5 نوفمبر، 2024 1:55 م
Search
Close this search box.

الامس واليوم بين السياسة والاخلاق

الامس واليوم بين السياسة والاخلاق

من الصعب على المرء، مهما كان انتماؤه السياسي، أن ينكر أن مجال السياسة أصبح خلال السنوات الاخيرة التي مضت أقل تحضرا ودماثةً وكما يعتقد البعض أن السياسة تستدعي التخلي عن القيم والأخلاق والتوجه إلى أساليب تتحرر من القيم فكانت الأخلاق والسياسة لهما مفهومان متناقضان.

كما يتصورون أن السياسة هي أن تحافظ على كيانك والبقاء قائما سواء على مستوى الأفراد والحكومات والدول باستخدام كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، وهؤلاء يستندون لنظرية ميكيافيلي الذي يرى أن الأخلاق يجب إبعادها عن السياسة لأنها العائق الوحيد أمام تطور الدول وله مقولة مشهورة «الغاية تبرر الوسيلة ومن هذا المنظور ومع الاسف ان العظمة و الغلبة ينالها الأمراء المخادعون الذين لا عهد ولا وفاء لهم ،والبقاء في السلطة فوق كل الغايات والاعتبارات وبكل الوسائل حتى ان كانت غير مشروعة . لان القوة الغالبة في سياسة حكومات الدول في الزمن الحالي هي المصالح وليس الأخلاق، وذلك على الرغم من ادعاء الدول المتقدمة على التمسك بالمبادئ والأخلاق، باعتبارها الحصن الذي يحمي الدول والحضارات من الوقوع في براثن التدهور والانهيار وهي على ما يبدو ان الحديث عن الأخلاق عموماً والأخلاق في السياسية اليوم مجرد نزوة اخترقت شرفات الحلبة المشتعلة التي تأوي ومايُفترض أن تكون أسرة السياسية واعية بدورها وأسباب وجودها ؛ ولأن الإحتقان العلائقي الذي تعيشه أفراد الأسرة السياسية هي عدم التوازن فيها والسياسة تعني في اللغة وماخوذة من فعل ساس الحصان أي قاده إلى حيث الماء.

وافضل نموذج للادارة هي ما بعثها الإمام علي(ع) إلى مالك الاشتر (رض) والي مصر) كما جاء في نهج البلاغة وفيها أهم الأفكار والمفاهيم السياسية والاقتصادية وشؤون الحكم والإدارة بل من أهم الركائز الفكرية والسياسية والادارية التي بعث بها رئيس دولة إلى أحد ولاته و تضمن هذا العهد رسم الخطوط العريضة للسياسة العامة التي يجب أن ينتهجها الحكام في كل عصر على أساس المنطلقات الإنسانية والإسلامية التي تهدف إلى تنظيم الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية تنظيماً دقيقاً وبناء العلاقات الداخلية في المجتمع الإسلامي على أساس العدل والحرية والمساواة سواءاً كان تعامل الحاكم مع الشعب أو مع رجال السلطة وفق سياسة تكفل للجميع الاستقرار والتقدم.

فالأصل في الفعل السياسي قيادة الناس و تنظيم شؤونهم وقضاء مصالحهم. غير أن تجارب البلدان في السياسة و تجارب الشعوب تبين كيف أن الحصان لا يقاد دائما ومن المفيد والضروري استدعاء الأخلاق في السياسة لإنقاذها من بين طواحين أفراد اسرهم الذين يتمادون في التنكيل بها فالأخلاق والسياسة ماهيتان مختلفتان بطبيعتيهما عندهم ومن المحال احتواء إحداهما للأخرى

