنا لتحل روحك الطاهرة فينا كي تقوينا أكثر على تحمل الواقع وفاشليه وفاسديه ومتخاذليه وثعالبه.. أحمدنا لك السمو والذكر الطيب.. ولنا الفخر بك ما حيينا.

أحمدنا هذا رثاء للصحفيين المستقلين.. للصحفيين “المتحررين من التحيز الحزبي” والطائفي.. هذا رثاء لـ”جماعة العالم” كما يحلو لبعضهم أن يصفنا.. هذا رثاء لي.. أنا الذي أردد دائما أن “النسيان أجمل الخيانات”.. والموت أقبحها.

أحمدنا…

* طبيب وصحفي وشاعر رحل عن عالمنا بحادث سير في السليمانية، الأربعاء 22 آيار 2013


رئيس تحرير جريدة العالم
07809122478