1: القبيلة – البادية – الدستور – الديمقراطية .
غالباً ماتُذكر الثقافة باعتبارها العلامة المفصلية في حياة الشعوب ، ارتباطاً بالوعي وإنضاجاً للتجربة وتقويماً للسلوك بالمعنيين الإجتماعي/ الجمالي ، والسياسي /الفكري .
قبل بضع سنوات ، وبعد الإستقرار النسبي الذي شهدته بغداد وبعض المحافظات العراقية ، إزدهرت المنتديات والصالونات الثقافية ، بعضها اقتصر على طرح ومناقشة مايخصّ النتاج الأدبي من قصة وشعر ورواية وماشاكل ، فيما ذهب بعضها الآخر إلى الإهتمام بالواقع السياسي الذي يعيشه العراق ، ومن ثم حرص بداية على استضافة شخصيات سياسية وثقافية متنوعة ، لكن وبعد أن وجد إن الأسماء السياسية المعروفة ، هي وحدها الكفيلة بجذب العدد الأكبر من الحضور ، عكس الشخصيات الثقافية التي لاتحظى من قبل الجمهور بالإهتمام ذاته ، حتى لو كان المثقف معرفياً والسياسي ” جاهلاً” (*) لذا حاول القائمون على بعض تلك المنتديات ، أن يجعل منها حلقة وصل وتفاعل بين السياسي والمثقف ،علّها تسهم في وضع أسس أوليّة لفكر يتلاءم مع المستجدات وماقد ينتج عنها من تفاعلات، خاصة تلك التي يشهدها العراق والمنطقة .
لاشك أن مجموع مايطرح في تلك المنتديات ، يجعل من الممكن استخلاص قضايا يلاحظ فيها أن الفكر السياسي في العراق ، مازال يشهد تعثراً وارتباكاً في السياسي والمثقف على السواء ، ذلك ما تعكسه فوضى المفاهيم واستخدام المصطلحات في محاولات الدخول إلى إيجاد تفسير الواقع ، ناهيك بقراءة المتوقع ، ما قد يجعل من الضرورة ، القيام بمقتربات قد تسهم في تصحيح بعض المفاهيم التي يتكرر حضورها ، ومن ثم إعطائها أبعاداً أو صيغاً جديدة ، أو في إضفاء معنى ما على مفاهيم سابقة ،أو طرح بعض القضايا التي ربما عولجت للمرة الأولى .
ستتناول هذه المحاولة ، بعض أهم النقاط مما يتم تداوله من قضايا ، خاصة تلك الخلافية منها :
1: الدستور : يعتبر الدستور هو الناظم القانوني للسلوكيات السياسية ، ومنه تستمد أعمال مؤسسات الدولة بكافة سلطاتها ، ذلك ما يعنيه إطلاق صفة ” دولة القانون ” على تلك الدول التي تسلك في نظامها السياسي النهج الديمقراطي المتعارف عليه بأنه ” حكم الشعب ” نسبة إلى اليونانية القديمة – ديمو ـ شعب ,كراتيا –حكم ” كما تُرجمت .
التفحص الدقيق لهذه المفاهيم سيمنحها معانيَ أخرى ، سواء في الواقع العملي أو المتوقع الإفتراضي ، فالدستور في جوهره أنما يصف الطريق ولا يرصفه ، بمعنى يتناول القواعد والمعطيات العامّة التي ينبغي سلوكها ،كي تأتي إدارة الدولة مثمرة ومن ثم قادرة على إيجاد حلول ومعالجات فضلى لما يعترض المجتمع من مشكلات ، أما السياسة فهي التي تقوم برصف الطريق ومن ثم تعبيده وتحديد معالمه ومحطاته وانعطافاته ، كي يسهم ذلك في جعل الطريق سالكاً أو قابلاً للسير عليه ، من هنا فإن الإتفاقات والتفاهمات التي تعقدها القوى السياسي في بلد ما ، قد تكون من الممارسات السياسية التي تلعب دوراً في تحديد معالم الطريق التي أكتفى الدستور بوصفها ،ذلك ما يحدث في الدول العريقة في الديمقراطية كأمريكا وبريطانيا وفرنسا وسواها ، حيث الاتفاقات أو التفاهمات بين أحزابها السياسية على قضايا معينة قد تسبق طرحها للتصويت .
وعلى ذلك فالمطالبة الدائمة بالالتزام بالدستور ، وتوجيه الانتقادات لما يمكن حصوله من اتفاقات جانبية بين الكتل السياسية في العراق ،يحمل في مضمونه خطأ مفهومياً ، لكنه صواب عملياً ، فتلك الممارسة ليست خارج ماتعنيه الديمقراطية عموماً ، أما في العراق ، ولأننا مازلنا نعيش فيما ورثناه من عقلية المؤامرة المرافقة عادة للأنظمة الدكتاتورية ، حيث مازالت تفعل في السلوك السياسي العراقي ،أي إن العقل التآمري يسود على العقل الدستوري ، فحين لايكون الدستور ناظماً للسياسة ومقياساً للسياسي ، تستخدم تلك الأتفاقات لإغراض خاصّة بكلّ طرف ، إذ يجري إخضاعها لحساباته وتفسيراته لتكون من ثم نتيجتها سلبية غالباً ، لأنها لا تضيف ملامح للوصف الدستوري ،بل تشوه ما حاول الدستور رسمه من ملامح .
يظهر ذلك في السياسات التي تهمين عليها الأحزاب الآيديلوجية ،وأوضحها في العراق ، فمختصر الآيدلوجيا ، هو الإيمان بمنطق امتلاك الحقيقة وفعل الصواب ،تلك هي القاعدة الإستراتيجية في الأحزاب الآيديلوجية عموماً والدينية على وجه خاصّ، أما مايُتّخذ من خطوات إجرائية – بما فيها الإتفاقات والتفاهمات – فهي تكتيكات مؤقتة أو وسيلة يمكن اتبعاها لتحقيق تلك الإستراتجية ،لذا يجري التنصل منها إذا خالفت الهدف أو لم تفلح في تحقيق الغاية المرسومة، ذلك يعني إن الخطوات الأولى في البحث عن حلول لمشكلة العلاقة بين الدستور والسياسة في العراق ،تكمن في إنزياح ثقل الآيديلوجا عن كاهل السياسة ، مايقتضي العمل على إنضاج فكر سياسي جديد ، يأخذ في الاعتبار واقع العراق بتلاوينه الإجتماعية والسياسية والمعتقدية ، لكنه لايغرق فيها ، ومن ثم البدء بطروحات عملية وواقعية من جهة ، ومقبولة ومفهومة للمجتمع من جهة ثانية ، يشترط فيها أن لاتحمل في مضمونها أو شكلها ، تحدّياً أو إلغاءاً للمكونات الإجتماعية على وجه الخصوص ، لكنها في الوقت عينه تشكلّ بديلاً للعقل السياسي الذي بات يرواح في مكانه متسبباً بالمزيد من المشكلات ، هذا ما يتطلب النظر في مجموعة من المعطيات والمصطلحات السياسية / الفكرية ذات البعد الاجتماعي ، وذلك من خلال العمل على إبراز أولوية رمزية العقل الجمعي ، على شخصانية الزعيم الفردي ، أي تحويل الرمز من الفرد المجسّد ، إلى الفكرة المنتجة ،فخطورة الزعامة الفردية – خاصة في العراق – أنها تتكسب وتعتاش من استثارة الكوامن العاطفية في المتشابه الاجتماعي ، وذلك باستغلال دعاوى دينية أو إثنية أو طائفية أو ماشابه ،ويتكون الرمز من هذا النوع عادة ، في الظروف الإستثنائية التي تتيح له أن يتقدم باعتباره منقذاً أو محافظاً على هذا المكّون أو ذاك ، ومن ثم فوجوده يوحي بنوع من الطمأنينة لمن يمثلهم ،حتى لو تسبب في ما ينتابهم من قلق ، ولما كان موقع الزعامة في الشعوب التي تحكمها العاطفة ، يتطلب استمرار الإثارة وإدامة زخمها ، لذا ينبغي إيجاد نوع من الأزمات التي تجعل ” الرمز” في موقع التناول الدائم من قبل الخصوم – خاصة المختلفين دينياً أو مذهبياً أو قومياً – ذلك مايعزز الإعتقاد الذي جرى زرعه في الأذهان المتعاطفة ، بسلسلة من ” المعلومات ” التي يجري ضخّها باستمرار عن ارتباط الخصوم بمؤامرات وأجندات واتفاقات تحاول النيل منه ، وصولاً إلى المكون الذي يمثله .