، نظرياً قد تكون ثمة «معايير أخلاقية» للعمل السياسي، لكن إسقاط ذلك على الواقع يبدو أقرب للخيال، فالعلاقة معقدة بين قيم الأخلاق المعروفة، مثل ((الصدق والنزاهة والوفاء..الخ ))، والوسائل اللازمة لتحقيق الأهداف السياسية، التي تعتمد غالباً على ممارسة الكذب والخداع، لكون السياسة تشكل بيئة خصبة لتحقيق المكاسب المادية وصفقات الكواليس والامتيازات المعنوية والوجاهة والألقاب، وقد ساهم في تعزيز هذا السلوك طغيان وسائل الإعلام والاتصالات الحديثة. ويمكن التمييز بين بلدان الخضوع والخنوع التي تحكم بالنار والحديد و الدول الديمقراطية المستقرة سياسيا، التي تشكل صناديق الاقتراع وتكريس مبدأ تداول السلطة من خلال الأحزاب السياسية، مخرجا للرد على كذب السياسيين واستبدالهم، عندما يفشلون في تحقيق برامجهم ويكتشف الجمهور خداعهم، وهذه ميزة مفقودة في الدول التي تحكمها أنظمة بوليسية ،أو تصل الى الحكم عبر الانقلابات العسكرية . إن سر نجاح البعض من الدول المتقدمة كان في تبني قيم ومبادئ أخلاقية أصبحت راسخة لدى شعوب هذه الدول، إلا أن هذه الدول أو معظمها خرجت عن هذه الضوابط والقواعد الأخلاقية في سياساتها الخارجية، فكانت معاييرها مزدوجة وفق مصالحها التي تدعيها، والتي لا تخدم بالتأكيد مصالح الشعوب الاخرى .وكما يقول الشاعر احمد شوقي:

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

مع وجود التناقض الشديد ما بين المبادئ والقيم الداخلية التي ترعاها وتحافظ عليها، وبين سياساتها الخارجية التي تعتمد مبدأ المصلحة كمبدأ في التعامل مع العالم الخارجي، خاصة مع العالم الإسلامي و بالرغم من أضراره الخطيرة على علاقاتهم ومصالحهم.

رغم ذلك يمكن دمجهما في زوايا محددة ( اي السياسة والاخلاق ) في تفاعل متبادل ترعاه أجواء الحرية والاعتدال، لأن الفضيلة السياسية أو الأخلاق في السياسة لا يمكن أن تنمو عيانياً في مناخات التطرف والعنف والغلو ومع غياب حقوق المواطنة والعدالة والمساواة والمشاركة. وقد ميز المفكرون والفلاسفة منذ أفلاطون الفارق الكبير في البنية الأخلاقية بين الفرد الذليل والمدفوع وراء أهوائه ونزواته عن الذي يتمتع بكامل حقوقه الطبيعية، المدنية والسياسية ويصبو لقيم الخير والحق والجمال والعدل، فالأخلاق هي مجموعة القيم والمثل الموجهة للسلوك البشري نحو ما يعتقد أيضاً أنه خير وتجنب ما ينظر إليه على أنه شر، وكلاهما، السياسة والأخلاق، تستهدفان تمليك الناس رؤية مسبّقة تجعل لحياتهم هدفاً ومعنى، وبالتالي تلتقيان على الدعوة لبناء نمط معين من المبادئ والعلاقات الإنسانية والذود عنهما، لكن تفترقان في أن طابع المبادئ والعلاقات التي تعالجها السياسة تختلف نوعياً عن تلك التي تتناولها الأخلاق تصل إلى حد التعارض عند ميكيافيللي الذي يغلّب السياسة على الأخلاق في كتابه ” الأمير”، ليظهر السلوك الميكافيللي كما لو أنه يتنكر صراحة لجميع الفضائل الأخلاقية حين يبرر استعمال كل الوسائل لتحقيق الغايات السياسية!!.. أن ممارسة الفرد لاي عمل وفي جميع المجالات يتحتم عليه الالتزام بالمعايير الأخلاقية الثابتة ، وأن تلتزم الدول والمؤسسات بالالتزامات الأخلاقية حيث سوف يُستنتج من أن المعايير والضوابط تلك لها دور مهم في إرساء قواعد الممارسة المهنية والروابط السياسية والاجتماعية الفاضلة .والخلاصة في القول ان العلاقة بين السياسة والأخلاق، ينقسم بين طرفين. بين الوصل بينهما أو الفصل. و الأمر يتقدر بين الفلاسفة بحسب منظوراتهم. و فيها ينفصل المنظور البراغماتي للسياسة عن المنظور الأخلاقي. لكن التاريخ معيار. واحترام القيم الانسانية هو المعيار الحقيقي على الدول اليوم و تقدمت بالأمس على اساسه ورفعت شعاره؟

أحدث المقالات

أحدث المقالات