نيران الصراع “الإميركي-الإيراني” خمدت .. فلماذا تراجع “ترامب” عن حربه مع طهران ؟

نيران الصراع “الإميركي-الإيراني” خمدت .. فلماذا تراجع “ترامب” عن حربه مع طهران ؟

خاص : كتبت – نشوى الحفني :

في تراجع صريح عما صوره الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، من اقتراب إندلاع حرب بين “أميركا” و”إيران” في الآونة الأخيرة، وهو الأمر الذي قد يكشف أبعاد أخرى لما كان يحدث خلال الأيام القادمة، فقد اعتبر “ترامب” أن “إيران” لديها الفرصة لتكون “دولة عظيمة”؛ في ظل القيادة السياسية الحالية، نافيًا سعيه إلى الإطاحة بالنظام الحاكم في “إيران”.

وقال “ترامب”، خلال مؤتمر صحافي في العاصمة اليابانية، “طوكيو”: “أعتقد أن إيران لديها الفرصة في أن تكون دولة عظيمة مع القيادة الحالية نفسها، نحن لا نسعى إلى تغيير النظام، أريد توضيح ذلك، نحن نسعى إلى عدم امتلاك إيران السلاح النووي”.

وتناولت المباحثات، بين “ترامب”، ورئيس الوزراء الياباني، “شينزو آبي”، التطورات الأخيرة في الملف الإيراني.

وكان “ترامب” قد أعلن أن رئيس الوزراء الياباني عرض التوسط في الأزمة، خاصة وأن “اليابان” تربطها علاقات جيدة بـ”إيران”، وأضاف “ترامب”: “أعتقد أن الإيرانيين يريدون الحديث، وكذلك نحن، وسنرى ما سيحدث”، وتابع بالقول: “بالتأكيد لا أحد يرغب في أن تحدث أشياء سيئة، خاصة أنا”.

من جانبه؛ قال “آبي” إن اليابان “تسعى لأن تبذل كل ما في وسعها” لحل النزاع “الإيراني-الأميركي”.

هذه التصريحات المتراجعة عن المواقف؛ جاءت في ظل تصاعد التوتر مؤخرًا بين “الولايات المتحدة” و”إيران”، إذ وافق “ترامب”، في بدايات شهر آيار/مايو الحالي، على إرسال تعزيزات عسكرية للخليج من أجل “ردع إيران”، وتشمل التعزيزات بطاريات صواريخ (باتريوت) وطائرات استطلاع و1500 جندي، وذلك بعد إرسال “الولايات المتحدة” حاملة الطائرات (إبرهام لينكولن) وقاذفات (B-52).

طهران لا تكترث للتصريحات..

وبعد 24 ساعة من اقتراح “ترامب”، ردت “وزارة الخارجية الإيرانية”، أمس، مؤكدًة على أن “طهران” لا تكترث بالتصريحات.

وأشار المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، “عباس موسوي”، إلى “تناقض” تصريحات الرئيس الأميركي المتناقضة بشأن “إيران”، قائلًا: “نحن لا نكترث بالتصريحات، ما هو مهم لنا تغيير التوجه والسوك”، وفقًا لما نقلته وكالة أنباء (تسنيم) الإيرانية.

ترحيب إيراني بالوساطة اليابانية..

ورحبت بعرض “اليابان” بالعمل كوسيط بينها وبين “الولايات المتحدة”، ووصف المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، “عباس موسوي”، الزيارة التي يعتزم رئيس الوزراء الياباني، “شينزو آبي”، القيام بها لـ”طهران” بأنها “نقطة تحول”.

وذكر أن “آبي” سيلتقي الرئيس الإيراني، “حسن روحاني”، في “طهران”، في حزيران/يونيو المقبل، وإن كان لم يتم بعد تحديد موعد دقيق لهذه الزيارة.