هذا النوع من الساسة ” الرموز ” كانت أثينا القديمة قد أدركت خطورته ، حيث اعتبرتْ إن استثارة عواطف الشعب بدعاوى من هذه الشاكلة ، يمثل خطراً على حرية الشعب في حسن إختياره لمن يمثّله بناءاً على معطيات العقل ،لذا يُكتب إسمه على أصداف المحار(1) ثم يقترع المواطنون لنفيه لمدة لاتقلّ عن عشر سنوات كي تُمنح المدينة فترة كافية للتخلص مما يكون قد أحدثه من تأثيرات في النفوس ، أما المغزى من أغلفة المحار ، فهو إسقاط رمزي بالغ الدلالة ،ذلك لأن الصيادين كانوا يجمعون أطناناً من المحار من أجل الحصول على بضع محارات تحمل اللؤلؤ الثمين ، فيما ترمى الأصداف بعد اكتشاف فراغها ،لذا فوضع اسم من يراد طرده ، على أغلفة المحار ،يعني القول بأن قيمته لاتزيد عن قيمة الأصداف ، لأن جوهره مخادع كمحارة فارغة .
2 -: الديمقراطية : درج الباحثون والسياسيون على تعريف الديمقراطية بأنها حكم الشعب ، ثم أضافوا عليها ( بواسطة القانون ) ، لكن المتتبع للديمقراطية منذ نشأتها في أثينا ( القرن الخامس ق/م ) يلاحظ أنها عنت في ممارستها قرار الشعب وليس حكمه ، إذ ترك الحكم للسلطة ، التي يختارها الإثينيون بعد اجتماع موسّع للذكور البالغين يعقد في الساحات العامة ، والاقتراع من ثم على قرارات مصيرية ، كتنصيب حاكم أو عزل آخر أو إعلان حرب أو عقد معاهدة ، لذا فالديمقراطية تعني في جوهرها ( قرار الشعب بواسطة الإقتراع ) أما الجهة المكلّفة بإيجاد الوسائل اللازمة ووضع الآليات المناسبة للتنفيذ ، فهو الحاكم أو الحُكومة ، وقد سميت كذلك نسبة إلى حقّها في استخدام صلاحيتها التنفيذية في تطبيق قرارات الشعب بواسطة قوانين وضوابط ، ملزمة بالمقابل لجموع الشعب الذي اتخذ القرار بشأنها أو وافق عليها وذلك ضمن معادلة ، القرار بالأكثرية (الشعب ) الإلزام بالأقلية ( الحكومة ) أو القرار العام للحكم الخاصّ ، وفيما تسعى الأقلية للنجاح في تطبيق القرار ، يسعى الشعب إلى دفعها لما انتدبت من اجله ، وذلك بمراقبتها وتقييمها إن أحسنت ، ومحاسبتها إن قصرّت ، و استبدالها إن أخفقت ، يجري ذلك ضمن مقاييس موضوعية عقلية لاتلعب فيها العواطف أو الدعاوى المعتقدية أو الايديلوجية دوراً محورياً ، بعد أن يتخلص العقل من عوامل إفساده – كمثل رجل المحار آنف الذكر – .
كانت أثينا مدينة صغيرة لاتجد صعوبة في أن يجتمع مواطنوها في مناسبات معينة للاقتراع المباشر على قوانينهم ومراجعة شوؤنهم ، لكن توسع المدن وتكاثر ساكنيها ، اقتضى أن ينتدب المواطنون من ينوب عنهم في الاجتماع لاتخاذ القرارات أو وضع التشريعات ، لذا ظهرت المجالس التمثيلية في روما القديمة ، ثم انتقلت إلى الديمقراطيات الحديثة ( شيوخ أو نواب أو عموم – الخ ).
وهكذا قيض للديمقراطية أن تؤخذ بكونها مفهوماً غربياً جذراً وممارسة ، ما أوقع بعض المثقفين العرب في وهم القياس ، لتحديد نموذج للديمقراطية يمكن أن يُنقل أو يطبّق أو يستلهم في بلادهم .
يقول أحد الباحثين العراقيين بنوع من الافتخار، إنه كتب مقالات وصف فيها ليبيا بعد سقوط القذافي بأنها (بدو قراطية ) أما في العراق فهي ( قبيلوقراطية ) ويقصد بها أن ليبيا تحكمها البداوة فيما العراق تحكمه القبيلة ، وبالتالي وصفها هكذا ،يوحي ببعض السخرية من إمكانية قيام ديمقراطية في هذين البلدين .
تفكيك الطروحات أعلاه ، يتكشّف عن خلط منهجي في اتجاهين : المفهوم السياسي للديمقراطية ،والمعنى الاجتماعي للنظام السياسي ، فالبداوة هي صفة لحالة اجتماعية ربطاً بالجغرافيا ، ولما كانت البادية تعني المساحات الصحراوية شحيحة الموارد التي لا توفر وسائل عيش تساهم في استقرار العدد القليل من سكّانها ،ما يدفعهم نحو التنازع المستمر ، للاستيلاء على مصادر المياه أو أماكن الرعي المتناثرة والمتباعدة ، كما أن شظف العيش في الصحراء ، جعل من الغزو واللصوصية نمط حياة وسلوك ، ما اظهر البدوي (2) كشخص يقاتل الحياة بشتى السبل من اجل الحصول على قوْته ، فترافقه في الصفات الفردية ، معالم الغلظة والوحشية واللجوء إلى الخداع وارتفاع نبرة الصوت حيث المناداة للصديق والزجر للعدو والصيحة في الحرب ، فيما يترافق واقعه الجمعي ، مع التنقل الدائم وعدم الاستقرار والميل إلى التصرف غير المنتظم والاحتكام إلى أعراف وتقاليد مما أفرزته قسوة الحياة في بيئة كهذه ،ذلك ماينتج بمحصلته تنافي البداوة مع القيم المدنية ، حيث تشابك العلاقات وتعدد مستويات العيش وتنوع مصادره ، يتطلب سلوكاً مختلفاً يقوم على إجادة فن المخاطبة وطبيعة الصلات مع الآخر والانتظام بقوانين محروسة بقوّة منظمة ومدججة بالسلاح ،تشرّع ماقد تلجأ إليه من إلحاق العقوبة بالمخالفين ، كذلك ماتوفره المدنية من منجزات والتمتع بما تمنحه المكتشفات والعلوم ، الخ ( 3) .
