لي مع أصحاب الكراسي المتحركة ذكريات وذكريات ، أحبهم من سويداء القلب أكثر من سواهم في كل زمان ومكان ، هؤلاء على الدوام ومن خلال تجاربي الشخصية أذكى من البقية ، أكثر حكمة ، أرق أفئدة من غيرهم ، أحن على البشرية من الوالدة على ولدها ، عرفت منهم الكثير عن قرب ، وعرفت بعضهم عن بعد ، ولعل الشيخ المجاهد احمد ياسين أيقونتهم بلا منازع ،ولعل أديبة عراقية وكاتبة وشاعرة مبدعة ومعروفة هي اﻷرقى بينهم ، كنت ومازلت أتابع بإهتمام كبير وأنشر إنجازات منتخب البارالمبية العراقي الذي يضم العشرات منهم والذي دأب على حصد العشرات من اﻷوسمة والميداليات والكؤوس في مختلف الرياضات ما لم تحصده جميع منتخبات اﻷصحاء العراقية اﻷخرى مجتمعة في المحافل الدولية والعربية والاقليمية ، وبأستثناء اﻷيقونات اﻵنفة فأن ذاكرتي الحبلى تحتفظ بثمانية منهم عايشتهم عن كثب أولهم والدتي الحنون رحمها الله تعالى في أيامها اﻷخيرة أسأل الباري ان يسكنها فسيح جناته ، وثانيهم رفيقي في العمرة وكان يشكرني لصحبته فيما كنت اشكره بدوري ﻷنه حباني بهذا الشرف الكبير بين الصفا والمروة فكنا نسعى سوية ، هو على الكرسي داعيا ومهللا وأنا خلفه مؤمنا على دعائه ، وثالثهم مروان ذلكم الفتى الجميل ، الرقيق ، سريع الدمعة ، الذي أصيب نتيجة صاروخ غادر بشلل نصفي أقعده على الكرسي طوال حياته ، مسبحته بيده ، طاقيته فوق رأسه ، يدعو للصغير والكبير بالرحمة والغفران والعافية قبل الذهاب الى المسجد ﻷداء صلاة التراويح، رابعهم على كرسي كهربائي يدفع حساب كل من يجلس في المقهى عن طيب خاطر وأنا واحد منهم ولا أعرف إسمه حتى ، خامسهم زميلي الصحفي ومحرر الدسك البارع صفاء الذي أقعده المرض على الكرسي المتحرك أسأل الله تعالى له العافية ، سادسهم رجل يصلي على كرسيه الكهربائي في أحد أحب المساجد الى قلبي والابتسامة لاتفارق محياه يسلم على من يعرف ولايعرف من الكبار والصغار في اﻷسواق ،سابعهم الرائعة الرسامة جنات الجميلي ، رحمها الله والتي تمكنت بمثابرتها وثقتها التي تفوق الوصف بنفسها ، وببهاء طلتها أن تتوج بلقب أفضل إمراة عراقية عام 2017 في لندن ، ثامنهم لم يتسن لها الجلوس على الكرسي أساسا ، إنها مريم التي كتبت فيها مقالا عام 2009 تناولت فيه حملة التبرع التي أطلقناها لشراء كرسي مخصص للشلل الرباعي لها وما إن إشتريناه حتى جاءنا نبأ وفاتها الصاعق ، مريم هذه كان عمرها 13 عاما وقد أصيبت بضمور العضلات الشوكي الذي أعلنت اليوم شركة “نوفارتس” السويسرية إكتشاف علاج نهائي له إلا أن سعره يبلغ 2.1 مليون دولار وذلك بعد أن طرحته الشركة بحسب رويترز قبل أشهر بمبلغ 5 ملايين دولار وسط اعتراضات دولية !!
وما إن قرات الخبر المحزن حتى أصبت بالصدمة ، أولا لكونه جاء مباشرة بعد خبر محزن آخر تمثل بوفاة المقاتل البطل عبد الرحمن القاضي ، أحد أيقونات حرب اكتوبر في شهر رمضان عام 1973 والذي تعد صورته وهو يحتفي بالنصر وعبور القناة واجتياح خط بارليف الذي اشاع الصهاينة حينها بأنه الخط الذي لايقهر ، وانه الخط اﻷقوى من ماجينو الفرنسي بزعمهم .. القاضي البطل كان يتمنى الموت صائما في شهر رمضان، وهو ما تحقق بالفعل فمات صائما في الشهر الفضيل ، وثانيا ﻷن الدواء والعلاج يجب أن يكون خارج الحسابات المادية ولو بالحد اﻷدنى وخارج اطار الطبقية المقيتة ، وعلى الشركات المصنعة فضلا عن المنظمات والمؤسسات الصحية الدولية والمحلية أن يكتبوا على هكذا أدوية كما التحذير المكتوب على علب السجائر مع الفارق بطبيعة الحال (( هذا الدواء مخصص لمحتاجيه خارج اﻷطماع الإحتكارية )) ، واذكر ان الدكتور الفاضل والكاتب المتميز طبيب التخدير المعروف ” عمار وجيه ” قد أشار الى ذلك في مقال سابق بشأن أدوية وعقاقير يعلن عن اكتشافها عالميا فيفرح المرضى بها قبل أن يكتشفوا بأن ليس بوسع الفقراء العلاج والتداوي بها إطلاقا كونها مخصصة للاثرياء من امثال – ترامب ابو كذيلة وبطانته – فقط لاغير ، بعيدا عن كل المبادئ والقيم والمثل والشرائع والاديان !
وهنا ﻻيسعني إلا أن أعيد وأكرر ما سبق لي طرحه من أن العلاج يجب أن يتخطى حدود الماديات واﻷطماع البشرية وعلى اﻷطباء واصحاب المذاخر والصيدليات والمستشفيات والمستوصفات الاهلية والحكومية وضع ذلك نصب أعينهم جليا حتى يرحمنا الباري عز وجل .
رحمك الله ابنتي الغالية مريم واسكنك فسيح جناته ، لقد مت قبل أن تجلسي على عرشك ..على كرسيك المتحرك ..وقبل أن تصدمي كما صدمنا نحن بتكاليف علاجك المهولة ، اذ أن علاجك يكلف خزينة يعمل السراق من الساسة على نهبها صباح مساء من دون حسيب ولارقيب في زمن الضمير النائم ونظيره الميت بحثا عن الضمير الحي الذي إن ظهر وﻻ بد ان يظهر فسينقذ أمة ، ويعلي همة ،ويسقط أصناما تتبعها أصنام كأحجار الدومينو واحدة تلو اﻷخرى وﻻت حين مناص !اودعناكم اغاتي