ان من يطلع على الاحداث الجارية في الوطن العربي منذ بداية الربيع العربي الى يومنا الحاضر يعتقد جازما ان هناك خريطة سياسية جديدة ترسم في منطقتنا العربية ، وما صفقة القرن الغامضة الا جزء مكمل لها . ويبدو ان هذا المخطط قد وصل الى مراحله النهائية . فبعد ان سمحت امريكا لايران بالتمدد في سوريا والعراق وصولا الى بيروت والبحر المتوسط تنفيذا لهذا المخطط عادت لتلغي الاتفاق النووي الذي كان السبب الرئيس لاستدراجها بفخ التمدد غربا ، كما استدرج صدام لاحتلال الكويت
العقوبات الاقتصادية
بعد ذلك فرضت امريكا العقوبات الاقتصادية على ايران ثم جرى التحشيد العسكري والتصعيد الاعلامي بينهما وصولا الى حوادث الفجيرة ، وتعرض مضخات النفط قرب الرياض لهجوم بطائرات درون , ثم الصواريخ التي اطلقها الحوثيون على السعودية . وجاء الدور على العراق حيث تم اطلاق قذائف الكاتيوشا بالقرب من السفارة الامريكية في المنطقة الخضراء المحصنة
هذه الاحداث تشير بوضوح الى ان تصعيدا يجري في المنطقة وكل طرف يدفع الطرف الاخر للقيام بمغامرة غير محسوبة لتحميله تبعاتها ، او اثبات قدرته على المناورة ، واستعراض قوته استعدادا للمرحلة القادمة
الضغط على ايران
ان ايران غير قادرة ولا راغبة بالحرب مع الولايات المتحدة وبالمقابل فان امريكا هي الاخرى لاتريد الحرب على ايران طالما هناك عقوبات متصاعدة تجاهها لاقبل لها بها . وستبقي ايران تحت الضغط بشتى الوسائل لجلبها الى المفاوضات مجددا لتنفيذ المتطلبات الجديدة . ومنها تقليص نفوذها في المنطقة . حيث لايسمح لاحد من اللاعبين الصغار المشاركة في رسم الخارطة السياسية الجديدة , والتي ستكون بالتاكيد لصالح اسرائيل
من المستفيد من هذه الحرب
وازاء هذه الاجواء من التهديد والتصعيد ، بين امريكا وايران لنرى موقف الاطراف المعنية من هذه الحرب المفترضة
اذا بدأنا باوروبا فان دول الاتحاد الاوروبي تحاول الابتعاد عن هذه الحرب , لانها لاتريد العداء مع ايران ، خصوصا وان لها شركات ومصالح اقتصادية تخشى فقدانها . كما ان لايران ورقة مهمة لصالحها تجاه اوروبا وهي اللاجئين الافغان , حيث لديها مايزيد على ثلاثة ملايين افغاني مقيمين فيها قد تدفعهم في اي وقت للهجرة الى اوروبا وتربك اوضاعها . اضافة الى اللاجئين الايرانيين الذين سيفرون من اتون هذه الحرب اذا ما قامت ، كما حدث مع السوريين والعراقيين
اما اسرائيل فهي راغبة بهذه الحرب فعلا ، ولكنها لاتستطيع ضرب ايران مباشرة ، لمساحتها الواسعة وعدم استطاعتها تغطية كل المواقع العسكرية والاستراتيجية وخصوصا الصواريخ البالستية , فتكون عدئذ الخاسر الاكبر من هذه الحرب , ولذلك فهي تفضل قيام امريكا بهذه المهمة لقدرتها العسكرية الفائقة
وعلى العموم فان اسرائيل لا تريد سوى ابعاد ايران عنها بدل محاربتها . . خصوصا وان ايران مرشحة دائمة لان تكون عدوا بديلا لاسرائيل بالنسبة للعرب
وفيما يتعلق بموقف السعودية والامارات فانهما قريبتان جدا من ايران والحرب ستصيبهما باضرار كبيرة . اضافة الى انهما غير قادرتين على محاربة ايران ، وهما لسنوات يحاربان الحوثيين في اليمن دون تحقيق اي انتصار ناجز . رغم الاسلحة المتطورة التي تملكها السعودية ولكنها لاتملك جيشا قويا مدربا قادرا على الانتصار بالحرب ، ولذلك فهما يدفعان باتجاه قيام الولايات المتحدة بهذه المهمة وهما على استعداد لتسديد كلفتها او جزء منها بدل التورط المباشر بها
موقف الاصدقاء
ومن جانب اخر لنذهب الى اصدقاء ايران المفترضين . فالزعيم الروسي بوتين لايريد ان يكون رجل اطفاء الحرائق في العالم على حد قوله , وهو اساسا لامصلحة له بالدخول في حرب لصالح ايران . اما الصين فهي في حرب تجارية وتكنولوجية ضروس مع امريكا ولاتريد التورط معها في مجابهة عسكرية لاي سبب كان ، خصوصا وان الاساطيل الامريكية متواجدة حاليا في بحر الصين
الولايات المتحدة
ستحاول الولايات المتحدة الامريكية تجنب هذه الحرب قدر الامكان الا اذا ضربت مصالحها الحيوية مباشرة . وهي تسعى لتحقيق اهدافها بالحصار النفطي والاقتصادي بدل المواجهة العسكرية المكلفة بشريا وماليا . ولكن الصقور مثل بولتن وبومبيو وغيرهما يدفعون باتجاه الحرب الشاملة . في حين يفضل ترامب التريث , لانه يعلم جيدا ان في الحرب مجازفة على مستقبله السياسي , وهو قريب من الانتخابات الرئاسية والناخب الامريكي غير مهتم بالشؤون الخارجية ، وقد ينقلب عليه
الموقف العراقي
اما العراق فموقفه غير واضح وذلك لعدم وجود سلطة مركزية لتتخذ القرار الصائب . والاحزاب الحاكمة كلها تصرح بتجنب الحرب ولكنها في الخفاء تعمل لصالح ايران ، فلا احد من السياسيين في العراق قادر على مخالفة الولي الفقيه . بعد ان اصبح العراق الحديقة الخلفية لايران . وعلى مراى ومسمع من السفارة الامركية في المنطقة الخضراء . ومع ذلك يرغب السيد رئيس الوزراء بالوساطة لتخفيف حدة التوتر ببن الطرفين . وهو يعلم انه سيكون مجرد ساعي بريد لايصال الرسائل المتبادلة بينهما لكون الطرفين لايعترفان بالعراق كدولة مستقلة
امكانية المواجهة
لنرى الان مدى قدرة ايران على مواجهة القوة العسكرية الامريكية المتطورة . فهي تعتمد اساسا على الصواريخ البالستية والزوارق الصغيرة سريعة الحركة . اضافة الى الميليشيات التي تمثل اذرعها الممتدة من العراق الى سوريا ولبنان والحوثيين في اليمن . وهي خلال السنوات الماضية لم تستطع تحديث جيشها ومعداتها العسكرية وركزت على الحرس الثوري الذي انشغل بالتوسع الاقليمي فتم صرف مبالغ طائلة لهذا الغرض
احتمالات الحرب
وبعد هذا كله هل يبدو في الافق ملامح لحرب وشيكة بين امريكا وايران ام ان المفاوضات ستكون سيدة الموقف . . وهي اساسا جارية في الخفاء وعن طريق وسطاء عديدين كان اخرها الرئيس السويسري . ووزير الخارجية العماني بن علوي . وقد صرح مؤخرا وزير الخارجية الايراني بان ايران لاتفاوض امريكا الا اذا وجدت احتراما للجانب الايراني ! ! هكذ اذا ، فقد اصبح الموضوع متعلق بالجانب المعنوي فقط
ومن ذلك يتضح جليا ان منطق الحرب سيكون بعيدا . . ولكن هذا لايمنع من وقوع بعض الاشتباكات والمناوشات هنا او هناك , وخصوصا من الميليشيات الموالية لايران غير المنضبطة رغم ان اوامر الولي الفقيه واضحة في عدم التعرض للمصالح الامريكية المباشرة او الجنود الامريكان . ولكن الايادي الموالية لايران ستعمل على ضرب المصالح السعودية والخليجية كمواجهة محتملة ، وتعتبر ذلك ردا مناسبا على حرمان ايران من تصدير نفطها ، بدل الدخول في حرب شاملة مع الولابات المتحدة
وفي هذه الحالة ستقف امريكا موقف المتفرج . لان الرئيس ترامب لايريد التورط بحرب من اجل الغير . . وعلى السعودية ودول الخليج الحذر في التعامل مع هذا الملف والكف عن التحريص لاشعال الحرب على ايران . فالوضع دقيق وحساس
وفي كل الظروف اذا ماحصلت مناوشات عسكرية او حرب محدودة , فان العراق ودول الخليج سيكونون من اكثر المتضررين منها
من سيدفع الثمن
اذا كانت المفاوضات الامريكية الايرانية هي المرجحة بدل الحرب او هي الحل الممكن الوحيد لهذه الازمة . . فاننا نتمنى ان لايدفع العراق مرة اخرى ثمن تنازل ايران عن الاسلحة النووية كما فعل اوباما
وهنا يجب ان تكون عيوننا مفتوحة ازاء مستقبل العراق ووجوده كدولة مستقلة ذات سيادة . . فلا تأمنوا احدا ، ولا تنحازوا الى جانب دون اخر . فلا ايران ستخلصكم من امريكا . ولا امريكا ستخلصكم من ايران . . ومن يريد الخلاص فطريق التحرر واحد وهو بيد الشعب العراقي وحده . . ليسير في طريق الكرامة ، طريق التحرر من كل نفوذ اجنبي دولي او اقليمي
حفظ الله العراق والعراقيين من دسائس المتآمرين في الداخل والطامعين في الخارج