وقال “موسوي”: “إننا نريد أن نعطي الدبلوماسية فرصة أخرى”، على الرغم من أنه أضاف إن الأسس الجوهرية للمباحثات تقوم على احترام الاتفاقيات الدولية، مشيرًا إلى أن “الولايات المتحدة” لم تظهر هذا الاحترام بانسحابها بشكل منفرد من “الاتفاق النووي” مع “إيران”، الذي تم التوصل إليه عام 2015، وقال: “هذا هو السبب في أنه ليست هناك خطط في هذه اللحظة لإجراء مباحثات”.

وأوضح “موسوي” أن “إيران” تريد من “الولايات المتحدة” أن تتعهد مرة أخرى بالإلتزام ببنود الاتفاقية وأن تلغي عقوباتها التي وقعتها على “إيران”، كما دعا الدول الأوروبية إلى تنفيذ الاتفاقية اعتبارًا، من تموز/يوليو المقبل، مع التركيز على رفع جميع العقوبات الاقتصادية.

وقال إنه في حالة عدم رفع العقوبات؛ فإنها ستقوم بإلغاء الحد المتفق عليه حول تخصيب (اليورانيوم).

وكان وزير الخارجية الإيراني قد رد، أمس الأول الإثنين، على تصريحات “ترامب” بشأن منع “إيران” من إمتلاك السلاح النووي، قائلًا إن المرشد الإيراني؛ علي خامنئي “أصدر، منذ أمد بعيد، فتوى بحرمة الأسلحة النووية”، وفقًا لما نقلته وكالة الأنباء الإيرانية، (إرنا).

تصريحات تتناقض مع التحركات..

تصريحات “موسوي” تظهر تناقضًا مع التصريحات والتحركات الإيرانية، خلال اليومين الماضيين، إذ سعت إلى بعث رسائل دبلوماسية، بعدما وجدت صرامة أميركية ورفضًا أوروبيًا للخروج من “الاتفاق النووي”.

وأرسلت “طهران” وزير خارجيتها، “محمد جواد ظريف”، إلى “العراق”، حيث قال إن “إيران” مستعدة لتوقيع معاهدة عدم إعتداء مع دول الخليج العربي.

وفي السياق ذاته؛ أرسلت “إيران” نائب ظريف، “عباس عراقجي”، في جولة خليجية تشمل “عُمان والكويت وقطر”.

وقال “عراقجي” إن “طهران” مستعدة لوضع آلية للدخول في تعامل بناء مع الدول الاقليمية، وحذر مما وصفه بسياسة “العقوبات الأميركية”، وقال إنها تخاطر بأمن المنطقة بالكامل.

هزيمة السياسة الأميركية..

من جانبه؛ رأى الميغر جنرال، “حسين سلامي”، قائد الحرس الثوري الإيراني، إن: “القوة المطلقة” لـ”إيران” في منطقتها استنزفت قدرة العدو الأميركي على شن حرب ضدها.

وفي تلميح إلى تصريحات “ترامب”، خلال زيارته لـ”اليابان”، قال “سلامي”: “استطعنا… تجريد العدو من قدرته على الحرب. ترون هذا التراجع والإنهزام في حديث الأعداء”.

وأضاف: “اليوم صارت إيران قوة مطلقة في المنطقة، ولهذا السبب فهي لا تهاب تهديدات العدو. واليوم تعرضت الفلسفة السياسية لأميركا للهزيمة”.

ترفع سقف مؤشرات الحرب لتحقيق أهداف أخرى..

تعليقًا على تصريحات “ترامب”، قال الخبير القانوني والبرلماني اللبناني السابق، “نزيه منصور”، إن تراجع نبرة الرئيس الأميركي يؤكد يقينه بأن خطوة الحرب لن تقتصر على “إيران”.

مضيفًا أن الإدارة الأميركية تعلم أن مصالحها في المنطقة معرضة للتدمير حال نشوب الحرب مع “إيران”.

وتابع أن الإدارة الأميركية تستخدم “ترامب” في رفع سقف مؤشرات الحرب لتحقيق أهداف أخرى، إلا أنها لن تقبل على ذلك كما حدث في التصعيد مع “كوريا الشمالية”، في وقت سابق.