لكن ذلك لايمنع أن القبائل البدوية استطاعت إيجاد نظم تتناسب وحياتها ،فعقدت تحالفات ومعاهدات للتعاون فيما بينها أو إحلال السلام في أشهر معينة أصبحت عرفاً ، أو القيام بالحرب أو صدّ هجوم معاد أو ماشابه ، أما قيادتها والإشراف على شؤونها ، فقد مارست القبيلة أسلوباً يشابه في بعض وجوهه ، ماكانت تمارسه أثينا ،إذ يُعقد بين رجال العشيرة البارزين ، مجلس يفصل في القضايا المهمة كعقد الصلح أو التحالف أو الارتحال أو الإعداد للغزو – الخ ، كما كان أفراد القبيلة يتمتعون بقدر كبير من الحرية للإدلاء برأيهم ومناقشة كبيرهم الذي بإمكانهم استبداله إذا لم يحسن قيادة القبيلة أو تخاذل في حرب أو كان بخيلاً أو كاذباً أو مما ترفضه أعرافهم وقيمهم ، لكن الأثينين دوّنوا ووثقوا ، فيما اكتفت القبائل بكلمة الشرف ، وقد جاء الحديث النبوي عن ضرورة المكاتبة ” إن اتفقتم فتكاتبوا ” ليتدارك نقصاً حضارياً في هذا الجانب ،كما يؤخذ على الأنماط القبلية عملها بعرف : العدالة في القبيلة ، والغلبة على الآخرين ، وهو مايخالف قاعدة : العدالة للشعب بقانون يسري على الجميع – كما يفترض – .
لقد ارتبط ( الشعب ) بالدولة – غالباً – و الدولة بالديمقراطية ضمن مفهوم (الدولة الديمقراطية ) موضع الحديث ، ولأن القبائل البدوية قبل الإسلام ، لم تعرف الدولة سوى في السهول القريبة من البادية كالحيرة واليمن مثلاً ، لذا أُخذ التصور عن صعوبة تحقيق الديمقراطية في بلد يعيش ( البدوقراطية ) أو (القبيلوقراطية ) سابقتا الذكر .
(*) :الشائع في المعرفة إنها تُطلق على الكمّ من المعلومات التي يحويها كتاب أو يعرفها شخص أو جماعة ما ، باعتبارها مشتقة من المصطلح عرف بالشيء :رآه عن قرب أو اطلّع عليه أو جربّه أواستخدمه أو حفظه ،لكن مصطلح “المعرفة” في استخداماته الحديثة ، لم يعد يعني معرفة ماينتجه الآخرون فيصبح معلومة يمكن تحصيلها، بل على مايمكن أن يُنتج ليصبح جديراً بأن يعرفه الآخرون ، نظراً لأهميته أو مقدار احتياجهم إليه ، لذا فالشعوب الأكثر تطوراً ، هي الأكثر انتاجاً للمعارف ، وليس الأكثر استهلاكاً للمعلومة وحسب،وبالتالي فلامجتمع عارف دون انتاج معرفي ، مايعني الربط بين ثقافة المعلومة وإمكانية تحصيلها ، والسعي لأنتاج المعرفة ورعاية مبدعيها، سواء في السياسة والعلوم الإنسانية بنظرياتها وأفكارها ،أو في العلوم التطبيقية بما تخترعه أو تكتشفه .
(1)- راجع : ( عن رجل المحار والذئب المنهار وسيناريو الحرية ) العراق غمد السيف أم درب المعبد ؟ ص55 .
( 2)- المفردة المستخدمة عند بعض الشعوب ، تتعلق أساساً بطبيعتها الجغرافية ، ففيما تستخدم كلمة ( بدوي ) اشتقاقاً من الفعل (بدا ) أي بان من بعيد دون تبيان ملامحه ،فإن اقترب أكثر قيل ( لاح ) – وهذه تستخدم كذلك عند سكان السواحل – أي صار بإلامكان رؤيته وهو يلوح بيده أو بسيفه أو بما يحمله ، هذا ما تتيحه (البادية ) أي تلك السهول الرملية الخالية في العادة مما يحجب النظر، أما سكان السهول ذات الزرع أو الأشجار ، فتُشيع عندهم كلمة (ظهر ) أي بان للنظر من دون عوائق ، فيما يفضّل سكان الجبال استخدام ( طلّ) أي شوهد في علوّ ، ونَظر من أعلى .
3) – للمزيد راجع : سلوكية العواصم وفعل السياسة – جريدة المواطن – الاثنين 20/ 6/ 2011.
2: الشعب – العرف – القانون – السياسة .
إن كلمة شعب إنما اشتقت من (شُعب أو شعاب ) و تعني كثرة الدروب المتفرعة من درب واحد أو المؤدية إلى درب واحد ،كذلك هي الفسحة بين جبلين أو اجتماع القوم على مايصلح أمرهم – الخ ،وقد استخدمت في السياسة(1) كمصطلح يعني كثرة المهمات وتعدد مستوياتها وامتلاك خصوصية سياسية ونظام اجتماعي للهوية القانونية التي تحدد واجبات وترتب حقوقاً لمواطني الدولة ، أما الدولة في أعمق مضمونها ، فهي الدالّة السياسية ( أو التعبير السياسي ) عن الوحدة الجغرافيا لشعب ما ، وعليه فكل دولة تعني وجود شعب قطعاً ، لكن ليس كلّ شعب يدّل على وجود دولة قائمة، كما في حقيقة كل مطر هو ماء ، لكن ليس كلّ ماء هو مطر، فقد كانت مواصفات الشعب تنطبق على المجتمع المكّي قبل الإسلام ، لكنه لم يشكّل دولة ،أما الشعب الفلسطيني في العصر الحديث ، فمازال شعباً من دون دولة .
ولكي تكتمل مقومات الدولة عند شعب من الشعوب ، لابد له من مقومات أربعة ، هي :
– حضن : أي ارض تمكّنه من التجمع والاستقرار
– نبع :مصدر ماء أو ثروة يوفران له وسائل العيش
– ظلّ : مصدر حماية وأمن وإدارة (2)
– إرادة :أي قرار الشعب المعني بإقامة الدولة وامتلاك أو توفير القدرة على حمايتها وضمان استمرارها .
