اختلفت طبيعة مسارح العمليات مع اتساع نطاق ميادين القتال وتغير طبيعة العمليات الحربية, التي تأثرت جذريا بالتطور التكنولوجي لأسلحة وأدوات الحرب, ،علاوة على تطور وسائل الاعلام والاتصال, وفي البداية كان مسرح الحرب يقتصر علي منطقة محددة من الأرض وأصبح فيما بعد ذا حيز متعدد يشمل بريا مساحة من الأرض وبحريا مسطحا مائيا ، بالإضافة للنطاق الجوي لهما أو ما يزيد عنهما ، وطبقا لطبيعة الصراع أو الأهداف السياسية والعسكرية للدولة في إطار الستراتيجية الشاملة فقد يتكون من عدة مسارح ، وإجرائيا فإن القيادة العامة للقوات المسلحة في كل دول العالم على اختلاف عقائدها العسكرية والسياسية, هي التي تقوم بتحديد هذا المسرح في وقت السلم وهي التي تقوم بدراسته وإعداده استنادا الى اعتبارات كثيرة كالقوة البشرية وتبعية وولاء السكان ، وأهلية شبكة الطرق والممرات والخصائص الطبية والطوبوغرافية للمسرح وغيرها من الاعتبارات ، ويمكن توضيح اثر تطور القدرات التكنولوجية على اعداد مسرح العمليات هو ما قامت به امريكا قبل ايام بجلب مستشفى قاعدة عائم يتسع لألف سرير وتضم مصنعين لصناعة الاوكسجين وغير ذلك ، وبالتالي فأن اعداد مسرح العمليات ليس اسهل منه على الدول المقتدرة ، اما الدول المشغولة بإكمال كابيتنها الوزارية فلم تتمكن من امتلاك مستشفى قاعدة واحد لجيشها رغم انه كان لديها في بغداد فقط اضخم ثلاثة مستشفيات قاعدة وعدد من المستوصفات .
قبل سنين عشر تقريبا قدمت بحثا عن (( بقاء الالوية الامريكية الستة والأمن القومي العربي)) في ندوة علمية اقامها مركز الدراسات الاستراتيجية في دمشق حضره باحثين من دمشق وايران والعراق وايران ولبنان برعاية وزير الدفاع السوري .. وكان رئيس المركز قد اوصانا بان لا نتعرض لإيران بسوء قائلا ((انه دخيل عرب)) اجبته بأني سبق وأن كلفتني كلية الدفاع الوطني السورية بالأشراف على بحث لآمر لواء سوري وعندما وضعت له هيكلية الدراسة وكانت عن العراق ادخلت مبحثا عن الدور الايراني في العراق، فقال لي ((يا سيدي دخلك)) اجبته بأن لا بحث عن العراق ينجح مع اهمال الدور الايراني، وأنا لم اخبرك ان الدور الايراني سلبي كونها لا تريد الامريكان بالقرب منها وشعبنا لا يريد ذلك ايضا .. المهم اعتذرت من الكلية … والمهم ايضا ان الباحث الايراني اكد ان ايران ستمتلك كذا وكذا فصفقوا له والفلسطيني اكد لهم ان فلسطين متحررة حتما فصفقوا له ، واللبناني اكد لهم المستقبل الباهر لحزب الله فضجت القاعة بالتصفيق ، وبدأت ببحثي في اليوم الثاني مرحبا بالحضور قائلا ((سوف لن استجدي التصفيق منكم لأني سوف لن اخبركم بما يسر لأنه في الحقيقة لا يوجد في الافق ما يسر)) واختصرت لهم كيف ان بقاء الالوية الستة للتدريب هي مقولة تافهة ، وكيف ان انسحاب الامريكان من العراق لا يعني شيئا مهما يضاف الى سيادة العراق كون اللواء الامريكي الموجود في البصرة يمكن ان يتدخل بنصف ساعة واذا كان في الخليج العربي يتدخل بساعتين نتيجة قابلية الحركة العالية .. بدأ بعدي باحث عراقي رائع وهو الدكتور الراحل خالد السامرائي وكان بحثه عن اثر الانسحاب وبقاء الالوية الستة على دول الجوار.. فقال بأني سودت الصورة عليهم ولا بد من نكتة … جلبوا رادود يقرأ على استشهاد سيدنا الحسين(ع) في بيت عراقي فأوصوه ان لا يتعرض للخليفة عمر (رض) لأن جارهم سني ، وأن لا يتعرض للشيطان لأن جارهم الآخر ايزيدي ، وأن لا يتعرض للصهيونية لأن جارهم يهودي ، اما الجار الآخر فكان مندائيا فلا يتعرض ، فأجابهم (( انتو جايبيني اقرا عالحسين (ع) فشتريدون اكول انتل بالكهرباء ومات )) فضجت القاعة بالضحك ولما سكتوا قال (( والمشكلة ما عندنا كهرباء بالعراق)) وعادوا الى الضحك ..فقال لهم وبحثي عن دول الجوار وأوصوني ان لا اتحدث عن الجوار .. كان البحث العراقي الثالث عن المقاومة العراقية الباسلة وكان رائعا .
كل هذه الاطالة لأخبركم ان مقولات (اصحاب الارض) و ((اهل مكة ادرى بشعابها)) وصارت اليوم ((اهل الاقمار الصناعية ادرى بكل الشعاب )) والقوة س او ص موجودة (على الارض) تقلصت اهميتها مع قابلية الحركة العالية جدا وأن التواجد القوي (في السماء) وتحقيق السيادة الجوية المطلقة هو الاهم من المهم . تأتي بعدها بالأهمية الصواريخ العابرة وقبلها من حيث الاهمية وليس التوقيت الردع النووي غير المستبعد
كل تلك القدرات هي لصالح امريكا في العراق ، كما ان من عناصر قوتها في العراق وجود رأي عام شعبي بعدم الانحياز والنأي بالنفس ، فالعراقيين لا زالوا يئنون من نتائج الحصار والحروب ومخرجاتها القائمة مع امريكا وهذا الرأي مدعوم من الحكومة العراقية ، والقوات المسلحة العراقية وخصوصا الجيش مع هذا الأتجاه ومرفوض من الدولة العميقة وهذا الرفض مرشح للتقلص مع تطور الاحداث ، وسينحصر الامر ، بعدد من الفصائل المسلحة .. وبعض الناطقين بالثورية .
هذا لا يعني ان ايران لا يمكنها ايذاء امريكا في العراق وباقي المسارح الاخرى بحرب (غير متوازية ) Asymmetrical War)) والتي عرفها تقرير امريكي قدم الى البنتاغون ثم الى الرئيس كلنتون عام 2000
يحتوي دراسة شاملة للتهديدات المحيطة بالولايات المتحدة ومنها قيام طرف يعاديها ان يلتف حول قوتها ويستغل نقاط ضعفها بوسائل غير معقولة مختلفة تماما عن المعتاد ولا تخطر على البال وفي المكان والزمان غير المتوقعين فينتزع منها حرية الحركة ويحقق فعل الصدمة، لتحقيق نصر محدد ومؤقت قد يتلاعب بعقل القائد المقابل ، وهذا ما حققه اسامة بن لادن في عملية برجي التجارة وما حققه الجيش العراقي في احتلاله لمنطقة الخفجي
هنا انسحب وأترك للقراء الاعزاء الجواب على السؤال المطروح