وأشار إلى أن فشل الإدارة الأميركية، في “أفغانستان” و”العراق” و”سوريا”، يجعلها تعيد حساباتها، خاصة أن الأمر يحتمل أن يشمل العديد من الجبهات والدول، في حين أن “الاتحاد الأوروبي” غير متحمس لدخول مثل هذه الحرب.

وأكد أن معظم الدول أيقنت أن سياسة “ترامب” لا تحمل الاستقرار للمنطقة، وأنه يقوم بالإبتزاز والتعامل بمبدأ حجم المقابل الذي سيجنيه، حيث يتعامل مع الدول العربية على أنها “مصارف للأموال”، يجني منها ما يريد.

وشدد على أن “ترامب” ليس لديه أي تجارب سياسية، وأن المستشارين الذين يقدمون له النصائح هم أقرب إلى “إسرائيل”، وأنهم يقنعونه بأن الحرب ضد “إيران” ضرورية لخدمة “إسرائيل”، إلا أن اختلاف الأوضاع والتعامل بأسلحة مختلفة يجعل الأسطول الأميركية في المتناول، كما يمكن استخدام أدوات أخرى غير الطائرات الضخمة التي تتباهى بها “الولايات المتحدة”.

مؤشرات التراجع في الموقف الأميركي..

ويفسر الكاتب، “عبدالباري عطوان”، التراجع في الموقف الأميركي من خلال عدة مؤشرات، أولها، التصريح الذي أدلى به في مؤتمر صحافي عقده بعد مُحادثاته مع الإمبراطور الياباني الجديد، يوم الإثنين، حيث أكّد: “أنه لا مشكلة لديه في بقاء النظام الإيراني، المُهم أن لا تتحوّل الدولة الإسلاميّة الإيرانيّة إلى قوّةٍ نوويّةٍ”، وثانيها؛ إلتِزام “جون بولتون”، مستشار الأمن القومي الأميركي، وأحد أبرز قارعي طُبول الحرب بالصّيام عن إطلاق التّصريحات الناريّة، وهو سُلوكٌ لافتٌ لشخص مثله؛ وعد المُعارضة الإيرانيّة بالاحتفال بعيدها المُقبل في “طِهران”، ومرّ العيد وما زالت وعوده لم تُنفّذ.

مضيفًا أنه: “نعرف جيّدًا أن ترامب يكذب، وأحصت صحيفة (نيويورك تايمز) 200 كذبة، ولهذا لا يُمكن أخذ تصريحاته على محمل الجد في أيّ قضيّة، فقد عوّدنا في أزمات عديدة، أبرزها صواريخ كوريا الشماليّة (الباليستيّة) وتجاربها النوويّة، والحرب التجاريّة مع الصين، عوّدنا أن يُصَعّد ليعود إلى التّراجع، ومن ثم التّهدئة، ولعلّ الاستثناء الوحيد الذي يُنفّذ فيه وعوده هو عندما يتعلّق الأمر بالعرب للأسف، حيث يحصل دائمًا على ما يُريد ويُنفّذ كل تهديداته دون أيّ عوائق، والسّبب معروفٌ ولا يحتاج إلى شروح”.

وأوضح أن الأمر ببساطة يتلخص في أن “إيران” لم ترهبها تهديدات “ترامب” ولم تركع، وكانت الرسالة التي حملتها لجميع الوسطاء، وما أكثرهم، أنها لن تذهب إلى مائدة المُفاوضات إلا بعد رفع جميع العُقوبات، وإلتزام “ترامب” بـ”الاتّفاق النووي” مُجدّدًا، وجرى تعزيز هذا الموقف عمليًّا بتفجيرات لأربع سُفن قُبالة ميناء “الفُجيرة”، وأخرى أقدم عليها الحُلفاء في “قِطاع غزّة” بإطلاق صواريخ على أهداف إسرائيليّة، (الجهاد الإسلامي)، وإرسال طائرات مُسيّرة ضربت مضخّات “نفط سعوديّة”، غرب “الرياض”، من قِبل الحليف اليمني، ويبدو أنّ هذا الموقف الصّلب بدأ يُعطي ثماره.

