مع إعلان خروج أخر جندي أمريكي محتل نهاية العام 2011.. أعتبر العراق من قبل القابضين على السلطة إنه أصبح “بلداً مستقلاً وذا سيادة”.. لكن الحقيقة إن كل دول الجوار تنهش به.. وتسيًرهُ حسب ما تشاء.. برضا القائمين على الحكم.. أم بعدم رضاهم.. وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية المساحة الأكبر في فرض إرادتها على الكتل السياسية.. فالسفارة الأمريكية: هي صاحبة اليد الطولى والموجه.. بل الآمر للسياسة في العراق.. بالمقابل لإيران التأثير الكبير في إدارة العراق.. أضافة الى تأثيرات دول أخرى كتركيا وقطر ودول الخليج الاخرى.. في الشأن العراقي.
ـ وخلال دورتين انتخابيتين (2006 ـ 2014) تم إدارة العراق بشكل لا ينم عن تطبيق القوانين بشكل مهني ونزيه.. ولم تعرف العدالة طريقاً لها في العراق.. فقد شَرعَ رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي وحاشيته الى تأسيس منظومة قائمة على عقلية التسلط.. تعززها اندلاع الحرب الطائفية التي كانت تؤجج من قبل الإرهابيين.. ومن قبل كل الكتل السياسية المشاركة في الحكم أو المعارضة.. على حد سواء.
ـ وكان قمع المواطنين يجري بطرق مبتكرة.. فكان يتم اعتقال وتعذيب المواطن البسيط على الشبهات.. وتشابه الأسماء.. أو انه يسكن منطقة بعينها.. أو على تقارير المخبر السري التي قد تكون كيدية.. أو موظف بسيط يخطأ في اجتهاد.. بينما الحيتان الكبيرة من السراق والقتلة فلم يعتقل أو يسجن منهم أحداً.. أو يحقق معه.. وتغلق ملفات فسادهم بجرة قلم.. أما عمليات خطف المواطنين وابتزاز عوائلهم ومن ثمَ قتلهم.. فقد أصبحت حالة اعتيادية.. فكانت تكتشف (4 ـ 5) جثث يومياً في بغداد لمجهولي الهوية.. وهي حالة لا تقتصر على بغداد.. بل على معظم محافظات الوسط والجنوب.. بل عمت كل العراق باستثناء إقليم كردستان.
أما المجرمون والإرهابيون فيتم هروبهم أو تهريبهم من السجون المؤمنة تماماً.. وأمام أنظار الأجهزة الأمنية.. وجرت أكبر عمليات سطو مسلح وسرقة في وضح النهار.. لمحلات الصاغة والصيارفة.. والمصارف.. ورواتب الموظفين.. ومحلات وبيوت الأغنياء.. وبشكل متكرر.. لتسجل ضد مجهول.. كما كانت الحرائق شبه يومية تندلع في أقسام العقود في الوزارات والمؤسسات الحكومية.. لإحراق العقود الأصلية للوزارات.. تحت يافطة “تماس كهربائي”.
ـ ونهبت ثروات العراق.. وكان تجويع الشعب يجري ممنهجاً مع انحدار مستوى التعليم بشكل جدي.. وتدمير المدارس وهدمها تحت يافطة آيلة السقوط.. وعدم إعادة بنائها.. وتعين وزراء ومسؤولين لوزارتي التربية والتعليم العالي متخلفين حاقدين على العراق.. يتسلمون أوامرهم من الخارج.
ـ فأصبح العراق في ظل ولاية رئيس مجلس الوزراء الثانية يعج بالخراب والموت والإرهاب.. فيما ظهرت طبقة ممن لم يكونوا يملكوا عقاراً واحداً حتى العام 2003.. ليصبحوا خلال سنوات قليلة من المليونيرة أو المليارديرين.
ـ ولم يكن الفرقاء السياسيون على وئام.. فكانت كل الكتل بإستثاء كتلة المالكي في جبهة.. واتخذًت من سياسة الانسحابات من مجلس الوزراء ومجلس النواب.. سلوكاً لعرقلة أعمال الحكومة.. وعرقلة مشاريع القوانين كأسلوب لإسقاط رئيس الوزراء.
هذه الممارسات منحت رئيس الوزراء مساحة كبيرة لتشديد قبضته على السلطة.. وفي السيطرة على كل مؤسسات الدولة.. من خلال التعيينات للمناصب العليا بصيغة “الوكالة” “وكلاء الوزارات.. ووكلاء للدرجات الخاصة.. ومدراء عامون بالوكالة.. كذلك قادة الجيش.. وغيرهم”.
ـ كما أدت المناكفات بين كل الكتل السياسية الكبيرة من جهة.. ورئيس الوزراء وكتلته من جهة أخرى.. الى تعطيل عمل مجلس الوزراء.. وأنهت مبدأ التوازن والتعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.. لتصل الى القطيعة.
