من سوء الحظ أن تكون البلاد العربية في أغلبها سهلة التضاريس ومنخفضة وتنزل عليها وتمر منها الحضارات والشعوب، وتطالها الغزوات، وتكون مرتعا لأطماع الغرباء أيا كانوا عبر تاريخ ممتد لآلاف من السنين، فكل من يحيط بنا يغزونا ويستولي على خيراتنا، وحتى الطوائف والديانات المهزومة في العالم تأتي لتأخذ حصتها منا كما في فلسطين المغتصبة، أو أن تأتي دولة مجاورة وتحكم بلدا بأكمله، أو أن تأتي دولة عظمى من مسافة قصية، وتنهب الثروات، وتؤسس القواعد، وتنشر الجيوش مستغلة تنازع العرب بينهم، أو تنازع المسلمين وخصوماتهم الفارغة، وربما جشعهم وطمعهم ببعض.
تخيلوا إن الرئيس ترامب أهين من الفتى المدلل الكوري الشمالية وهو يتوسل لقاءه، وقد إلتقاه لمرتين بغية تفكيك برنامج بيونج يانج النووي، وطلب من الروس والصينيين حمله على فعل شيء يرضي غرور سيد البيت الأبيض، لكنه في النهاية أرسل صواريخه على بحر اليابان، وهدد جزر المحيط الهادي وسواحل أمريكا، ومازال يتوعد بالمزيد، بينما فشل الرئيس ترامب في الحصول على أي مكسب من تواصله مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ملفات عدة إقتصادية ونووية وسياسية، وتراجعت واشنطن في ملف أوكرانيا وسوريا أمام الدب الروسي، وفي فنزويلا وبقاع من العالم لم تتمكن الإدارة الأمريكية من كسر إرادة مناوئيها، فغيرت المسار قليلا.
وفي الملف الإيراني يبدو العالم متحيرا، فمع كل هذا الإنفاق المالي الكبير من العرب، وبالرغم من عديد القوات، ونوع التسليح في المنطقة إلا إن إيران ماتزال متماسكة، وتدلي بتصريحات واثقة، ووجهت عدة رسائل لحلفاء واشنطن في المنطقة، وهددت وتوعدت بمالديها من مخزونات، وماتمتلكه من قوة غير معلنة، وحلفاء يمكن أن يضربوا في اليمن ولبنان والعراق وسوريا، وفي الخليج كله، فلاندري أتأتي الضربة من إيران ذاتها، أم من الحلفاء، وربما تشي الحوادث الأخيرة في الإمارات وسواحلها والمملكة العربية السعودية بخطورة الموقف، ومايتطلبه من هدوء في التفكير، فالمعركة ليست لعبة، ومن لم ينتصر قد ينتقم، والعرب ليسوا بحاجة الى المزيد من المصائب، فإسرائيل ذاتها قلقة ومترددة، وبدأت تخفف من لهجتها، بينما الأمريكيون يتحدثون عن صفقة القرن، وعن ورش عمل في البحرين لتأمين حضور قوي يدعم الصفقة التي تريد واشنطن بها تصفية القضية بالكامل.
هذا هو ترامب الذي على مايبدو لم يتمكن من تحقيق نصر على أي عدو غير عربي، ولكنه منتصر على العرب.