العدوان سيكون باهظ التكاليف..

غير مستبعدًا أن تكون هذه التهدئة، من قِبل “ترامب”، هي نتيجة قناعة راسخة بأن أي عدوان على “إيران” لن يكون بدون ثمن وسيكون باهظ التّكاليف، مُضافًا إلى ذلك أنّ حُلفاءه في المِنطقة، وخاصّةً في “فِلسطين” المحتلة والخليج (الفارسي)؛ غير جاهزين للحرب، فـ”بنيامين نِتانياهو”، رئيس الوزراء الإسرائيلي، اقترب من نهاية المهلة، (اليوم)، دون أن يشكل حكومة، أمّا “السعوديّة” و”الإمارات” فتُواجهان حرب الطائرات اليمنيّة المُسيّرة المُلغّمة، واحتمالات تصاعُدها في الأيّام المُقبلة، واحتِمال دخولها حرب المُدن والمُنشآت الحيويّة.

تصب في مصلحة القيادة الإيرانية..

تراجع التهديدات بتغيير النُظام الإيراني سواء عبر العقوبات الاقتصاديّة، أو الهجمات العسكريّة، ستصُب في مصلحة القيادة الإيرانيّة، وسيُشكّل كابوسًا لـ”إسرائيل” وبعض الدول العربيّة، و”السعوديّة” خاصّةً، التي أعتقدت أن الضّربة لـ”إيران” باتت وشيكةً، لأن “إيران” ستخرُج الرابح الأكبر من أيّ تسوية تفاوضيّة لهذه الأزمة إذا جاءت تلبيةً لشُروطها، فبقاء النظام الإيراني، وأي رفع للعُقوبات عنه هو مكسب، ومرحلة لإلتقاط الأنفاس، والتفرّغ لملفّات أخرى داخليّة وخارجيّة.

ويرى أن الإيرانيّون بارعون في فنون المناورة، وكيفية إرهاق الخصم، وإنتزاع أكبر قدر من التّنازلات التي تخدم مصالحهم، فمن تفاوض خمس سنوات مع ست دول عُظمى للتوصّل إلى “الاتّفاق النووي”، يستطيع أن يتفاوض لأشهر، وربّما سنوات، لإدخال تعديلات طفيفة عليه من باب إنقاذ ماء وجه الخصم، في حال كان البديل المُقابل هو رفع العُقوبات.

إنهيار تدريجي متسارع..

لافتًا إلا أن سياسة “ترامب”، الشرق أوسطيّة، تمُر بمرحلةٍ من الإنهيار التّدريجي المُتسارع، فلا حليفه في “تل أبيب”، (نِتانياهو)، العمود الفِقري فيها، قادرٌ على تشكيل حُكومة حتّى الآن، ولا مؤتمر صهره، “كوشنر”، لبيع “قضيّة فِلسطين”، في “البحرين”، يُبشّر بأيّ نجاح، فلم تُوافق على المُشاركة فيه حتّى الآن غير دولتين هُما “السعوديّة” و”الإمارات”، وفُرص إنعقاده باتت محدودةً، ولا نستبعِد تأجيله إلى أجلٍ غير مُحدّد، أو حتّى إلغائه.

هذه الإنكسارات للسياسة الأميركيّة لا تُشجّع على خوض حرب، وإنّما التّراجع وإيثار السّلامة، والبحث عن صيغةٍ ما لإنقاذ ماء الوجه.. فهل يكون اقتراح الاستفتاء الذي طرحه “روحاني” فجأةً، وبشكلٍ مُتعمّدٍ، (حول البرنامج النووي)، هو السّلم الذي سيُؤدّي إلى نُزول “ترامب” عن الشّجرة، والخُروج من الأزمة ؟

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة