18 نوفمبر، 2024 5:55 ص
Search
Close this search box.

محنة وطن … محنة شعب

محنة وطن … محنة شعب

حينما يكون الوطن في محنة فان مصلحة الوطن العليا تكون فوق كل المصالح، ومهمة الدفاع عنه تكون فوق كل المهمات، وان واجب تعبئة جميع صفوف الشعب وزيادة تلاحمها تكون اسمى من جميع الواجبات، فيجب علينا التصميم الحازم في ان نضع كل طاقاتنا المادية والفكرية في رد ومجابهة الخطر الخارجي الداهم ورده على اعقابه وتحقيق الظفر عليه، لان في ذلك وحده الحفاظ على استقلال عراقنا والذود عن حريته ضد اي تسلط او تدخل اجنبي.
ان عراقنا العزيز اليوم، يمر في مرحلة عصيبة اختلطت فيها الاوراق وتداخلت الاحداث وبدت وكأن الحدود قد فقدت فيها بين الصحيح والخطأ والخير والشر، اضطربت المقاييس والموازين، فكثر المزيفون والمدعون، واختفت بعض النيات المخلصة في كثير من الاحيان وراء حجب كثيفة من الدعاوى الكاذبة والتهريج، وانبرى المصطادون في الماء العكر واعداء شعبنا المجاهد الصابر، وكذلك تكالب تجار الفوضى وعملاء الخارج ليستفيدوا من وقت صعب مؤقت في تنفيذ مخططاتهم البائسة اصلاً وتحقيق اهدافهم في سلب شعبنا ما حققه بعرقه ودمائه من انجازات….
وعليه، يجب تشخيص وضع الشخوص الموجودة في ساحة المواجهة، وتحديد موقعها الحقيقي في هذا الجانب او ذاك او في أية نقطة اخرى قريبة او بعيدة عنه، وحين نتجاوز هذا الامر فقد نصطدم بأمر ما ليس اقل صعوبة من سابقه، وهو معرفة الاسباب التي حدت ببعض الشخوص الى تبني هذا الموقف او ذاك او اتخاذ هذا المكان او ذاك في ساحة المجابهة.
لقد تميزت حركات الشعوب التي تقودها قيادات شعبية حقيقية في انها تسير متوازية ومتساندة نحو اهدافها الوطنية، مدركة ان اي انتصار لشعب من الشعوب وتحرره وبلوغ اهدافه، انما هو نصر لجميع الشعوب الاخرى الساعية للتحرر وبلوغ اهدافها، وان أية انتكاسة له انما هي انتكاسة للشعوب المناضلة جميعاً. فان تحقيق اهداف اي شعب يجب ان لا يكون على حساب ومصلحة اي شعب آخر، ومن هذه المبادئ انطلقت الثورات الانسانية الكبرى في التاريخ، وتميزت من الحركات البرجوازية العنصرية والحملات الكولونيالية التي فقدت بفقدانها الجانب الانساني والصلة التي تربطها بالجماهير المناضلة ومصالحها الحيوية.
ان هذا الآخر (الخارج) يقوم الآن بحملات واسعة منظمة ضد عراقنا، هيأ لها كل امكاناته الضخمة واجهزته السياسية والاقتصادية والاعلامية ضمن ما يهيئه له الوضع العربي الاسلامي/ الدولي الحالي من ظروف ملائمة حسب تقديره، ومواقف بعض الانظمة … المساندة والمؤيدة له بهدف سلب مكاسب (واهية واهنة) حققها شعبنا بصبره وجهاده المستمر وانتفاضاته المتعاقبة ومحاولة تفريغ القرارات الشعبية الوطنية التي سنتها قيادات تاريخية من محتواها الوطني.
لقد كشفت عدوانات هذا الآخر (الخارج) على عراقنا العزيز، وامام جميع الشعوب، لعبة الامم، واظهرت حقيقة العلاقات الدولية السياسية والاقتصادية والعسكرية في عرض ما يسمى بالنظام الشرق اوسطي الجديد بكونها اولاً واخيراً صفقات تجارية تحكمها المصالح الآنية ولا تستند الى أية مبادئ اخلاقية او اساسيات انسانية او اسس قانونية، وان اقوى المعاهدات واشد المواثيق لا تعدو ان تكون حبراً على ورق، اذ تفرض المصالح السياسية والاقتصادية نفسها في المواقف الحرجة، وتصبح العنصر الفعال والوحيد في تحديد السلوك وتوجيه التصرفات، فاذا بخريطة الاصدقاء والاعداء تضطرب وتتداخل احياناً لاسباب واضحة في بعض الاحيان ولحسابات غامضة آنية او غير آنية قد يكون في بعضها الكثير من قصر النظر وضيق الافق.
ان عراقنا العزيز يتعرض دون شك ومنذ سنوات… الى خطر جدي يتطلب وعياً عميقاً وشعوراً عالياً بالمسؤولية من قبل جميع افراد شعبه، واستعداداً جدياً في ساحة المواجهة، بل يتطلب تضحيات لا نشك في ان شعبنا لن يبخل بها في سبيل الدفاع عن تربته الطاهرة وارضه المقدسة، كما يتطلب سياسة حكيمة حازمة لا تدع هذا الآخر (الخارج) وعملاءه منفذاً يتغلغل منه لتهديد وطننا وانتزاع مكاسبنا التي حققناها خلال نضالنا الطويل وتضحياتنا الجسيمة.
وعلى الرغم من ثقتنا بان حسابات هذا الخارج وعملائه خاطئة لانه لا يحسب حساب الشعوب وقدراتها الخارقة في المواقف الحاسمة، ولمبالغته في الثقة بقدراته على فرض اراداته على شعبنا واحكام قبضته عليه، نقول: برغم ثقتنا بذلك، فان خطورة الوضع الحاضر واشكال عدوانات الخارج ما زالت ماثلة.. يتطلب منا الارتقاء اكثر فأكثر الى مستوى المسؤولية وحشد كل طاقاتنا للدفاع عن الوطن واحباط هذه العدوانات التي اتضحت خطوطها العامة واهدافها بشكل لا يترك مجالاً للشك في طبيعتها.
ان قوى هذا الخارج وعملاءه يعتقدون انهم يمتلكون اوراقاً رابحة لا تفشل، باستطاعته اثارة الخلافات وافتعال بعض الاحداث، وتضخيم احداث اخرى.. وبذر بذور الشك والارتياب واثارة البلبلة وزرع الاشاعات بين افراد الشعب العراقي الواحد.
لكن شعبنا العراقي المجاهد قد بلغ من عمق الوعي والشعور بالمسؤولية بحيث لن يسمح مطلقاً لمثل هذه الالاعيب ان تؤثر فيه، وانه اكثر وعياً من ان يخدع بمبررات المواقف السلبية وحجج التخاذل والتردد عن الاسهام جدياً في النضال ضد كل انواع العدوانات.. وان شعبنا وقياداته الجماهيرية الحكيمة يدركان تمام الادراك خطورة المؤامرة، ويعرفان عظم ما يتعرض اليه بلدهم من اخطار، ويقدرون تمام التقدير عنف الهجوم المسلط نحوهم.
ولكنهما في الوقت نفسه يعلمان ان لا سبيل الى التراجع ولا مجال للتخاذل في معركة اليوم، انهما يدركان برغم مؤامرات الخارج وضخامة امكاناته وشراستها، فان ظروف المواجهة تهيء كل امكانات النصر، واهم هذه الظروف واكثرها اهمية هي قدرة شعبنا على الصمود واستعداده للتضحية، ونحن واثقون ان وعي جماهيرنا وادراك قياداته الحكيمة لمسؤولياتنا في الظروف الخطيرة الراهنة، كفيل بتحقيق ذلك، ولا سيما عندما تتوفر له قيادة كفؤة وحكيمة.
[email protected]

أحدث المقالات