تمثل القبيلة التكوين الاجتماعي الأكثر وضوحاً وتماسكاً في تكوينات ما قبل الدولة ومن ثم تستمر قائمة بعد إنشائها ، والقبيلة مشتقة من الفعل أقبلت :جاءت أو حضرت ، وقبلت :رضيت أو وافقت ، مايشير إلى نمط حياة تقضيها جماعة تنتمي إلى عرق واحد وتعيش في أماكن متقاربة، تحارب معاً وتحتمي ببعضها ،وقد ترتحل إلى أماكن أخرى بالاتفاق مع قبائل سبقتها إلى تلك الأمكنة ، عندها ينطبق الفعل أقبل (للمرتحل) وقَبٍِِل (للمقيم ) أو أقبل الغزو إن كانت حرباً ، أما العشيرة ، فهي الوحدة الأصغر من القبيلة حيث العشرة والمعاشرة تعني مشاركة الحياة كما في صلة القرابة والتزاوج وغيرها ، من هنا أطلقت مفردة عشير وعشيرة على الزوج والزوجة بنسبة أحدهما للآخر.
البيئة الجغرافيا تحتم على ساكنيها اتخاذ مهن تتلاءم وماتوفره تلك البيئة ،وكما شاعت اللصوصية وقطع الطرق والغارات ، حيث تكثر القوافل المرتحلة أو المحملة ببضائع التجار ،أو حيث تقطن القبائل في العراء غير محمية وراء أسوار أو أبواب مغلقة مما توفره المدن ، شاعت كذلك القرصنة في البحار والسطو والسلب في الجبال والنشل والاحتيال في المدينة ، لكن تاريخ السياسة أظهر إن ذلك كلّه ، لايمنع من إقامة الديمقراطية في شعب حكمت عليه بيئته الجغرافية بأنماط وسلوكيات معينة ،وإلا كان ينبغي إطلاق صفة (فايكنج قراطية) على البلاد الاسكندينافية حيث كان القراصنة الفايكنغ يمارسون سلب السفن ، و(هون قراطية) على ألمانيا وأجزاء من أوروبا حيث انتشرت قبائل الهون وقائدهم الشهير آتيلا المماثل لتيمورلنك وهولاكو ، وكانت روما القديمة قد أطلقت على القبائل الجرمانية كذلك ، لقب ” البرابرة ” كمعادل للوحشية والقسوة .
كانت أوروبا قبل عصور النهضة وإبانها ومابعدها وصولاً إلى العصر الحديث ، قد اكتسحتها الحروب والفتن والانشقاقات ، كنتيجة لعدم الإقرار بحقّ الآخر وقبوله دون تمييز ، وهو ماتتطلبه الديمقراطية التي لم تأخذ مكانها في أوروبا إلا بعد عقود من الصراعات الدامية ، لتستقر من ثم على نظام مرن يضمن حرية الأفراد والمجتمعات ، بواسطة عقد متفق عليه مع دولة توفر له الرفاه وتتبادل السلطة سلمياً عبر صناديق الاقتراع ، ومع ذلك ، فإن التجمّعات السكّانية في مدن الديمقراطيات العريقة ، ورغم قطعها أشواطاً طويلة في التحضر ، بقيت تفرز أنوعاً من العصبية “القبلية” القائمة على العرق أو الدين أو الطائفة ، وهناك مدن كبرى تُعرف بأكثريتها من جنس سكّاني واحد يجمعه معتقد أو عرق أو لون ، فيما تتجمع أقليات في أحياء متجانسة ،كأحياء السود أو اللاتين أو الصينيين أو غيرها ، في المدن الأمريكية ، أو أحياء البروتستانت أو الكاثوليك في المدن الأوروبية وماشابهها ، وقد يعيش سكّان تلك الأحياء فيما يشبه العزلة أو الحماية الذاتية ، وهي ظاهرة لاتكاد تخلو منها دولة في العالم .
يلاحظ في التجمعات المذكورة ، أنها مازالت تحتفظ ببعض أعرافها وتقاليدها من طقوس وسلوكيات واحتفالات ومناسبات وقيم موروثة ، وبالتالي لاينظر أحد بغرابة ، في رؤية أناس من قبائل الهنود الحمر يرتدون الرياش الملونة أو يصبغون وجوههم بالألوان فيما ترتدي نساءهم الثياب القبلية التقليدية ، وهم يمارسون رقصاتهم وكرنفالاتهم المميزة في شوارع نيويورك أو غيرها من المدن الأمريكية أو البرازيلية أو سواها ، كذلك لايستنكر أحد أن يقوم الأمريكيون من أصل ياباني أو صيني ، بتناول الأرز عن طريق عصوين أو افتتاح مطاعهم الخاصّة ,ولايعتبر ذلك منافياً للديمقراطية أو خادشاً لها .
مايستنتج من ذلك ، إن الأعراف بما هي سلوكيات اجتماعيات متأصلة نتيجة لما راكمته أساليب العيش في أنماط بيئية معينة ، تصبح جزءاً من الكينونة الفردية ، إضافة إلى بعدها الإجتماعي ،وبالتالي تُمارس طوعاً بدوافع ذاتية يحرسها محيط مجتمعي ،أما القانون ، فيمثّل المواد الوضعية واجبة الخضوع ، تقوم بتطبيقه دولة تحتكر استخدام القوة ،ويكون في الغالب من وضْعها ويعدّل برغبتها أو بطلب منها ، و فيما يتطلب القانون تدويناً وتقسيماً في مواد تسلسلية مخصصة لمعالجة كل خلل أو خروج عمّا هو محدد من ضوابط ، واحتوائه على جدولة للعقوبات تتدرج في شدتها حسب نوع المخالفة أو الجرم المرتكب ،وبالتالي يسهل تغييره أو تعديله كلّه أو بعض مواده عند الضرورة ،يمثلّ العر ف، ماتعارف عليه الناس من مفاهيم الخير والشر ، والحق والباطل ، والخطأ والصواب ، وغيرها مما وجدوه مناسباً ومن ثم ارتضوه لأنفسهم من قيم ومعايير تلائم أنماط حياتهم في مرحلة ما ، لكنه قد يتحول في مراحل لاحقة إلى عائق أمام ماتشهده تلك المجتمعات من تطور في أنظمتها أو وسائل عيشها أو طبيعة علاقاتها – الخ ، ولما كان العرف قد تأصل في النفوس وأصبح جزءاً تكوينياً يصعب تغييره ، باعتباره موروثاً متناقلاً شفاهاً ، وليس مكتوباً نصّاً كي يمكن النظر فيما عتق من مواده ليجري تغييرها كما في القانون،لذا ارتبطت الديمقراطية كنظام سياسي ، بالقانون كضابط حقوقي ،وليكون من ثم مؤشراًً على مفاهيم : التطور في الدول ، والحيوية في النظام ، والضبط في السلوك ، والتساوي في الجزاء ، والعدالة في تكافوء الفرص للأفراد ، والممارسات الخاصة للجماعات ، مادامت تتمّ ضمن القانون العام .
نستخلص مما سبق ، أن الفارق بين العرف والقانون يمكن تبيانه في أن الأول متوارث سلوكي ينفذّ طوعاً برقابة المجتمع ، فيما القانون موضوع نصّي ينفذ قسراً بقوة الدولة .لكن القانون أكثر قابلية للتغيير ، فيما العرف أكثر ثباتاً ، وعلى ذلك فالدولة الأكثر تطوراً ليست تلك التي تسودها أحكام القانون وحسب ، بل التي يصبح فيها القانون عرفاً ,وبالتالي يتحوّل من كيانية قسرية موضوعة ، إلى قواعد سلوكية ثابتة، ومن متغير بالاستجابة ،إلى متأصل بالطبيعة ، فيتصرف معه الإنسان بطواعية وتلقائية ، ومن ثم يصبح احترام القانون معياراً للسلوك الفردي كما للثقافة الجمعية ، لذا ينتسب العرف إلى الكينونة ، ويعني عرف الشيء فمارسه أو إمتنع عنه ، وذلك حسبما ارتآه المجتمع من حسن يسمح بممارسته أو سيء ينبغي تجنبه ، فيما القانون ينتسب إلى الكيانية التي تعني صنع الشيء / قام بتكوينه أو تغيير ما كان عليه ، وحين يتفاعل الاثنان في المجتمع والفرد على السواء ، تكون الدولة المعنية في قمة إزدهارها وتطورها ، ماينعكس إيجاباً على تراجع ظاهرة الجريمة والفساد والرياء والرشوة والاستغلال الوظيفي وسواها .
من مقومات الديمقراطية أنها قد تقبل التعميم ، لكنها لاتقبل الإستنساخ ،
فهي بمثابة الإطار الذي يحيط بالصورة لحفظها، لكنه لا يحدد ملامحها الخاصة ولا ألوانها، من هنا يرتكب بعض الكتّاب والباحثين العرب ،هفوات القياس بالنموذج ، فيحكمون بالفشل المسبق على شعوب بدأت بالبحث عن سبلها الخاصة في ديمقراطية تعمل على إنشائها ، إذ لا يعاب على مجتمع ما، أن البادية تشكل ثلاثة أرباع مساحته ، وإن أعداداً كبيرة من شعبه بقبائلها وعشائرها وتقاليدها وأعرافها ، مازالت تعيش الأنماط التي وفرتها تلك الأرجاء .
لاشك أن تلك الشعوب تواجه صعوبات جمّة أسوة بكلّ المجتمعات التي أقامت ديمقراطيتها ، ومن الطبيعي أن تتعثر ، بل قد لاتنجح تماماً إذا سارت على نهج لايستجيب أو لايقترب من متطلباتها ، ومن ثم يضع قانوناً يترك للحياة أن تأخذ مجراها وللزمن أن ينضج التجربة بعد وصف معالم الطريق الذي ينبغي سلوكه بواسطة الدستور كما مرّ ذكره لتأتي التجربة فترصفه وتصقله.
الرسالات السماوية تخبرنا عن ذلك في تشريعاتها الإجتماعية ،فقد جاء موسى بشرائعه ووصياه العشرة كقاعدة معيارية للسلوك ( لاتقتل – لاتسرق – لاتكذب لاتزن — الخ ) ليصبح مخالفها معرضاً للعقوبة، فيما نادى المسيح بمحبة الآخر وطلب العيش معه بسلام ، كي تكون بديلاً للكراهية بين البشر وما تثيره من جرائم وحروب ، أما الإسلام ، فلم يصدم العرب في أعرافهم ، إذ احترم الصالح منها كالتواصل والكرم والمرؤة وإجارة الملهوف وتأمين الخائف وإكرام الضيف ، كذلك أعيادهم ومناسباتهم الإجتماعية والدينية كالحج إلى مكّة والاجتماع السنوي في عكاظ وغيرها ، كما اقرّهم على أنسابهم القبلية معتبراً ذلك استدلالاً على رحمة الله ( وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ) لكنه أنكر عادات اتخذوها كوأد البنات والأخذ بالثأر وعبادة الأصنام وشرب الخمر وغيرها ، فمنها ما نهي عنه ، ومنها ما طلب تجنبه ،فيما حرّم بعضها قطعاً ووضع لها حدوداً في العقاب .
العراق من أكثر البلدان بحثاً عن السياسة والأكثر تأثراً بنتائجها ،لكنه الأقل نصيباً في الاستفادة منها ، فهو يكاد يغصّ برجال الفئتين الثانية والثالثة في جدول السياسة (1) فيما يكاد يفتقد إلى رجالات الصنف الأول ، ومرد ذلك يعود إلى أسباب عديدة ، منها مايقع ضمن الموروث ، ومنها ماهو حديث أو مستحدث ،وبالإشارة إلى أهمها يبرز مايلي :
1: تَوفر البيئة الحاضنة لمفهوم ” الرمز ” أو الزعيم ، فالمجتمع العراقي ذو الصلات القديمة بالدين والمعتقد ، يميل بطبيعته إلى نوع من التحليق الروحي فيما يخصّ الدين ، وبالتالي يبدو أكثر استعداداً للإيمان بأنه سيثاب جرّاء تعلقه بالقائد / الرمز ، ذلك لأن الحياة السياسة في بلاده ، كانت دائمة الاضطراب كما أسلفنا، ما اوجب البحث عن مخلّص يوتوبي يلقي عليه آمال خلاصه ، وقد وجد ضالّته في عاملين يوفران له إطمئنان داخلي وسلام خارجي ، مما تتسبب به السياسة في ظلّ حكّام جائرين ، إنهما : الدين بحضوره ، والقبيلة بقربها .
الدين بما يقدمه من وعد بخلاص “مؤكد” للمظلوم، ووعيد “مؤكد” للظالمين ،يكون المنفذ الأول للإنسان الذي هبطت به الحياة إلى قيعانها، لكن الدين قد لايثبت حضوره بقوة كافية تجعل من ذلك الإنسان ينشدّ إليه بشكل مجرد أو انقياد تلقائي ،لذا لابدّ من اختلاق حوافز دائمة تجعل الدين لايكتفي بكونه وعداً قد لايأتي ووعيداً قد لايحصل ، بل معطى ناجزاً يمكن استثماره في الحاضر ومن ثم تحويله إلى ” رأسمال ” يصرف عند الحاجة إليه ، لذا ينبغي أن يكون مهيّئاً بجهوزية تجعله فاعلاً عند الإستخدام وحاضراً عند الطلب.
تلك هي المهمة الأولى لمايمكن تسميته ” الإستثمار الديني ” لكن الدين هنا باتساع تعاليمه وشمولها أعداداً من الناس قد لا تنضوي كلها تحت مسمى واحد يمكن السيطرة عليه ، فالاستثمار ينبغي أن يدار ، بمعنى أن يضبط ويمسك جيداً كي يوجّه كما يراد له .
هنا تنبثق أهمية رجال تخصصوا بهذا النوع من الشؤون ،ليؤدوا مهمة مزدوجة : السيطرة على الدين لصالح الناس ، والسيطرة على الناس لصالح الدين ،
لكن النتيجة المتحصلة تكون في الغالب : السيطرة على الناس لصالح أناس ، أي لكي يصبح القليل من الناس أصحاب سلطة ونفوذ ومركز ومال ، ومن ثم يكتمل الاستثمار بأقصى ربحيته ، لابد من أن يقوم على خدمتهم الكثير من الناس .
الربحية متعددة الإتجاهات في مثل هذا النوع من العمل ، وسهولة القيام به ، جعل التنافس عليه شديداً ، فغرف كلّ من القائمين عليه ، من النهر ذاته ليسقي ماحصل عليه من مساحات ، مع الإستمرار بالزعم إن الماء الذي يغرفه ، هو الأكثر طهراً لأنه يأتي من نهره الأصلي مباشرة من دون مروره بملوثات ، وبالتالي فهو وحده الكفيل بطمأنينه المستقين منه حصراً .
ذلك مايفسر تعدد الطوائف المتنافسة في الدين الواحد ، وتعدد الاجتهادات التنافسية في الطائفة الواحدة ،وكلها تمتهن العمل تحت يافطة ” خلاص الإنسان ” على أن لايُترك للإنسان مجال الإختيار ، فكلّ يجذبه بلين تارة ، وبشدّة تارة أخرى ، محذراً إياه من سلوك طريق الآخرين من الطوائف ، أو عدم التمسك بطريق طائفته لأنه الوحيد الجدير بإلايصال إلى الخلاص ، وماسواه غير تيه وضلال .
هكذا فقد الإنسان في الجوهر ، مصدر خلاصه الأول ( الدين ) الذي تحول إلى استغلال ربحي يدفع إلى التوتر والكراهية أكثر من تحقيقه الإطمئنان ، فيما غياب البحث عن بديل ،يزيد في تفاقم الأمور .
في بيئة كهذه ، يولد ” الرمز” الديني ( الطائفي ) باستثمار سياسي ، أو” الرمز ” السياسي برأسمال ديني ( طائفي) ، ماتتشكل محصلته بغياب الخلاص وتكاثر المشكلات .
أما القبيلة والعشيرة ، القسم الثاني من ” وعد ” الخلاص ، فهي الأقل تكلفة والأكثر التصاقاً ، لكنها الأكثر اتهاماً باعتبارها من علامات فشل الدولة وتخلف المجتمع (3) .
(1) : تضمّ السياسة بصفة عامة ، ثلاث من الفئات هم على التوالي :
أ- السياسيون :هم من يضع قواعد السياسة وأساليب ممارستها وأشكل تطبيقها، وتشمل أصحاب المناصب العليا في الدولة والمؤثرين في القرار ، من قادة أحزاب فاعلة – مشاركة في السلطة أو معارضة لها – ورؤساء الكتل النيابية ، والبارزين من النواب أو من هم في موقعهم
ب- المشتغلون في السياسة : وتتكون من أعضاء الأحزاب المتفرغين ، والكوادر الحزبية ، والمستشارين المقربين من أعضاء الفئة الأولى .
ج- الملتصقون بالسياسة :وهم عموماً الموظفون في المكاتب الحزبية والدواوين الحكومية من محررين ومندوبين وكتبة وإداريين ومرافقين وماشابه.
(2) : (الدولة والهوية – أدارة التبدل ، مؤسسة الثبات ) جريدة المواطن – 28 /8 / 2011
( 3) للمزيد – راجع ( العشائر العراقية ومشروع الدولة والمواطنة ) – حزام النار – ص 75 – دار العارف – بيروت – للمؤلف
3 : الحُكم – الحكمة – المُبارك – الحب .
علاقة العراقي بالدولة ، قامت بمعظمها على طرفين حادّين : أما خضوع مستسلم بمايعنيه من انتهاك روحي يؤدي إلى اضطراب يدفعه نحو اليأس والكسل والشعور بعبثية الحياة ولامعقوليتها ،أو تمرّد يقوده إلى الهلاك أو التشرّد .
تلك هي المعادلة التي وسمت تاريخ العراق ، بدلالة إن أبرز من حاول مقارعة السلطة بتقديم معرفة جديدة أو فكرة بديلة أو نصيحة متقنة خارج ما يرغبه الحاكم/ الملك ،دفع حياته أو حريته أو استقراره ثمناً .
كانت مقارعة الحكمة للقوة تسير وفق تراتيبة على مسار واحد : يقتل الحاكم الحكيم ( أو يضطهده ) فيأتي حاكم آخر ليقتل الأول ، ثم يقوم الحاكم الجديد بقتل أو اضطهاد حكيم آخر ،ليأتي بعدها حاكم فيقتله ثم يقتل أو يضطهد بدوره حكيماً ، وهكذا يتوالى تصادم الحكمة الذكية ،مع القوة الغاشمة ،وفيما تُعنى القوّة بنفع الذات وإن بضرّ الآخرين ،ترسي الحكمة قاعدة :نفع الذات بنفع الآخرين أو التضحية بالذات لنفع الآخرين (1) وفيما تضعف القوة وتتضاءل بفعل الزمن، تقوى الحكمة وتنتشر وإن بعد زمن.
في الموروث الديني من عصر الملوك ، يُطارد النبي إبراهيم ، وينبذ أيوب ويُحكم بالقتل على أحيكار الحكيم (2) ، وفي عصر الحاكم / الخليفة ، يُقتل الحسين ويُعدم ابن المقفع وتقطع أوصال الحلاج ويطرد التوحيدي ويشرّد المتنبي ، ثم يحلّ الحاكم / الرئيس ، ليموت السياب وحيداً ، ويصرخ البياتي ” غرباء ياوطني نموت ” فيما يضطهد عزيز السيد جاسم ويُلعن الوردي ، سلاسل متواصلة من ” جلاد يمسك جلاداً ” على قول مظفر النواب .
في المقابل من ذلك ،لم يكن التاريخ العراقي يسير على هزيمة الإبداع في الحكمة ، وانتصار القوّة في الحاكم وحسب ، إذ تملّص” العقل الجمعي العراقي ” المسربل بالحكمة منذ أقدم الأزمنة ، لينتج مجموعة من الإبداعات الجمالية المعززة علمياً ، فقد أوجد عادة التبرك ب ” الأربعين ” من المناسبات ، و” السبعة ” من الأيام ، ليدخلها في كل مايمكن للعقل البشري – بصيغته الفردية أو صفته الجمعية – أن يبدعه أو يتعارف عليه .
فالتبرّك بتينك الرمزين ” الأربعين والسبعة ” مستمدّ مما ترك العراقيون القدماء في الحضارة الرافدينية ، من إرث ديني واكتشاف علمي على السواء ، صيغ بالعديد من المعتقدات الموروثة التي تبنّتها أو نسجت عليها أو استلهمتها لاحقاً ، شعوب وأمم على مختلف دياناتها ومعتقداتها وطقوسها .
مايجعل ” الأربعين ” رقماً مباركاً ، تعود في أصلها إلى معتقد سومري / بابلي ، أشتق من ظاهرة في الطبيعة حيث الأيام الممتدة من 21 كانون أول إلى نهاية كانون ثاني التي يطلق عليه الأربعينية أو المربعانية ، يكون فيها فصل الشتاء قد بلغ ذروته في كثافة تساقط الأمطار وهبوب الرياح الباردة – خاصة في العراق – وقد اعتقد السومريون والبابليون إن الإله الموكل بالمطر والعواصف هو إنليل (3) كبير آلهتم بعد ( آنو ) إله السماء ، من هنا نسبوا تلك الأيام الأربعين إلى الإله الماطر الذي ينشط في مثل هذه الفصل من السنة ، اعتقاداً منهم بأنها مفضلة لديه، ومن ثم جعلوا منها رمزاً مباركاً تيمناً بالاعتقاد المذكور .