ـ بالمقابل فإن كل الكتل السياسية.. ورئيس الوزراء وكتلته لم يضعوا مصلحة الوطن والشعب كأساس لحل أية مشكلة.. بل كانـت جميع الكتل بلا استثناء تحاول تعقيد المشاكل.. وخلق مشاكل جديدة.. فحدث الطلاق بين كل الكتل من جهة.. وبين المالكي والكثير من كتلته من جهة أخرى.. مما انعكسً سلباً على الوضع العام في البلاد.. فساهمت كل الكتل بلا استثناء في دمار العراق وخرابه.. وأكملت الصورة لعراق اليوم باغتصاب داعش لثلث العراق.. ونتائج هذا الاغتصاب المأساوية.
ـ وهكذا عاش العراق مخلفات التركة الثقيلة لصدام.. وتركة مرحلة ما بعد صدام.. وهي الأخطر في تاريخ العراق المعاصر.. فقد شرعنً:
ـ الفساد بكل أشكاله: عمولات.. تهريب النفط.. غسيل أموال.. رشاوى.. بيع المناصب.. شهادات مزررة.. مشاريع وهمية.. الاستيلاء على عقارات الدولة.. وعلى عقارات قادة ومسؤولي النظام السابق.. وعلى مقرات حزب البعث.. لتسجل معظمها بأسماء قادة ومسؤولي الكتل الجديدة.
ـ تسلطً على العراق مجموعة من الأغبياء واللصوص يديرون معظم مؤسساته ومحافظاته.. وجيش من الفضائيين في كل مؤسسات الدولة “المدنية والعسكرية”.. معززين بميليشيات وحمايات.. بعضها ماضيها غير معروف.
ـ اغتصاب داعش ل (30%) من العراق (أرضاً.. ومياهً.. وسلاحاً.. ونفطاً.. وبنى تحتية.. ومواطنين.. وإدارة).. وحرب استنزاف كبرى طويلة الأمد في الحسابات التقليدية.. في أربع محافظات عراقية قابلة للتمدد.
ـ وأكثر من ثلاثة ملايين نازح موزعين في كل مدن العراق قابلة للزيادة.. وتدمير شامل للبنى التحتية.. وأكثر من مليون شاب عراقي ترك العراق الى المجهول.
ـ وظهور وتوسع بشكل كبير جداً للعشوائيات وبيوت الصفيح.. والعيش على القمامة.. وتضاعف بشكل مخيف في نسبة الفقر في العراق.. والعيش تحت خط الفقر.. وتزايد جرائم الاغتصاب.. وتجارة المخدرات.. وتجارة الأعضاء البشرية.. وتضاعفت نسب التسرب من المدارس بشكل لا يصدق.
ـ ووصلت حالات تزوير الوثائق والشهادات الدراسية لدرجة لم تعد تعرف الوثائق المزورة من الصحيحة.. ولم تتخذ السلطتين التنفيذية والقضائية أية إجراءات رادعة تجاهها.. بل صدر تعميم من الحكومة السابقة بالتريث وعدم معاقبة المزورين.. فاستفحلت الحالة.
حكومة ألعبادي.. عراق التقشف.. وبلا خدمات:
ـ كما جرت أكبر عمليات شراء الأصوات وتزوير الانتخابات النيابية لولاية ثالثة.. واتخاذ كل الإجراءات لتنصيب رئيس مجلس الوزراء زعيماً أوحداً.. بقوة المال.. والتهديد.. وإرهاب الآخر.. في توجه جديد لإقامة “دكتاتورية جديدة”.
ـ وازاء طلب العراق إعادة دخول القوات الأمريكية العراق.. اشترطت أمريكا استقالة نوري المالكي من رئاسة الحكومة كشرط للمساهمة في محاربة داعش ودعم العراق.. سبق ذلك رفض تام لولاية ثالثة للمالكي من قبل الكتل الكردستانية.. والكتل الشيعية والسنية على حد سواء.. مما أفشل عملية التنصيب.. لتشكل حكومة من كل الكتل برئاسة حيدر ألعبادي.. وفق برنامج حكومي.. قائم على التوافق.. وطريق معبد بالألغام.. بمعزل عن كتلة دولة القانون.. التي رضخت وساومت على القبول.. منها تعين 3 نواب لرئيس الجمهورية.. هم: “نوري المالكي.. أياد علاوي.. وأسامة النجيفي”.. برواتب وامتيازات هائلة.. وبلا عمل.
ـ تسلمت حكومة ألعبادي السلطة التنفيذية في نهاية العام 2014.. وكانت خزينة الدولة خاوية.. بل مدينة 15 مليار دولار لشركات النفط الأجنبية العاملة في العراق.. إضافة الى زيادة تخصيصات إقليم كردستان من خلال دفع رواتب قوات البيشمركة.. بل واستحواذ كردستان على نفط الإقليم ونفط كركوك.. وسيطرة الإقليم الفعلية على كل المناطق المتنازع عليها بقوة السلاح.. وعلى المنافذ الحدودية الشمالية للعراق.
ـ ويسجل للعبادي أنه استطاع إعادة هيكلة الجيش والقوات الأمنية.. وقيادة عملية تحرير العراق من داعش عسكرياُ.. وإسقاط دولة الخلافة.
(ملاحظة) : انتظرونا في الحلقة الثالثة.. الأخيرة..(عراق اليوم .. الواقع مجسداً).