كما ينسب كذلك إلى المعتقد القائل بأن روح الميت تبقى تطوف في منزله مدة أربعين يوماً قبل أن تفارق بشكل نهائي ، إيحاءاً بأنها تنتظر في أربعين ( الإله ) المباركة ، كي تستقي مما يرسله إنليل أو ما يُعوض عنه ، وربما من هنا جرت العادة المعروفة منذ عصور ماقبل الميلاد ، التي تقضي بإحياء ذكرى الميت بعد أربعين يوماً على وفاته ، بما يتخللها من أطعمة توزع أو تؤكل على رحمة روحه ، كي تكون رحلته آمنة ومباركة نحو الأبديّة ، ذلك في الموروث المعتقدي أو الإسطوري .
أما المقابل العلمي ، فيُعتبر بلوغ سنّ الأربعين بالنسبة للإنسان ، الحدّ الفاصل بين انتهاء مرحلة الشباب حيث الحيوية الجسدية والاكتساب الروحي والعقلي ، وبداية مرحلة الشيخوخة حيث النضج في الروح والعقل ، والميل إلى التأمل بعد تحقيق الاستقرار المعيشي والعائلي ، وتمتد بركات ” الأربعين ” لتشمل الطفل الوليد حيث من المتعارف عليه علمياً إنه بعد أربعين يوماً من ولادته ،يبدأ بتحديد ملامح وجه أمه والتعرّف عليها وتمييز الألوان ،وفي الأيام عينها ، تكون بعض النساء من الإمهات قد استعادت دورة الخصب الشهرية بعد توقفها طوال أشهر الحمل ومايتبعها في المرحلة الأولى من الرضاعة بأيامها الأربعين حيث يكون حليب الأم أكثر غزارة وعطاءاً .
، أما تقديس “السبعة ” فمشتق من الإعتقاد بأن الإله ( آنو عند السومريين ومردوخ عند البابليين ) قد أكمل الخلق في ستة أيام ثم استوى على الغمر أو العرش في اليوم السابع ،وقد دخل ذلك المعتقد في الديانات السماوية الثلاث ، فاتخذ اليهود يوم السبت تبرّكاً أسبوعياً باستراحة الرب بعد انجاز الخلق الكوني ، فيما تبارك المسيحيون بيوم الأحد أي اليوم الأول من بدء الخلق ، أما المسلمون ، فقد اعتمدوا يوم الجمعة حيث ” اجتمع ” أي اكتمل خلق الله للكون .
في الجانب العلمي ، جاءت تسمية أيام الأسبوع طبقاً للكواكب السيارة السبعة التي كانت معروفة لديهم ، فكان الأحد اليوم الأول ( يوم الشمس) و الإثنين اليوم الثاني (يوم القمر) واليوم الثالث (الثلاثاء ) يوم زحل ويوم وعطارد والمشتري والزهرة والمريخ ، وهكذا ربطت الشعوب القديمة معتقداتها الدينية بظواهر كونية ، لتجمع المعتقد الديني مع الانجاز العلمي ، ما ساهم باكتشاف وتطوير علم الفلك والفيزياء والكيمياء والرياضيات وسواها ، كذلك وضع التقاويم وأسماء الشهور وعدد أيام السنة ووحدات القياس وحساب الدائرة وعلم الأبدان وعلوم الإنسان – الخ ، لتكون الأساس لما تبعها من تطور في العلوم والمكتشفات .
لم تتوقف إبداعات الحكمة العراقية عند الجانبين المعتقدي والعلمي ،بعد أن اكتشفت بأن الذات البشرية تتكون من عقل وعاطفة ينبغي أن يقوم كلّ منهما بوظيفة تنسجم مع الأخرى ، فطغيان العقل على العاطفة ، يجعل من الإنسان آلة مفكّرة تعرقل مسار الحياة ومتطلبات تنظيم علاقة الإنسان بالإنسان – فرداً ومجتمعاً – وعلاقته بالكائنات والأشياء الضرورية لحياته ، أما طغيان العاطفة ، فينتج عنها بقاء الإنسان في قطعان تعيش في الكهوف وتعتاش على الطرائد ومصارعة الوحوش بما فيها الأكثر قوة والأكبر حجماً .
كان لابد من تدخل العقل بمنهجه وتفسيره وقدرته على الملاحظة والاكتشاف ، على ما تختزنه العاطفة أو محركاتها من مشاعر وأحاسيس وانفعالات ،وهكذا توازنت الحياة بسويتها ، ليعمل العقل بوجود العاطفة ، فلا يتنمط هذا ، ولا تجفّ تلك .
لقد أوجدت الحكمة ذلك الانسجام بين حركة المجتمع ونشاط الفرد ، بين تفوق المجتمع فيما يتبناه ، وتفوق الفرد فيما يبدعه ،فجعل من المعرفة إنتاج فردي ومن تعميمها نتاج جمعي ، أي أن المكتشفات والمخترعات العلمية والإبداعات الجمالية ، عممت بالنتائج وخصصت بالاكتشاف – فرد يبدع ومجتمع يتبنّى – وفيما يُعنى العقل الفردي بالتدقيق في خصائص الأشياء التفصيلية لاكتشاف كنهها وماهيتها وطبيعة تركيبتها وعلاقة أجزائها وتكويناتها ، أي كلّ ما من شأنه التحديد في الشيء، يذهب العقل الجمعي إلى التعميم والشمول والإجمال ، أي إن الإنتاج الفردي يتحول إلى منتج جمعي في مسار انتقاله من حالة إلى ظاهرة .
ذلك ماسيشغل الحكماء والفلاسفة في الحضارات اللاحقة ، بدء من اليونانية والرومانية القديمة ، وصولاً إلى العصور الحديثة وما أنتجته من نظريات وعلوم في محاولات تفسير الرابط بين الحالات بفردانيتها ، والظواهر بمجتمعيتها .
الحديث عن العاطفة يمتزج في الحبّ، وذلك لإرتباط كلّ منهما بالآخر ، رغم إن العاطفة عنوان كذلك لمختلف المشاعر والأحاسيس بما فيها الغضب والكراهية والميول والنفور ،لكن الحب له الأولوية بينها، من هنا جاء الإبداع العراقي بأول أعياد الحب تقام له طقوس سنوية يتخللها التعبير عن تلك العاطفة بماتتطلبه من حرية .
كان السومريون أول شعب أحتفل بعيد الحب وذلك منذ الألف الرابع قبل الميلاد،ففي يوم محدد لبداية الربيع من كلّ عام ، يقام مهرجان احتفالي في معبد إنانا آلهة الحب والجمال السومرية ، يتمّ فيه تبادل الهدايا والتهاني وتمارس فيه مظاهر الابتهاج المعبرّة عن لقاء المحبين أو الساعين إلى الحب ، ثم انتقل إلى البابليين الذين احتفلوا بيوم عشتار المشابه لنظيره عند السومريين ، أنها الحكمة التي وضعت أول مناسبة للحب منذ الأزمنة الأولى للكراهية التي جسدتها قصة (قابيل ) قاتل أخيه ، وستحتاج البشرية إلى الكثير من التجارب المرّوعة ليقول أحد حكماء العصور اللاحقة ( كثيرة هي الأديان لتزيد الكراهية بين البشر ، لكنها قليلة لتنشر الحب بينهم).
الحكمة عند العراقيين القدماء ، مثلتها شخصية أحيكار الحكيم الذي عاش في القرن السابع ق/ م أي قبل ظهور أول رموز للحكمة الصينية (لاوتسي ) بأكثر من قرنين زمنيين ، لكن في وقت كانت فيه حكمة لاوتسي تنتشر بين الصينيين وتكتسب استمرايتها وتأثيراتها فيما جاء بعدها ، تحولت حكمة احيكار إلى حكايات ووصايا وأمثال مبعثرة لم تترك أثراً في الواقع السياسي العراقي ولم يتح لها من يشذبها ويؤصلها لتشيع وتنتشر ،إلا عند ظهور الأديان السماوية وبماجاء في الكتب المقدّسة عن لقمان الحكيم .
حكّام الصين لم يقتلوا حكيماً ، ولا اضطهدوا أو طاردوا صاحب فكر أو رسالة،قياساً بما حدث في أرض الرافدين ،التي من مفارقاتها أنها كما عرفت أول حاكم في العصور القديمة لم يخسر أيّاً من معاركه الكبرى (سرجون الأكدي ) كذلك شهدت على أول حاكم في العصر الحديث لم يربح أيّاً من معاركه الكبرى (صدام حسين ) .
الخلاصة مما سبق ، إن العراق قد وصل في كلّ عهوده إلى أن يألف الحكّام ولم يألف الحكماء ، يستحضر مافعله الحكام لماتركوه عليه من أثر ، ويتجاهل ماتركه الحكماء في عقله ، ذلك لأن لعنة الحكمة في العراق لاتشمل أصاحبها وحسب ، بل تشمل كذلك مريديهم ومن آمن بحكمتهم ، فإتباع الحاكم أكثر أمناً وأيسر عيشاً وأعلى مقاماً طوال عهده، لكنهم الأقل إدراكاً ووعياً وتمسّكاً بالقيم ، فيما أتباع الحكمة أصعب عيشاً وأشحّ رزقاً وأقلّ أمناً ، لكنهم أكثر ذكاءاً وقيمة ، فالحضارة إنما تطورت واغتنت بفضل عقولهم وحكمتهم .
المفاضلة بين الحاكم والحكيم في التجربة العراقية ، طالماً كان اختباراً بالغ الصعوبة لايستطيع خوضه إلا القلائل ،لذا تحولت مؤشرات الحكمة من معرفة الحياة وارتفاع منسوب الذكاء وحسن التقدير في تصريف الأمور والقدرة على إنتاج المعرفة والسعي لاكتساب المعلومة ،إلى اختزالها في مسعى واحد تركّز في معرفة السبل لإرضاء الحاكم والتقرّب منه ، من هنا يلاحظ تقبل الناس لمايقوله السياسي – باعتباره ضمن الطاقم الحاكم أو مقرباً – لأنه قد يحمل معلومة يمكن الإستفادة منها في التعرّف إلى عقلية الحاكم أو مايجري من حوله ، ولما كانت تلك المعلومة سهلة الاستهلاك ،لاتتعب الذهن في الحصول عليها ولا في محاكاتها، لذا لايؤاخذ السياسي إن تحدث عما فعله أو قاله أو رآه شخصياً ، بل يعتبر ذلك جزءاً من عمله ، أما المثقف ، فمايقوله قد يدخل في مفهوم المعرفة المنتجة التي تحتاج إلى جهد فكري لتقبّلها أو محاكاتها أو التحاور معها ، لأنها مازالت في موضع الافتراض ، كذلك قد لاتكون لها علاقة مباشرة بالقرار المتخذ بناءاً على المعلومة وحسب ، بل ربما تناقض بطرحها ، محتملات أخرى ليست مما يعرفه السياسي أو يسير وفقه ، على ذلك لانتقبّل من المثقف أن يتحدث بذكر ماكان قد فعله أو قاله أو كتبه أو نادى به ، باعتباره حالة فردية قد لاتعجب الحاكم أو من هو في صفه ،ذلك ماهو سائد في العراق ومايشابهه من المجتمعات ، فيما نجد عكسه في المجتمعات المتطورة ، حيث البحث عن المنتج المعرفي، أهمّ من قول السياسي غالباً.
ولما كان الحاكم أو السياسي ومازال ، يعتبر إن حاجته إلى القوّة الطائعة،يوجهها بما يراه لتعزيز حكمه ، تفوق حاجته إلى الحكمة اللائمة توجهه بما تراه كيف يحكم ، لذا لاغرابة أن يعود العراق في عهده الديمقراطية ، للمطالبة بزعيم يملك القوّة كي يحكم العراق كما في زمنه الاستبدادي ، ولم يطالب في المقابل بحكيم ذكي يستطيع أن يرى الغابة وأشجارها (4) بعين العقل ،كي يقود شعبه نحو النجاح .
(1) حكمتْ القوّة على سقراط بتجرع السمّ ، لكن حاكميه أرادوا قتل حكمته وليس جسده ، لذا وضعوه في دار بلا حراسة ولا أبواب أو نوافذ ،أملاً أن يهرب لتفقد حكمته صدقيتها ، لكنه لم يفعل ، وحين بكت إمرأته لأنه يقتل مظلوماً ، قال: وما النفع إن قُتلت ظالماً ؟
(2) : أحيكار الحكيم وزير سنحاريب (704ق/م ) حكم عليه بالقتل بعد وشاية كاذبة من ربيبه ، لكنه نال عفو الملك بعد ظهور الحاجة إلى حكمته ونصائحه ـ من أشهر أقواله :
– من حفر حفرة لأخيه ، ملأها بقامته
– نقل الحجارة مع الحكيم ، أفضل من المنادمة مع الجاهل .
– صحبة الحكيم لن تفسدك ، وصحبة الفاسد لن تجعلك حكيماً .
(3): إنليل البابلي، هو إيلو الأشوري وإيلي (علي ) الكنعاني ( الإله إيلو يشبه البرق التي تتألف في السحب وكلما شاء يبلور في المطر والندى برداً وإذا أرعد يمنع الشمس عن الشروق وأشعتها عن الظهور، ، وإذا أراد يأمر الرياح الشمالية فتهب وتلبد الغيوم وتهطل الأمطار والبرد ) من حكاية آشورية ، وربما كان لذلك أثر في معتقدات العلويين من بعض أوجه الشبه بين شخصية الإمام علي التاريخية ، وأسطرتها بإضفاء ملامح إيلي أو بعل إله المطر .
(4) : إشارة إلى ماقيل عن نابليون بونابرت بعد سؤاله عن أسباب خسارته في معركة واترلو إنه أجاب :(لأني رأيت كلّ شجرة في الغابة ، لكني لم أر الغابة ذاتها) .